10 رمضان 1441 هـ
لم نذهب اليوم للمسجد
، و أثناء صلاة الوتر في المسجد القريب من منزلنا كان الإمام يدعو ملحِّنًا دعاؤه
، برأيي أرى أن الدعاء بدون لحن يبدو أكثر جديَّة ، و أعتقد أنني قد قرأت من قبل
عن خطأ التلحين خصوصًا عندما يتحوَّل الدعاء إلى شبه آيات باتخاذ التجويد و
الحركات !
لا أعرف لماذا
تذكَّرت قول الأستاذة في دار التوحيد قالت : " الله سميع فعندما تدعو لا يجب
أن ترفع صوتك "
و أعطتنا حديث النبي
في هذا قال : ( اربعوا
على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم )
و بالرغم من أن
الإمام لم يكن رافعًا صوته كثيرًا ، و لكنني تذكرت هذا ، إن هذه الكلمات ثبتت في
قلبي و بتُّ أدعو بصوت أكاد لا أسمعه إلا همسًا ؛ استشعار أن الله قريب منك شعور
يُشعرك بالأنس و بشيء من الخجل مما اقترفته من عصيان و ذنب ، الله قريب يسمعك مهما
كان صوتك خافتًا هزيلًا ، فقط تأكد من أنه سميع و قريب فمجيب ...
في قوله تعالى : ( و
قال ربكم ادعوني استجب لكم )
يحثُّنا الله على الدعاء
بحوائج الدنيا و الآخرة ، و أنه سيجيبنا ..
آه لا بدون سين ، قال
: ( ادعوني ) ثم بدون واو أو فاء تابعة قال بشكل مباشر : ( أستجب ) و هذا دليل على
سرعة إجابته ، ثم واسانا بقوله : ( لكم ) سيجيب لنا ..!
لماذا ؟
لأننا دعوناه ، لأننا
بدعائه عبدناه ، و هو الغنيُّ عن عبادتنا ...
يا اللـه ... ما
أرحمك !
يقول عليه الصلاة و
السلام : ( الدعاء هو العبادة )
تأمله جيِّدًا ...
هو العبادة !
هو ما يحبه الله ، هو
ما يرضاه ، فما بك تتكاسل عن تحريك عضلة في لسانك يرضى الله عنك بها !
قُل : يا الله ..
في دعائك ..
تذلَّل ، اخفض جناحك
من الرَّهبة ، توسَّل و كُن في قمَّة الخضوع و اخشع و لا تسمع إلا همسك يرتدُّ
عليك فيغرقك في نوبة من الرجاء ، تقول : ربِ إنك تعلمُ ذنبي فاغفر لي ..
تقول هذا و تستجدي
دمعة لعلَّك بها تكون من سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه ،
تفضح فقرك و حاجتك ، و تتعرَّى من عزَّة نفسك ، لأنك أمام من يعلم بسرِّك و جهرك ،
و هو أعلم بك منك !
قال عيسى : ( تعلم ما
في نفسي و لا أعلم ما في نفسك )
هو محيط بعلم
السماوات و الأرض و ما بينهما ، و أنت لا تحيط بأي شيء إلا بما شاء هو ، يعلم حتى
موئلُك و منتهاك ، يعلم الغيب و أنت الذي لا تعلم أين ستكون بعد قليل أفوق الأرض
أم تحتها !
كُن فقيرًا إليه تبدو
في كامل غناك عمَّن حولك من الفقراء ، كُن في قمَّة ضعفك عنده يعطيك قوة في مواجهة
كل الضعفاء ، كُن ذليلًا معه يعطيك عزَّة عن غيره ، و كُن خاضعًا خاشعًا له يرفعك
...
هو الله الذي لا
مسائل حسابية عنده ، و لا قوانين معه ، هو الله الذي وسعت رحمته كل شيء ، و شمل
علمه كل شيء ، هو الله الذي يقول للشيء : ( كن فيكون ) تمعَّن في قُرب الكلمتين !
لا يمكن أن تقل لأي
شيء كن فيكون ، أنت أفقر ، أنت أضعف ، و أنت ذو قوة محدودة لن تسعك لتقول للشيء كن
فيكون ، أنت أساسًا قال لك القدير : ( كُن ) فكُنتَ !
هي ليست كلمة سحرية ،
لا شأن للكلمة أبدًا ، فمهما قلتها لن يحدث شيء إعجازي ، السرُّ في قدرة الإله
العظيم هذا ...
قدرة على كلِّ شيء ،
و في كل شيء ، و بكلِّ شيء ، سبحانك سبحانك ..
أما أنت فتحتاج
توسُّله ، تحتاج قربه ، و إجابته ، و قدرته ، و حتى محتاج لعبادته ... كي تنجو !
لماذا أنت حزين ،
كئيب ، ضعيف ، يدُك لا تصل لما تريد ، هناك قوة أكبر منك حثَّك الإله على دعائها و
طلبها ..
قل : يا الله و لا
تنتظر ..
ليس لديك صيغة ؟
إذن ردِّد و حسب : يا
الله ، يا قريب يا سميع يا مجيب ...
أعتقد أن لديك مشكلة
بعد ، الوقت ضيِّق ؟
لا بأس قدرة الله
سريعة ، و إجابته أسرع ، استمر : يا الله ..
بالنسبة للإلحاح ،
فكُن لحوحًا و لا تقلق ، أنت لست في مواجهة بشر يملُّون من الإلحاح و ينزعجون منه
لضعفهم و قلَّة حيلتهم ، أنت أمام ربَّ البشر الذي يحبُّ عبده الحريص اللحوح كثير
الدعاء غزير الحاجات ، هل تتصور !
صدِّقني ، لست بحاجة
إلى أي من هؤلاء الأجساد الضعيفة و القدرات المحدودة ، لديك أمانٍ فوق قدرتهم ،
أحلام و مخططات أصعب من أن تصل لها بوساطاتهم ، و لن يستطيعون فعلها لك ، و
سينزعجون من استحالة ما تقول ، لماذا تلجأ لهم !
الله وحده من يستحق
لجوؤك ، أما المخلوقات فهي مجرد محطَّات و أدوات في إجابة الله دعاءك ، فلا
تتعلَّق بأشخاصهم ، كن نبيهًا و اعلم ان الله هو من أجاب دعاؤك فسيَّرهم لأجل
حاجتك ، ألم أقل لك أنه مجيب ..
و لا تنسَ ، فهو قريب
و استشعر قربه بقلب وَجِل ، و عينين دامعتين نادمتين ، و قلب طافح بالحبِّ و
الأشواق ، دائمًا اطلب : " اللهم ارزقني لذة النظر إلى وجهك الكريم ...
هذا ما يجب أن تتمناه
أولًا و حتى قبل الجنة ...
و أنبهك ..
عندما تدعو كُن ذا
آمال عالية ، و طلبات غالية ، فإذا دعوت بالجنة فاطلب فردوسها الأعلى و لا تطلب
الجنة فقط ..
مع الله لا تكن ذا
آمال محدودة ، لا تقل مستحيل فيحال بينك و بينه ، اطلب الأعلى دومًا و الأصعب ،
ألست واثقًا بأن الله قدير مجيب ؟!
إن كنت لست كذلك
فصحِّح توحيدك و تأكد بأن الله هو أقدر قدير ، و أجدر جدير ، و أن معه سبحانه لا
صعب و لا مستحيل ...
و احذر أن تقل "
دعوت فلم يستجب لي " فقد قال عليه الصلاة و السلام : (ما من عبدٍ يدعو الله بدعوة ليس فيها
إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل دعوته في الدنيا،
وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك. قالوا: يا رسول
الله إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر )
و المعنى أن الله
حكيم و قد يؤخر إجابة دعائك لأمر فيه خير لك ، فيدفع بدعائك شر ، أو يؤخره إلى يوم
القيامة حيث تكون له أحوج ، أو يؤخرها ليعطيك أخيَر منها ، و الله حكيم فكن عند
حسن ظنِّك به كما قال عن نفسه في الحديث القدسي : ( أنا عند ظن عبدي بي؛ إن خيرا فخير،
وإن شرا فشرّ )
و راجع حساباتك
دائمًا ، فلعل ذنب لك ردَّ دعاءك عليك ...
فاستغفر و ادعُ من
جديد ، فهو رحيم من قبل أن يكون مجيب ..
رسالتي اليوم أوجهها لأستاذة دار التوحيد الأستاذة التي نبَّهتني على
قرب الله فأغرقتني في دعاء الهمس :
( جزاك المولى عنِّي خيرًا يا أستاذتي القديرة ، و جمعنا الإله في
فردوسه و رزقنا لذة النظر إلى وجهه ؛ و سلَّم قلبكِ )
و إلى كل إنسان ضاقت به الدنيا ، و هاجت بوجهه الدروب أقول :
( قُل : " يا الله " تنجو ، و تنفرج كربتك ، و يتقوَّى عودك
، و تكن بدعائه في خير حال و على أحسن ما يرام ، فقط احرص على أن تكون في قمَّة
اليقين ؛ و أحسِن ظنَّك بالإله يعطيك على حسب ظنِّك )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق