3‏/5‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

الرِّزق ، و التي تبحث عن مطهِّر في زمن كورونا


9 رمضان 1441 هـ



يبدو أن الرسائل المريعة المتداولة على واتس أب أقلقت الجهات العليا في المنزل ، فرفضت ساعد المدير الأيمن " أمي " ذهابنا للمسجد ، حسنًا هذا أفضل من ناحية و باعث على الضيق من ناحية أخرى ، فهو أفضل من حيث خلاصي من شعور الذنب و أنا أخالف القرار ، و باعث على الضيق من ناحية تصديق أمي للرسائل المتشائمة على واتس أب ، إنني لا أكذِّب وجود الفايروس و لكنني لا أعتقد ظهوره عندنا ، دليل الناس الذين يعتقدون وجوده هنا هو حالات الوفاة المتزايدة هذه الأيام ، و هذا ليس دليل أكيد ، و في كل الأحوال سواء كان خبر صادق أم كاذب لا يهم ، المهم هي الوقاية بما نقدر عليه و في نفس الوقت عدم الخوف المبالغ به و نشر الرسائل المفجعة كما يفعل الكثير ، إن كبار السن الذي يجلسون في المنازل باتوا يظنون أن الشارع فارغ تمامًا و أننا نموت بالآلاف بسبب مبالغة تلك الرسائل ! ، بينما في حقيقة الأمر قد يكتب تلك الرسائل أي أحد و فوق أنه يكتبها فإنه يخرج للشارع بكل أريحية ! ، طلبي راجٍ منك : " حدِّد موقفك ! "

اما عني فإني أفضِّل البقاء في المنزل _ و إن اخترقته بالأمس أعتبرها غلطة صغيرة_ حتى انتهاء مدة الحظر و هي اليومين التي مضت و هذا هو اليوم الثالث ثم سينتهي ، هذا هو القرار أما في كل الأحوال فالشارع ممتلئ عن آخره و الناس يخرجون بشكل طبيعي ! ، على كلٍ هذا يعتمد على سهمك في بناء جنوب عربي منتظم ؛ أما بالنسبة للوقاية فإننا على عكس الدول الباقية و التي وضعها مستقر ، فالوقاية عندنا محدودة ، بالنسبة لاتخاذ مسافات متباعدة فهذا شبه مستحيل خصوصًا في بعض المناطق التي أصلًا الفارق بين المنزل و الآخر لا يتعدى المتر الواحد كما في القلُّوعة الصغيرة جدًا ، و التي تبدو جميعًا كبيت واحد ، فما تقوله في بيتك يسمعه جارك لشدة قربك منه ! و الفواصل بين المنازل هناك لا تتعدى النصف متر فكيف سيتم التباعد !

أما من ناحية الكمامات و القفازات فقد وزِّعت بداية ظهور كورونا ثم اختفت من الصيدليات ، و بات الحصول عليها شبه مستحيل ، أما بالنسبة للمعقمات فاختفت تمامًا و اصبح الحصول عليها فوق المستحيل ، بل إن إحداهن ذهبت للصيدليات تبحث عن معقم لواحدة تعرفها في عملية جراحية فلم تجد ، و عند آخر صيدلية سألت بشيء من اليأس " في معقم عندكم ؟ " فقال العامل : " لا ! " كادت تبكي فسألها العاملان بعد أن تبادلا نظرة ذات معنى : " لإيش تشتيهه ؟ " فردَّت بيأس : " وحدة اعرفه بعملية و تحتاج معقم ضروري بس ملقيتليش " فزفر العامل و قال : " بعطيلك علبة وحدة بس و الله هذا اللي اقدر اعطيلك " فأخذتها و هي تشكره بامتنان ! ؛ يبدو أن عمَّال الصيدليات لهم دور في بعض الأزمات أو أنَّهم عندما رأوا المواطنين في جنون خبأوا بعض المنتجات للمحتاجين الحقيقين و لكن أتساءل كيف سيعرفون المحتاجين الحقيقيين !

على كلٍ تلك العلبة كانت من رزقها ، و قد كتبها الله لها ، من بعد كل الصيدليات التي مرَّت عليها كان رزقها في آخرهن ، فسبحان الرزاق ، في قمَّة يأسها و ضعفها كان رزقها ينتظرها كي تأنس به و تفرح فرحة كبرى كما لم تكن لتفرح لو وجدتها في أول صيدلية !


الرِّزق تكفَّل ربُّنا به أن يقسمه بيننا ، و مهما كانت قسمته فهي عدل و سبحانه عن غير ذلك ...
قالت مريم بنت عمران عندما سألها زكريا من أين لها بالرِّزق : ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )
آمنت بأن ما يأتيها هو من عند الله و أن كل من مدَّ لها به ما هو سوى سبب في توصيله لها ، و تأكدَّت بأن الله عندما يرزق فإنه يرزق بغير حساب و لا دفتر ديون ، يعطي بجوده و كرمه الذي يليق به سبحانه و تعالى ( و هو خير الرزقين ) جلَّ في علاه ...

يقول سبحانه و تعالى : ( و ما أنفقتم من شيء فهو يُخلِفُه )
يخلفه : بمعنى يعوِّضه بالبدل منه لكم في الدنيا ، و في الآخرة بالثواب و الجزاء الجزيل .

و رزق الله يعمُّ البشر أجمعين بل و كل مخلوقاته ، فهو من يرزق الطائر المحلِّق في السماء ، و القطط المشرَّدة في الشوارع ، و النباتات بإنزال المطر عليها فتنمو في الصحاري و القفار دون أن يقف على عنايتها سوى الله الذي يتكفَّل برزقها و كفى به ، و هو من يرزق كل دابَّة تهيم على وجه هذه الأرض كما قال سبحانه : ( و ما من دابَّة إلا على الله رزقها ) و الدابَّة هي كل ما يدُّب في حركته فوق الأرض ، و من نواحي اسم الله الرزَّاق المتكفِّل برزق كل شيء هو أن يرزق الكفار و العصاة و المنافقين و الملحدين و كل مخلوق ، فهو الرَّزاق و لا يدلُّ رزقه أنه يحبُّ من رَزَقَهُ ، بل هو يرزق كل مخلوق يحبه أو لا يحبه ، و لكن رزقه الذي اختصَّ به المسلمين المؤمنين المهتدين فهو رزق الإيمان في القلوب و سلامة العقيدة و صلاح الدين فهذا هو رزق المؤمنين بمراتبهم على حسب حكمته و رحمته ، و هذا هو الرِّزق الآكد ربحًا و الذي حثَّنا على طلبه و الحرص عليه و مداومة مناجاة الرَّزاق به و طلبه منه ، لأنه لا يفنى أما رزق الدنيا فهو فانٍ و لا شكَّ  ( ما عند الله ينفد و ما عند الله باق ) ، فها هم الكفَّار نراهم يتمتعون برزق الله لهم و لكنهم غفلوا تمامًا عن الرِّزق الأكيد و هو الإسلام و ما يتبعه من نعيم الآخرة و جنة الخلد ، فانغمسوا في ملذَّات الرِّزق الفاني و تمسَّكوا به جيدًا و حرصوا عليه بكل ما اوتوا و لم يطلبوا من رزق الآخرة شيء فخسارتهم في النهاية أكيدة و كما نقول دائمًا : " العبرة بالخواتيم " فاللهم ثبِّت قلوبنا على دينك و ارزقنا التمسُّك بكتابك و سنة رسولك و ادخلنا جنات النعيم ... 

و الدليل على أن الله يرزق المؤمن و الكافر و البرَّ و الفاجر ، فيفلح المؤمن البرُّ و يخسر الكافر الفاجر قوله تعالى  : ( فأما الإنسان إذا ما ابتله ربه فأكرمه و نعَّمه فيقول ربي أكرمن * و أما إذا ما ابتله فقدر عليه رزقه فيقول ربي اهنن * كلا ) إلى نهاية الآية ... 

فالرِّزق من ضمن البلاء _ كما أشرت بتأمُّل الأمس _ و ليس كل من رزقه الله من فضله يعني أنه كريم عليه سبحانه ، و لا من رزقه بقدر و مقدار يعني أنه مهان عنده سبحانه ، بل الله يبتلينا و يختبرنا فيتحدَّد المؤمن بعدل الله و القانط من قسمته ، فاللهم اجعلنا من الشاكرين الحامدين ، و المؤمن يحمد الله في كل الأحوال و يقول : " الحمدلله على كل حال " فيزيده الله من فضله و يعوِّضه خيرًا مما فقد أو لم يحصل عليه ، فبالشُّكر تزيد النِّعم ..

و من الآيات المؤثِّرة جدًا و الدالَّة على كرم الله و رزقه الكريم : ( و من يتق الله يجعل له مخرجًا * و يرزقه من حيث لا يحتسب )
و التقوى تكون في اجتناب المعاصي خوفًا من عقاب الله تعالى ، فمن فعل فالله يجعل له من محنته مخرجًا و سبيلًا ، و يرزقه حلًا يواسيه من حيث لا يظنُّ أو يتخيَّل ، و هذا و الله من فضله سبحانه و جوده تبارك و تعالى .

و من المواقف التي حدثت معي ، هي أنني قبل فترة كنت في دين ، و قد كنتُ قلقة جدًا خصوصًا و أنني أكره الدَّين و لا ألجأ إليه إلا بعد استنفاد كل الحلول ، فكانت على لساني : " اللهم من ارزقني بفضلك من حيث لا أحتسب " فتفاجأت بعد أيام قليلة إذا برزق ينزل عليَّ فينتهي ديني و يبقى لي من الخير الكثير ، فسبحان الله ما أكرمه ...

و المواقف مع رزق الله الكريم كثير و يطول بها الحديث ، و كفى بقصَّة إسماعيل و أمِّه هاجر دليلًا على رزق الله في أقسى الظروف أصعبها ...


اليوم أحتاج أن أقول لنفسي و لكل من يقرأ : 


( الله هو الرزَّاق ، فلا تعتمد على مرتَّب و لا على عائد ، و لكن اجعل لسانك لاهجًا بطلب الرِّزق ، و احرص على رزق الآخرة الخالد و لا تنغمس في رزق الدنيا الفاني ، و اتقِ الله يرزقك من حيث لا تحتسب ، و ردِّد " يا رزَّاق " و على طرف لسانك مهما كان رزقك قليلًا "  الحمد لله على كل حال " ؛ صدِّقني بهذا ستفلح إن شاء الله )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv