10‏/6‏/2020

# رسائل لن تصل # فلسفة خاصة

" ابدأ " هذا ما يمكن فعله الآن


في الخط الثالث من الطريق البحري ، قيد التجهيز ليصبح جاهز للحركة بشكل رسمي عليه ، و في مقدِّمته من جهة المعلا و خور مكسر ، دخلنا هناك ، و حضَّرنا الشواء و صنعنا الشاي و القهوة على الجمر ، هناك أصداف حيَّة ، قواقع تتحرَّك ، دود أسود سريع الحركة ، لفتتني القوقعة الصفراء التي كانت تمشي على مهل ، بجانبها قواقع لا تتحرَّك ، اسوَّدت من اللاحياة التي تعيشها ، لا زال بها خطوط صفراء لكنها داكنة و الأغلب في لونها الأسود ، اقشعرَّ بدني من اللزوجة التي بالصخور ، الماء يغمرها و يكاد يُسقطك لو لم تكن ثابتًا ، و قد سقطت كما هو المنتظر مني ، غمرنا أقدامنا بماء البحر ، صوَّرنا المنظر الساحر الذي يشمل البحر و الشمس و القوارب المتأرجحة على سطحه ملايين المرَّات ، ابتعدنا قليلًا عن الموقع أنا و براءة المنسجمة باللعب على دراجة أخوها الصغير ، اقتربنا من القوارب فحصنا المكان هناك و وجدنا أصداف غريبة و كثيرة ، و لكنني رفضت أن نحملها و نريها الآخرين ، خفتُ أن تكون حيَّة و تتحرَّك بين أيدينا ، ركضنا غير آبهين بحركة السير النشطة على الخط المقابل ، كان الآخرون يشعلون النار بعد أن جهزوا مكان الشواء ، و بدأوا بصنع القهوة و الشاي ، بينما قمنا نلعب بالأحجار الصغيرة و نرميها للبحر ، و بعد صلاة المغرب قُدِّم العشاء المبكِّر المكوَّن من دجاج و بطاطا و بعض الخضروات الأخرى و أحضرنا معنا بعض الرغيف من المنزل ، كان الطعام شهيًا و إن كانت البطاطا غير ناضجة تمامًا إلا أن البهارات فعلت فعلتها و جعلتنا نلتهمها بتلذُّذ ، ثم بعد الطعام جلسنا قليلًا ثم رتَّبنا الأشياء و غادرنا و ها أنا أكتب .











إنني لا أنكر أنني سعيدة بالنزهة السريعة هذه ، و لكن رأسي العنيدة تقول  : " منذ الصباح تضعين الأشياء موضع طوارئ و ترتيب ، ثم ذهبتِ الرحلة و عدتِ ، أخبريني ماذا أنجزتِ اليوم ؟ "

لا بأس اغفروا لي إنه هوس المثالية ، و هاجس الوجود الذي يقتل كل من يغرق في فوضى التأثير و البصمة ، أزفر نهاية كل يوم بقلق من تضييع الوقت ، أتنهد ببطء كلما أدركت أن طاقتي موفَّرة في أماكن لا تكاد ترى ، و أطرق بأصابعي على الجهاز أثناء قراءتي لكتاب ما بتوتر ، أعرف أنني أضيع الوقت و أعرف أنني ما دمتُ أريد أن أكون مؤثرة في هذا العالم ، أو حتى في هذا المحيط ، فيجب عليَّ أن أبدأ و لكنني لا أعرف من أين أبدأ ، و كيف ؟!

فأستمر بإضاعة الوقت بابتسامة متوترة ، و أصابع تُفرقع كل ثوان ، سأسمي هذه الحالة : " هاجس الوجود " ، مع أن تسميتها و عدم تسميتها لا يصبُّ في مصلحة التخلُّص منها ، و لكن لدي اقتراح لستُ أحبُّه و لكنني أقوم به على أيَّة حال ، و هو أن أتخلَّص أولًا من هذا الهاجس الأحمق ، و كيف أتخلَّص منه ؟ ، حتى الآن لا زال الحل أكثر حماقة من الهاجس نفسه ، و هو أن أقضي وقتي بالرخاء بدون مبالغة فمثلًا عدتُ للقراءة بشكل مكثَّف منذ يومين ، و أحاول ألا أهتم كثيرًا للأحداث من حولي ، حتى أنني في هذه النزهة لم أقم بأي مشاركة في التخطيط ، و كل ما فعلته أن جهَّزت نفسي و ساعدتُ فيما يُطلب مني فقط ، و عندما يجيء ليل هذه الأيام أقوم بطرد أيِّة تأنيب للضمير ، و أخبر نفسي بشكل متكرِّر إنها استراحة ، و لا أدري استراحة لأي شيء بالضبط ، و لكنها استراحة هكذا عقلي يقول ، و هناك لافتة بعيدة يرفعها عقلي بعينين ضيقتين مكتوب عليها : " هنا تنتهي الراحة ، هنا يبدأ الجد " ، و أظنُّ بأن رأيي يقول بأن ما قرأته سيكون زادي في ذلك الوقت ، و لكن بشكل عام تبدو الرؤية من هنا مشوَّشة و ضبابية ، قد لا تكون هناك أيَّة نهاية لهذا الرخاء ، و عندما أفكِّر بهذا أقول برعب : " بلى بلى هناك نهاية ، يجب أن أبدأ " ، و عندما أقول بشبه يقين : " ها هي نهاية رخاؤك يا أسماء ، ها هي بوادر الجدِّ تلوِّح " أطرق أصابعي على أي جسد جمادي ، و أغوص بين كلمات الكتاب الذي أقرؤه ، أحاول اكتشاف المجرم في القضية ، و أحاول بعين متحذلق أن أخرج عبرة و مغزى من وراء أي كلمة عابرة ، تمامًا و كأنَّهم يقولون الإمتحان غدًا ، و أنا أتمادى باللهو قبل أن يقبل ، و في كل الأحوال إنني انسان كفاية كي أخاف من وقت الجدِّ و كي ترتعد فرائصي من البدايات المتأخرة ، و لكنني بشرية مغرورة للحد الذي يجعلها تجزم أن وقتها هذا ليس ضائعًا تمامًا بل نوع من ما يحتاجه أي بشر .

هناك عبارة لا أتذكَّر تمامًا أين قرأتها و لكنها شغلت بالي كثيرًا و لا زالت و هي : الوقت الذي تستمتع بإضاعته ليس وقتًا ضائعًا .

و رغم أن العبارة جاءت لصالح كسلي و تكاسلي إلا أنها لم تدفع شيئًا للبدء ، لا زلت متوقِّفة أو ربما سأقول كما كنتُ أقول " لا زلتُ أركض دون حراك "

نَفَسي منقطع ، روحي منهكة ، و عيناي مجهدتين ، و يداي في قمة الذبول ، هناك إرهاق و إنهاك بلا مصدر ، إنني أريد البدء و هذا مرهق كثيرًا ، و برأيي البدايات هي الشريط الذي يجب أن تبدأ البحث عنه كي تقطعه و تبدأ طريقك ، و لهذا كل البدايات السابقة كانت وهمية ، لم يكن هناك أي خيط افتتاح ، كل ما هنالك بعض الخيوط المتناثرة في كيس مخبَّأ في درج ليس مميَّز أبدًا ، و لهذا كانت البدايات غير صالحة للبدء من جديد ، و لا حتى للتذكُّر ، و عندما تكون البداية وهمية فإن إشارات باقي الطريق سراب .

البدايات ليست الشيء الصوري ذاك ، البداية هي الدفعة الأولى في نشاط ما ، فمثلًا البداية في اليوم تكون بترتيبة سرير ، ابتسامة دافئة ، حمام سريع ، و أحيانًا لا شيء بالمرَّة ، و هذه البداية الصغيرة تحدِّد نوع اليوم ، و تكون منها نقطة انطلاقة روتينهُ ، في بعض الأحيان و عندما لا تكون لليوم بداية فسيكون اليوم كله عبارة عن خط ممل من الأحداث مليء بالسراب و أحلام اليقظة ، البدايات مهمَّة جدًا ، و دومًا كنتُ فاشلة في البدايات ، لأنها دومًا احتاجت دفعة أولى ، و أرى صعوبة كبيرة من فعلها ، إنني جريئة و لكن في البداية و عندما أحتاج جرأتي يحدث أن تكون كما المستحيل ، و رغم كل محاولاتي فلا تكون كافية ، لذلك بداياتي قليلة جدًا و على أصابع اليد يمكن عدها ، و هي كما النجوم التي على كتف أفخر بها كثيرًا ، و أهنِّئ كل من لديه القوَّة دائمًا للبدايات و أقول : امضِ ، احصد بدايات أكثر أنت بحاجة للوجود .



اليوم مثلًا كان لدي جرعة من أعشاب يجب أن أشربها ، و لكن بسبب تخوُّفي ماطلتُ في شربها ، حتى عدتُ من رحلة الشواء ، و كادت اختي تقتلني لإخفاء الجرعة كل هذا الوقت ، و شربت أمامي منها كي تريني أنها ليست سيئة للحد الذي أخاف منه ، و بعد عناء من التفكير بسكبها سرًا و الذي كشفته اختي و رفضته تمامًا ، أمسكتُ بأنفي عند حوض الغسيل و أغمضتُ عيناي و شربتها بسرعة و تلاحق !

كانت مُرَّة كثيرًا ، و لكنني في النهاية شربتها ، لماذا أخَّرت بداية شربها كل هذا الوقت إن كنتُ سأفعلها في النهاية ؟

هذا نوع آخر من تصرُّفاتي حيال البدايات ، بداية متأخِّرة تابعة لشيء يكاد ينتهي ، بداية عرجاء ، بداية ستنخر رأسي طوال الطريق ، بداية ستأخذ غالب قواي و سأسقط في ضعف خلال الطريق ، و بداية حمقاء للغاية ، و مجموعها قليل و يكاد لا يكفي متطلَّبات الوجود الذي أبحث عنه .



ملحوظة أخيرة : البدايات الوهمية هي تلك التي تجعلك تُثبِت لنفسك عشرات المرَّات أنك بالفعل قد بدأت و أنه ليس عليك أي غبار مما تشتمُّه ، و أنَّك تعاني من هاجس اللاوجود و أنك جدير بالتأثير ، قدير على الإنجاز ؛ و أنا أقول لك : أنتَ إنسان كفاية كي تأخذ وقتك في الحياة و النضج بتوازن ، " ابدأ " هذا ما يمكنك أن تفعله إن كنتَ مصرًا على فعلها الآن .


هذه الأيام أسمع شيلة اسمها أوَّل أحلامي يقول فيها :  

 جدعت عمري بلا ترتيب 
و العمر تاليه مترامي 

 أساير الوقت بالتلعيب 
 و أقول أنا بأوَّل احلامي

كلمات : صالح السهلي 





هناك تعليقان (2):

  1. "لا بأس اغفروا لي إنه هوس المثالية ، و هاجس الوجود الذي يقتل كل من يغرق في فوضى التأثير و البصمة ، أزفر نهاية كل يوم بقلق من تضييع الوقت ، أتنهد ببطء كلما أدركت أن طاقتي موفَّرة في أماكن لا تكاد ترى ، و أطرق بأصابعي على الجهاز أثناء قراءتي لكتاب ما بتوتر ، أعرف أنني أضيع الوقت و أعرف أنني ما دمتُ أريد أن أكون مؤثرة في هذا العالم ، أو حتى في هذا المحيط ، فيجب عليَّ أن أبدأ و لكنني لا أعرف من أين أبدأ ، و كيف ؟"

    لأجل هذه الفقرة أهديكِ تدوينتين الأولى لَنَوار و الثانية لتسنيم 🌸 آمل لكِ الفائدة :')
    تدوينة بعنوان - تغيير
    https://nawartaha.wordpress.com/2019/09/19/change/

    تدوينة بعنوان - إنجازات صغيرة
    https://mntasneem.wordpress.com/2018/09/04/%d8%a5%d9%86%d8%ac%d8%a7%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d8%b5%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a9/

    أكرميني و إياهن بدعواتك الطيبة 😁🌿

    ردحذف
  2. بدأتُ بقراءة هديتيك اللتان تبدوان في قمَّة الفائدة لي ، و اللتان على الأرجح تعالجان هذا الهوس ، شعرت بأن قراءتي هناك و تركي لك هنا سلوكًا غير مهذَّب لذا سأشكرك من قبل القراءة و ربما أشكرك بعدها .
    سلمتِ نسرينة ، على الحضور بهدية لطيفة تشبهك 💝
    بالنسبة لتسنيم و نوار فمن قلبي خالص الشكر لهنَّ و لأسلوبهنَّ القريب من القلب و الذي يجذب على متابعة القراءة بشغف .🌷

    ردحذف

Follow Us @techandinv