4‏/5‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

الدعاء ، و معلِّمة دار التوحيد


10 رمضان 1441 هـ





لم نذهب اليوم للمسجد ، و أثناء صلاة الوتر في المسجد القريب من منزلنا كان الإمام يدعو ملحِّنًا دعاؤه ، برأيي أرى أن الدعاء بدون لحن يبدو أكثر جديَّة ، و أعتقد أنني قد قرأت من قبل عن خطأ التلحين خصوصًا عندما يتحوَّل الدعاء إلى شبه آيات باتخاذ التجويد و الحركات !



لا أعرف لماذا تذكَّرت قول الأستاذة في دار التوحيد قالت : " الله سميع فعندما تدعو لا يجب أن ترفع صوتك "

و أعطتنا حديث النبي في هذا قال : ( اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم )



و بالرغم من أن الإمام لم يكن رافعًا صوته كثيرًا ، و لكنني تذكرت هذا ، إن هذه الكلمات ثبتت في قلبي و بتُّ أدعو بصوت أكاد لا أسمعه إلا همسًا ؛ استشعار أن الله قريب منك شعور يُشعرك بالأنس و بشيء من الخجل مما اقترفته من عصيان و ذنب ، الله قريب يسمعك مهما كان صوتك خافتًا هزيلًا ، فقط تأكد من أنه سميع و قريب فمجيب ...



في قوله تعالى : ( و قال ربكم ادعوني استجب لكم )

يحثُّنا الله على الدعاء بحوائج الدنيا و الآخرة ، و أنه سيجيبنا ..

آه لا بدون سين ، قال : ( ادعوني ) ثم بدون واو أو فاء تابعة قال بشكل مباشر : ( أستجب ) و هذا دليل على سرعة إجابته ، ثم واسانا بقوله : ( لكم ) سيجيب لنا ..!


لماذا ؟

لأننا دعوناه ، لأننا بدعائه عبدناه ، و هو الغنيُّ عن عبادتنا ...

يا اللـه ... ما أرحمك !



 


يقول عليه الصلاة و السلام : ( الدعاء هو العبادة )

تأمله جيِّدًا ...

هو العبادة !

هو ما يحبه الله ، هو ما يرضاه ، فما بك تتكاسل عن تحريك عضلة في لسانك يرضى الله عنك بها !

قُل : يا الله ..



في دعائك ..

تذلَّل ، اخفض جناحك من الرَّهبة ، توسَّل و كُن في قمَّة الخضوع و اخشع و لا تسمع إلا همسك يرتدُّ عليك فيغرقك في نوبة من الرجاء ، تقول : ربِ إنك تعلمُ ذنبي فاغفر لي ..


تقول هذا و تستجدي دمعة لعلَّك بها تكون من سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه ، تفضح فقرك و حاجتك ، و تتعرَّى من عزَّة نفسك ، لأنك أمام من يعلم بسرِّك و جهرك ، و هو أعلم بك منك !



قال عيسى : ( تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك )

هو محيط بعلم السماوات و الأرض و ما بينهما ، و أنت لا تحيط بأي شيء إلا بما شاء هو ، يعلم حتى موئلُك و منتهاك ، يعلم الغيب و أنت الذي لا تعلم أين ستكون بعد قليل أفوق الأرض أم تحتها !


كُن فقيرًا إليه تبدو في كامل غناك عمَّن حولك من الفقراء ، كُن في قمَّة ضعفك عنده يعطيك قوة في مواجهة كل الضعفاء ، كُن ذليلًا معه يعطيك عزَّة عن غيره ، و كُن خاضعًا خاشعًا له يرفعك ...


هو الله الذي لا مسائل حسابية عنده ، و لا قوانين معه ، هو الله الذي وسعت رحمته كل شيء ، و شمل علمه كل شيء ، هو الله الذي يقول للشيء : ( كن فيكون ) تمعَّن في قُرب الكلمتين !


لا يمكن أن تقل لأي شيء كن فيكون ، أنت أفقر ، أنت أضعف ، و أنت ذو قوة محدودة لن تسعك لتقول للشيء كن فيكون ، أنت أساسًا قال لك القدير : ( كُن ) فكُنتَ !


هي ليست كلمة سحرية ، لا شأن للكلمة أبدًا ، فمهما قلتها لن يحدث شيء إعجازي ، السرُّ في قدرة الإله العظيم هذا ...

قدرة على كلِّ شيء ، و في كل شيء ، و بكلِّ شيء ، سبحانك سبحانك ..



أما أنت فتحتاج توسُّله ، تحتاج قربه ، و إجابته ، و قدرته ، و حتى محتاج لعبادته ... كي تنجو !

لماذا أنت حزين ، كئيب ، ضعيف ، يدُك لا تصل لما تريد ، هناك قوة أكبر منك حثَّك الإله على دعائها و طلبها ..

قل : يا الله و لا تنتظر .. 


ليس لديك صيغة ؟
إذن ردِّد و حسب : يا الله ، يا قريب يا سميع يا مجيب ...


أعتقد أن لديك مشكلة بعد ، الوقت ضيِّق ؟

لا بأس قدرة الله سريعة ، و إجابته أسرع ، استمر : يا الله ..



بالنسبة للإلحاح ، فكُن لحوحًا و لا تقلق ، أنت لست في مواجهة بشر يملُّون من الإلحاح و ينزعجون منه لضعفهم و قلَّة حيلتهم ، أنت أمام ربَّ البشر الذي يحبُّ عبده الحريص اللحوح كثير الدعاء غزير الحاجات ، هل تتصور !


صدِّقني ، لست بحاجة إلى أي من هؤلاء الأجساد الضعيفة و القدرات المحدودة ، لديك أمانٍ فوق قدرتهم ، أحلام و مخططات أصعب من أن تصل لها بوساطاتهم ، و لن يستطيعون فعلها لك ، و سينزعجون من استحالة ما تقول ، لماذا تلجأ لهم !

الله وحده من يستحق لجوؤك ، أما المخلوقات فهي مجرد محطَّات و أدوات في إجابة الله دعاءك ، فلا تتعلَّق بأشخاصهم ، كن نبيهًا و اعلم ان الله هو من أجاب دعاؤك فسيَّرهم لأجل حاجتك ، ألم أقل لك أنه مجيب .. 


و لا تنسَ ، فهو قريب و استشعر قربه بقلب وَجِل ، و عينين دامعتين نادمتين ، و قلب طافح بالحبِّ و الأشواق ، دائمًا اطلب : " اللهم ارزقني لذة النظر إلى وجهك الكريم ... 


هذا ما يجب أن تتمناه أولًا و حتى قبل الجنة ... 


و أنبهك ..
عندما تدعو كُن ذا آمال عالية ، و طلبات غالية ، فإذا دعوت بالجنة فاطلب فردوسها الأعلى و لا تطلب الجنة فقط ..
 
مع الله لا تكن ذا آمال محدودة ، لا تقل مستحيل فيحال بينك و بينه ، اطلب الأعلى دومًا و الأصعب ، ألست واثقًا بأن الله قدير مجيب ؟!


إن كنت لست كذلك فصحِّح توحيدك و تأكد بأن الله هو أقدر قدير ، و أجدر جدير ، و أن معه سبحانه لا صعب و لا مستحيل ...



و احذر أن تقل " دعوت فلم يستجب لي " فقد قال عليه الصلاة و السلام : (ما من عبدٍ يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك. قالوا: يا رسول الله إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر )


و المعنى أن الله حكيم و قد يؤخر إجابة دعائك لأمر فيه خير لك ، فيدفع بدعائك شر ، أو يؤخره إلى يوم القيامة حيث تكون له أحوج ، أو يؤخرها ليعطيك أخيَر منها ، و الله حكيم فكن عند حسن ظنِّك به كما قال عن نفسه في الحديث القدسي : ( أنا عند ظن عبدي بي؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ )


و راجع حساباتك دائمًا ، فلعل ذنب لك ردَّ دعاءك عليك ...

فاستغفر و ادعُ من جديد ، فهو رحيم من قبل أن يكون مجيب ..







رسالتي اليوم أوجهها لأستاذة دار التوحيد الأستاذة التي نبَّهتني على قرب الله فأغرقتني في دعاء الهمس :



( جزاك المولى عنِّي خيرًا يا أستاذتي القديرة ، و جمعنا الإله في فردوسه و رزقنا لذة النظر إلى وجهه ؛ و سلَّم قلبكِ )



و إلى كل إنسان ضاقت به الدنيا ، و هاجت بوجهه الدروب أقول :



( قُل : " يا الله " تنجو ، و تنفرج كربتك ، و يتقوَّى عودك ، و تكن بدعائه في خير حال و على أحسن ما يرام ، فقط احرص على أن تكون في قمَّة اليقين ؛ و أحسِن ظنَّك بالإله يعطيك على حسب ظنِّك )

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv