10‏/6‏/2020

# كتب

أنت حتى لم تكن عدوِّي اللدود!


هاهي الغيرة الغبية تعاود الظهور مرَّة أخرى !

يا إلهي ، أنتَ حتى لم تكن عدوِّي اللدود ..

إن سالي قوية ، رهيبة بصورة متفرِّدة ، من بداية تمسُّكها بالحياة الاجتماعية ، إلى أن تقبل المهمة على مضض و تمضي بأفضل ما يمكن لمشرفة ميتم أن تفعل .


كان غوردون من البداية القطب الموجب بالقضية ، و سالي أيضًا كانت تحمل نفس قدراته و خلجات روحه ، و يتجلَّى هذا في الخلاف الذي يتَّهمها و هو يرتكي على إطار الباب بشيء ما نحو الطبيب مكراي ، كانا متشابهين جدًا و ذروة تشابههما كانت في سردها للغيبة من الطبيب ، كان غوردون البادئ و هي لم توقفه بل زادت الطين بلَّه بتلك الصفات التي أطلقتها بحنق كي يرضى ، لأن الحالة الطبيعية من الإتهام مثل هذا أن لا تسبُّ الطرف الثالث بل أن تقف مع الأسباب التي تدعوه لإطلاق التهمة بهدوء و عقلانية ، و هذا أبدًا لا يتعارض مع قوَّتها و لكنَّه يتعارض مع شخصيتها و تصرُّفاتها الطبيعية ، و عودة لعلاقتهما التي رأيتها منذ البداية مبتذلة و مملَّة فأعزو السبب إلى تشابههما الكبير في الدواخل ، و في القوَّة أيضًا ، و بطريقة ما هما لم يهتديا للطريق الصحيح في فهم أحدهما الآخر و المضي بعجلة حياتهما بحماس أكبر ، سالي معتادة على الحركة و التأثير ، و غوردون رتيب أيضًا في حماسته و ترك بصمته ، منذ البداية كانت كل الأشياء تشير على عدم وجود حب حقيقي مذهل بين الإثنين قد يساعدهما على تخطِّي حاجز الملل الذي يخلِّفه تشابههما حدَّ التطابق ، كانت الأمور بينهما أقرب للرسمية و العلاقات الجوهرية العابرة ، هو حتى لم يبادل ما أحبَّته سالي الحب ، و لم تحبُّ هي ابتعاده الذي يحبه ، سالي مكبرايد تكوَّنت أهم نقطة في شخصيتها خلال الرسائل و هي البذل و الطاقة التي تحتاج تصريف ، و كانت في غمرة إنتاجيتها حتى رأت أن زواجها منه سيحرمها تلك البصمة الذهبية التي هي في أشد التوق لوضعها ، و كان غوردون لا يريد أيًّا من انتاجها الذي تتفاخر به ، بل و صار الأمر أحيانًا إلى احتقاره و اعتباره لما تفعل بأنه شيء من المزاح و المهزلة ، و بالتأكيد لم تكن شخصية سالي من بادئ الأمر ضعيفة بل كانت قويَّة و صارمة حتى في لهوها في الحياة الاجتماعية التي قضتها قبل أن تصبح مشرفة جادة ، و بهذا نرى أن الإمكانيات بين توافقهما ضئيلة جدًا ، و وددت لو أقبِّل رأسها عندما قرَّرت فسخ الخطوبة ، فلو كانت استمرَّت و لو كانت مضت حياتهما معًا ، لما كانت لتكون حياتهما مذهلة أبدًا ، فإما أن تنتهي بطلاق حافل ، أو أنها كانت لتستمرَّ بجرح متقرِّح و قبيح و هذا لا يحدث دائمًا في الغرب و عند الأجانب ، و لكنَّه معمولٌ به في الشرق و في هذا المجتمع تحديدًا .


" يا إلهي يا سالي ، هل تظنيني مخلوقًا من حديد ؟ "

في هذا الموقف تحديدًا ، فهمتُ كم كانت سالي بحاجة لأن تكون شخصًا باذلًا أكثر من متلقِّ ، و كم كان ساندي في المكان الصحيح من الحكاية ، الشيء الوحيد الذي أخَّر تقدُّم الإثنين منذ البداية ، و في التأخير ذاك خير ، حيث كان الوقت متاحًا لهما بالتفكير أكثر حول الأمر ، و بالتالي تقوية تلك المشاعر بينهما ، حتى إذا احترق الميتم و هرع ساندي لنجدة ألغرا تفجَّرت تلك العاطفة ، و إن كان رفضه رؤيتها قد جرحها قليلًا ، و لكنَّ الشرارة التي تمتلكها سالي من حيث الجرأة ، لم تنطفئ للأبد بل وصلت لتركها له رسالة خاصَّة بسرد حنقها من رفضه لرؤيتها ، و بشيء من التفاوض نجح الأمر و بشكل مُرضٍ أيضًا للحب الذي طال كبته بينهما .

و على أيَّة حال فالحب ابتدأ منذ أطلقت سالي على السيد مكراي لقب " عدوي " بل و تفنَّنت بعدها بإضافة " اللدود " و أحيانًا " الألد " ، و فعلًا كان عدوًّا بشكل مبالغ به ، في حين أن العدواة بينهما كانت غلافًا لودٍّ ينمو مع الأيام .

" و لست أمانع في الهرم معك يا ساندي "

و هنا بوضوح نرى أن تصاعد الأمر بين الإثنين لم يكن هينًا أبدًا ، بل كان ذا أثر عميق حد ذكر الهرم و الشيخوخة بأمل و قوَّة تليق بسالي مكبرايد ، سالي التي خافت مع غوردون من فشل بالزواج ، و مع ساندي شعرت بالأمان التام حدَّ ذكر الهرم و تخطي مراحل العمر الطويلة .



الأسلوب الاسكتلدني الرهيب كما وصفته سالي ، هو ذاك الأسلوب المُشاع غالبًا هنا ، و في الروايات الخليجية تحديدًا يُتفنَّن في سرد طرقه ، و هو أسلوب للمتحفِّظين من هذه النواحي ، و برأيي أنه شيء جميل و يُضفي نكهة جميلة و لكن لا يصح الإستمرار به طويلًا فهو يُصبح مبتذلًا جدًا بالمبالغة به .


و بشأن غيرتي هذه المرَّة فقد كانت الفرصة التي حظت بها سالي بوقت مبكِّر ، و المغامرة التي دَخَلتها بروح متحدِّية لكل الظروف ، و أنا أحبُّ المغامرات ، و تمنَّيت طويلًا زيارة ملاجئ الأيتام ، و الاهتمام و لو بجزء بسيط بشأن من شؤون أطفال كثيرون أيتام ، فمن ناحية لدي شغف بالأطفال و من أخرى لدي توق للمغامرة ، و هي تداعب شغفي برسائلها عن الأطفال هناك فتارة تحكي عن بنش المتمرِّد و تارة عن ألغرا و سادي كيت و كلًا من شخصياتهم مثيرة للإهتمام ، و لا شكَّ بأن الإعتناء بهم و كونك مشرفًا عليهم يعطيك شعورًا أجمل بغض النظر عن ثقل المسؤولية ، إن سالي أبدعت في أفكارها الترفيهية و المتنوِّعة ، فأقامت المخيَّم و غيَّرت الزيَّ الأزرق الكئيب بمربَّعاته ، و أنشأت المزارع الخاصة و فكرة صناديق الألعاب الخاصة و تبادل العملات بين الأطفال اليتامى ، و الكثير من الأفكار المدهشة التي نفَّذتها بصحبة ساندي مكراي ، و لو كنتُ مكانها لكنتُ أشدُّ حماسًا و لكنني لا أظنُّ أن انتاجيتي و فعاليتي ستتفوَّق عليها ، فهي شرسة جدًا و هذا رهيب و مثير حقًا .



في التلميحات العابرة عن عائلة بندلتن شيء من الإطمئان الذي أُلقي على عائلتهم ، نفحة سلام حملتهم للجنوب و حيث الساحل و كثير من الترفيه ، و جودي تستحقُّ بلا شكَّ ، و لكن بطريقة ما شعرتُ بالضيق من جيرفس عندما يكون سببًا في جعل جودي البسيطة عملة صعبة لا تكاد ترى ، و أتساءل حقًّا لماذا تصبح الحياة أثقل بعد الزواج ؟ و من أين المشكلة ؟

هل هو الرجل الذي يبدأ بتحبيط المرأة و جعل خروجها و تنقُّلها صعبًا ؟

أم أن المرأة نفسها تبدأ مسيرتها في أن تكون أمًّا مملة و منعزلة ؟


و بصراحة لم أستطع تركيب صورة جودي المتزوِّجة من جيرفس ، و جودي الصغيرة في الكليَّة و التي تكتب بحماسة عن أقل الأشياء بأكثر الكلمات ، جودي في " عدوِّي اللدود " تبدو سيدة من الطبقة الراقية ، أنفها مرفوع و عينيها لا تنفد إلى كل الأشياء ، و اهتمامها لا يتعدَّى دائرتها مع جيرفس و طفلتها التي عجزت عن تخيُّلها ، و برأيي أنها كانت أجمل ببساطتها و لكن بأية حال هي ليست البطلة ليتم التركيز عليها ، و هذا ما لا أستطيع تقبُّله حاليًا ، أن جودي ليست البطلة في الجزء الثاني ، و أشعر بنوع من الرغبة بلومها عن تنحِّيها عن الصورة ، و تركها سالي تكون الراوي ، و بالرغم من أن سالي رائعة و سردها جميل إلا أن جودي مليئة بالمفاجآت بعكسها ، فعندما كانت سالي الفتاة التي عاشت برخاء و تتقبَّل الأشياء بسلاسة أكثر رغم أن حياتها حافلة حتى بعد أن أصبحت مشرفة للميتم ، كانت جودي شديدة التركيز و حياتها ذات تفاصيل أقل ، و تذكر أبسط الأشياء بتفنيد مفصَّل و مشوِّق .

و بهذا أكتشف أنني أميل لجودي أكثر ، و لا أدري أيعني هذا تشابهنا أم تضادُّنا ، و في كل الأحوال لا زلت أفتقد عامل الإثارة التي تمتلكه سالي و تصنعه جودي ، أحتاج دفعة و دفعة و دفعة و عندما أبدأ فأظنُّ بأنني سأستعير عبارة نسرينة : مرحبًا يا خطوتي الأولى ، و سأُكثر من صيغ التراحيب و شعارات الحماس و التشجيع .


حسنًا بما أن غيرتي الغبية من جودي الصغيرة لم تكبر مع جودي بعد الزواج من صاحب الظلِّ الطويل ، فإنني أكثر هدوءًا مع سالي و غيرتي من فرصة المغامرة التي نالتها رغم أنها تبدو أعلى إلا أنني لا أستطيع أن أتعمَّق بها فيبدو أن سالي ستتجاوز مرحلة المغامرة بعد أن تنقضي السنة الأولى و ستبدو رتيبة جدًا و مشغولة أيضًا بعد الزواج ، لذلك قرَّرت عدم إعادة قراءة الكتابين كما أحب حتى وقت لاحق ، و الآن عليَّ الإستمتاع باستراحتي المزعومة ، و لهذا فقد أنهيت " جريمة في قطار الشرق " بحماسة كبيرة و تفاجأت كثيرًا بالنهاية و لكن أدركتُ معها إدراكًا صغيرًا مهمًّا ، و هو أن خلف المصادفة غير المعقولة تحقيق دقيق لها ، و ترتيب تفصيلي لها أيضًا ، هل يمكنني استعارة عقل السيد هيركيول بوارو أحيانًا ؟


كنتُ قد قرأت كتحلية بين " صاحب الظلِّ الطويل و " عدوِّي اللدود " ، قضية " جريمة في بيت الطالبات " و رغم أن نيجل كان بريئًا في رأسي إلا أنه كان " رأس البلا " في النهاية ، إنني هذه الفترة أفقد قدرتي السابقة على اكتشاف القاتل و التركيز على أحداث القضايا ، أعتقد أن لتوقُّفي عن القراءة كل هذا الوقت سببًا في أنني عدتُ لنظريتي بأن جميع الناس طيِّبون ، و أن الجريمة تحدث في وقت حرج من شخص شرير لا يستطيع إخفاء نفسه خلف أي براءة ، على أيَّة حال صحيح أنني بعد أن أقرأ لإجاثا أتحوَّل لشخصية متحذلقة في كشف الأحداث و أبدو في قمَّة التركيز بالأشياء التافهة ، و ربما أرى الكثير من الشر في هذا العالم ، إلا أنَّها تعطيني مَلَكة في التفكير الصائب ، و التحليل المنطقي ، و فوق هذا متعة الكشف عن الثغرات ، و القراءة السلسة لإجاثا لا توصف بالطبع .



لحظة ، لماذا تنظر إليَّ هكذا و كأنني كائن فضائي ؟

آه في الحقيقة كنتُ قد توقَّفت عن القراءة بصورة قسرية قبل فترة بعد أن كدت أتحوَّل لدودة كتب ، الأمر الذي لم يعجب أسرتي و بالأخص أمي ، فقرَّرت التوقُّف لوقت معيَّن حتى يُغَضَّ البصر عني ثم سأعود ، مع العلم أن قراءتي وقتها كانت متنوِّعة و غير ثابتة أبدًا ، كما ذكرتُ سابقًا عن تنوُّع الرف الصغير الذي يحمل كتبي و هو تنوُّع مضحك جدًا ، و دعني أسرد لك ما فيه : كتاب البداية و النهاية لإبن كثير ، لأنك الله لعلي جابر الفيفي ، عابر سرير لأحلام مستغانمي ، رواية نور للدكتورة هند فؤاد ، حكاية الشتاء شكسبير ، شرف لإليف شافاك و نظرات ثاقبة و قواعد العشق الأربعون _ الذي أحرقته _ ، و غادة الكاميليا لإلكساندر دوما الإبن ، ثلاثة من روايات إجاثا كريستي ، و الجزء الأول من رأفت الهجَّان لصالح مرسي ، و مجموعة من المسرح العالمي ، و كنوز أولوغ بيك " أنوي حرقه لكثرة الإعتقادات الباطلة فيه " ، و المذكِّرة المخفية لحرب الخليج و مذكِّرات الشاذلِّي لحرب أكتوبر ، و كتب سياسية استعرتها من مكتبة والدي ولم أعدها بعد !

أحتاج أن أشير بأنني حفظتُ هذه الكتب تقريبًا و لكنني لا أمانع أن أعيدها مرَّات و مرَّات و مرَّات ، لدي اعتقاد بأن الإعادة تكشف جوانب أخرى للكتاب ، و بالطبع فإن قراءاتي لم تتوقَّف هنا بل كنتُ أتسلَّل لمكتبة والدي و رغم أنها مليئة بكتب السياسة و الاقتصاد و كتب مملَّة جدًا إلا أنني أجد أحيانًا كتب تاريخ جيِّدة فأقرأها ، و كنتُ أمتلك وقتها آيفون 4 و لكنني لم أقرأ عبر صيغة الـpdf ، كان الآيفون يدعم الصيغة و لكنني لم أقرأ بها نظرًا لكثير من الأمور التي جعلتني أستصعب الفكرة ، و في النهاية عندما بدأت أتوسَّع بشراء الكتب عَلَت بعض الأصوات المعترضة على نهمي ، و شيئًا فشيئًا لم تعد الظروف متاحة لي بالقراءة و تركتُ الأمر نهائيًا ، لهذا عندما أعود الآن و أقرأ كتبًا كانت على قائمة عريضة بالشراء من المفترض أنني قد قرأتها سابقًا ، أشعر و كأنني قد وصلت متأخِّرة في سباق ، و رغم يقيني من أنني قد تأخرت إلا أنني على نفس الحماس للمواصلة بجدٍ أكبر ، لهذا لا تنظر للقائمة باستغراب ، هذه القائمة متأخرة جدًا و هي تعمل جاهدة للَّحاق بالركب ، و التعويض عما فاتها .


































الصورة التقطتها بالأمس.








هناك تعليقان (2):

  1. أحببتك تدوينتك عن صاحب الظل الطويل كما أحببت هذه ❤
    والحق أني لم أقرأ الجزء الأول واكتفيت بمتابعة رسوم الكرتون وعندما صدرت ترجمة بثينة لم أتجرأ على القرب منها خفت أن تفسد الذكر الجميلة لجودي في مخيلتي ، لكني قرأت عدوي اللدود وأحببتها كثيرا ً ليتها أعجبتك ، جميلة جداً تلك المراسلات ونضج سالي ومنطقيتها ورغم أنها شخصية ثانوية إلا أن الكاتبة أعطتها نهاية لائقة وسعادة خاصة ولم تكتفي بختام لجودي ، هل تعلمين عندما قرأتها شعرت اني أشبه سالي رغم اعجابي الشديد بجودي ..دام قلمك غزيرا و حلوا يا أسومة

    ردحذف
    الردود
    1. أوه أسماء بصدق يبدو أنني أحببتك
      بصراحة لا أستطيع أن أؤكد لك بأن الرواية لن تفسد الذكرى الجميلة ، رغم أنها ليست سيئة أبدًا و لكنَّها أثقل بعض الشيء من الكرتون _ كالعادة بالطبع _ ، بالنسبة لعدوِّي اللدود فهي جميلة و أحببتها حقًّا ، و لكنَّها بجانب صاحب الظلِّ الطويل تسقط ، و سالي شخصية مذهلة و لكنَّ القرب الذي شعرته كان لجودي و كما قلتُ في التدوينة فقد شعرت بأنني أريد لومها في عدوِّي اللدود على ابتعادها عن الصورة الرئيسية ، و أعيد ما قلته عن سالي بأنها قامت بالواجب ، و لا شكَّ بأنها ملأت المساحة بذكاء ، و إلا ما كنتُ لأهتمَّ بعدوِّها الجميل .
      أستطيع أن أقول بأنني أتخيَّلك تشبهين سالي كثيرًا ، قوية و ثابتة و الأهم قادرة على اتخاذ القرارات بكل ثقة ، لا أدري من أين تكوَّنت لك برأسي هذه الصورة ، و لكنني أراها جميلة جدًا و مناسبة أيضًا لك .✨
      و أنتِ أسومة الحبيبة دمتِ بسعادة و قوَّة لا تغادرك ، سلَّم روحك من أي عثرة تسقطها .🌸

      حذف

Follow Us @techandinv