9 رمضان 1441 هـ
يبدو أن الرسائل المريعة
المتداولة على واتس أب أقلقت الجهات العليا في المنزل ، فرفضت ساعد المدير الأيمن
" أمي " ذهابنا للمسجد ، حسنًا هذا أفضل من ناحية و باعث على الضيق من
ناحية أخرى ، فهو أفضل من حيث خلاصي من شعور الذنب و أنا أخالف القرار ، و باعث
على الضيق من ناحية تصديق أمي للرسائل المتشائمة على واتس أب ، إنني لا أكذِّب
وجود الفايروس و لكنني لا أعتقد ظهوره عندنا ، دليل الناس الذين يعتقدون وجوده هنا
هو حالات الوفاة المتزايدة هذه الأيام ، و هذا ليس دليل أكيد ، و في كل الأحوال
سواء كان خبر صادق أم كاذب لا يهم ، المهم هي الوقاية بما نقدر عليه و في نفس
الوقت عدم الخوف المبالغ به و نشر الرسائل المفجعة كما يفعل الكثير ، إن كبار السن
الذي يجلسون في المنازل باتوا يظنون أن الشارع فارغ تمامًا و أننا نموت بالآلاف
بسبب مبالغة تلك الرسائل ! ، بينما في حقيقة الأمر قد يكتب تلك الرسائل أي أحد و
فوق أنه يكتبها فإنه يخرج للشارع بكل أريحية ! ، طلبي راجٍ منك : " حدِّد
موقفك ! "
اما عني فإني أفضِّل
البقاء في المنزل _ و إن اخترقته بالأمس أعتبرها غلطة صغيرة_ حتى انتهاء مدة الحظر
و هي اليومين التي مضت و هذا هو اليوم الثالث ثم سينتهي ، هذا هو القرار أما في كل
الأحوال فالشارع ممتلئ عن آخره و الناس يخرجون بشكل طبيعي ! ، على كلٍ هذا يعتمد
على سهمك في بناء جنوب عربي منتظم ؛ أما بالنسبة للوقاية فإننا على عكس الدول
الباقية و التي وضعها مستقر ، فالوقاية عندنا محدودة ، بالنسبة لاتخاذ مسافات
متباعدة فهذا شبه مستحيل خصوصًا في بعض المناطق التي أصلًا الفارق بين المنزل و
الآخر لا يتعدى المتر الواحد كما في القلُّوعة الصغيرة جدًا ، و التي تبدو جميعًا
كبيت واحد ، فما تقوله في بيتك يسمعه جارك لشدة قربك منه ! و الفواصل بين المنازل
هناك لا تتعدى النصف متر فكيف سيتم التباعد !
أما من ناحية
الكمامات و القفازات فقد وزِّعت بداية ظهور كورونا ثم اختفت من الصيدليات ، و بات
الحصول عليها شبه مستحيل ، أما بالنسبة للمعقمات فاختفت تمامًا و اصبح الحصول
عليها فوق المستحيل ، بل إن إحداهن ذهبت للصيدليات تبحث عن معقم لواحدة تعرفها في
عملية جراحية فلم تجد ، و عند آخر صيدلية سألت بشيء من اليأس " في معقم عندكم
؟ " فقال العامل : " لا ! " كادت تبكي فسألها العاملان بعد أن
تبادلا نظرة ذات معنى : " لإيش تشتيهه ؟ " فردَّت بيأس : " وحدة
اعرفه بعملية و تحتاج معقم ضروري بس ملقيتليش " فزفر العامل و قال : "
بعطيلك علبة وحدة بس و الله هذا اللي اقدر اعطيلك " فأخذتها و هي تشكره
بامتنان ! ؛ يبدو أن عمَّال الصيدليات لهم دور في بعض الأزمات أو أنَّهم عندما
رأوا المواطنين في جنون خبأوا بعض المنتجات للمحتاجين الحقيقين و لكن أتساءل كيف سيعرفون
المحتاجين الحقيقيين !
على كلٍ تلك العلبة
كانت من رزقها ، و قد كتبها الله لها ، من بعد كل الصيدليات التي مرَّت عليها كان
رزقها في آخرهن ، فسبحان الرزاق ، في قمَّة يأسها و ضعفها كان رزقها ينتظرها كي
تأنس به و تفرح فرحة كبرى كما لم تكن لتفرح لو وجدتها في أول صيدلية !
الرِّزق تكفَّل ربُّنا به أن يقسمه بيننا ، و مهما كانت قسمته فهي عدل و
سبحانه عن غير ذلك ...
قالت مريم بنت عمران
عندما سألها زكريا من أين لها بالرِّزق : ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء
بغير حساب )
آمنت بأن ما يأتيها
هو من عند الله و أن كل من مدَّ لها به ما هو سوى سبب في توصيله لها ، و تأكدَّت
بأن الله عندما يرزق فإنه يرزق بغير حساب و لا دفتر ديون ، يعطي بجوده و كرمه الذي
يليق به سبحانه و تعالى ( و هو خير الرزقين ) جلَّ في علاه ...
يقول سبحانه و تعالى
: ( و ما أنفقتم من شيء فهو يُخلِفُه )
يخلفه : بمعنى يعوِّضه بالبدل منه لكم في الدنيا ، و في الآخرة بالثواب و الجزاء الجزيل .
و رزق الله يعمُّ
البشر أجمعين بل و كل مخلوقاته ، فهو من يرزق الطائر المحلِّق في السماء ، و القطط
المشرَّدة في الشوارع ، و النباتات بإنزال المطر عليها فتنمو في الصحاري و القفار
دون أن يقف على عنايتها سوى الله الذي يتكفَّل برزقها و كفى به ، و هو من يرزق كل
دابَّة تهيم على وجه هذه الأرض كما قال سبحانه : ( و ما من دابَّة إلا على الله
رزقها ) و الدابَّة هي كل ما يدُّب في حركته فوق الأرض ، و من نواحي اسم الله
الرزَّاق المتكفِّل برزق كل شيء هو أن يرزق الكفار و العصاة و المنافقين و
الملحدين و كل مخلوق ، فهو الرَّزاق و لا يدلُّ رزقه أنه يحبُّ من رَزَقَهُ ، بل
هو يرزق كل مخلوق يحبه أو لا يحبه ، و لكن رزقه الذي اختصَّ به المسلمين المؤمنين
المهتدين فهو رزق الإيمان في القلوب و سلامة العقيدة و صلاح الدين فهذا هو رزق
المؤمنين بمراتبهم على حسب حكمته و رحمته ، و هذا هو الرِّزق الآكد ربحًا و الذي
حثَّنا على طلبه و الحرص عليه و مداومة مناجاة الرَّزاق به و طلبه منه ، لأنه لا
يفنى أما رزق الدنيا فهو فانٍ و لا شكَّ (
ما عند الله ينفد و ما عند الله باق ) ، فها هم الكفَّار نراهم يتمتعون برزق الله
لهم و لكنهم غفلوا تمامًا عن الرِّزق الأكيد و هو الإسلام و ما يتبعه من نعيم
الآخرة و جنة الخلد ، فانغمسوا في ملذَّات الرِّزق الفاني و تمسَّكوا به جيدًا و
حرصوا عليه بكل ما اوتوا و لم يطلبوا من رزق الآخرة شيء فخسارتهم في النهاية أكيدة
و كما نقول دائمًا : " العبرة بالخواتيم " فاللهم ثبِّت قلوبنا على دينك
و ارزقنا التمسُّك بكتابك و سنة رسولك و ادخلنا جنات النعيم ...
و الدليل على أن الله
يرزق المؤمن و الكافر و البرَّ و الفاجر ، فيفلح المؤمن البرُّ و يخسر الكافر
الفاجر قوله تعالى : ( فأما الإنسان إذا
ما ابتله ربه فأكرمه و نعَّمه فيقول ربي أكرمن * و أما إذا ما ابتله فقدر عليه
رزقه فيقول ربي اهنن * كلا ) إلى نهاية الآية ...
فالرِّزق من ضمن
البلاء _ كما أشرت بتأمُّل الأمس _ و ليس كل من رزقه الله من فضله يعني أنه كريم
عليه سبحانه ، و لا من رزقه بقدر و مقدار يعني أنه مهان عنده سبحانه ، بل الله
يبتلينا و يختبرنا فيتحدَّد المؤمن بعدل الله و القانط من قسمته ، فاللهم اجعلنا
من الشاكرين الحامدين ، و المؤمن يحمد الله في كل الأحوال و يقول : "
الحمدلله على كل حال " فيزيده الله من فضله و يعوِّضه خيرًا مما فقد أو لم
يحصل عليه ، فبالشُّكر تزيد النِّعم ..
و من الآيات
المؤثِّرة جدًا و الدالَّة على كرم الله و رزقه الكريم : ( و من يتق الله يجعل له
مخرجًا * و يرزقه من حيث لا يحتسب )
و التقوى تكون في
اجتناب المعاصي خوفًا من عقاب الله تعالى ، فمن فعل فالله يجعل له من محنته مخرجًا
و سبيلًا ، و يرزقه حلًا يواسيه من حيث لا يظنُّ أو يتخيَّل ، و هذا و الله من
فضله سبحانه و جوده تبارك و تعالى .
و من المواقف التي
حدثت معي ، هي أنني قبل فترة كنت في دين ، و قد كنتُ قلقة جدًا خصوصًا و أنني أكره
الدَّين و لا ألجأ إليه إلا بعد استنفاد كل الحلول ، فكانت على لساني : "
اللهم من ارزقني بفضلك من حيث لا أحتسب " فتفاجأت بعد أيام قليلة إذا برزق
ينزل عليَّ فينتهي ديني و يبقى لي من الخير الكثير ، فسبحان الله ما أكرمه ...
و المواقف مع رزق
الله الكريم كثير و يطول بها الحديث ، و كفى بقصَّة إسماعيل و أمِّه هاجر دليلًا
على رزق الله في أقسى الظروف أصعبها ...
اليوم أحتاج أن أقول
لنفسي و لكل من يقرأ :
( الله هو الرزَّاق ،
فلا تعتمد على مرتَّب و لا على عائد ، و لكن اجعل لسانك لاهجًا بطلب الرِّزق ، و
احرص على رزق الآخرة الخالد و لا تنغمس في رزق الدنيا الفاني ، و اتقِ الله يرزقك
من حيث لا تحتسب ، و ردِّد " يا رزَّاق " و على طرف لسانك مهما كان رزقك
قليلًا " الحمد لله على كل حال
" ؛ صدِّقني بهذا ستفلح إن شاء الله )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق