هاهي الغيرة الغبية
تعاود الظهور مرَّة أخرى !
يا إلهي ، أنتَ حتى
لم تكن عدوِّي اللدود ..
إن سالي قوية ، رهيبة
بصورة متفرِّدة ، من بداية تمسُّكها بالحياة الاجتماعية ، إلى أن تقبل المهمة على
مضض و تمضي بأفضل ما يمكن لمشرفة ميتم أن تفعل .
كان غوردون من
البداية القطب الموجب بالقضية ، و سالي أيضًا كانت تحمل نفس قدراته و خلجات روحه ،
و يتجلَّى هذا في الخلاف الذي يتَّهمها و هو يرتكي على إطار الباب بشيء ما نحو
الطبيب مكراي ، كانا متشابهين جدًا و ذروة تشابههما كانت في سردها للغيبة من
الطبيب ، كان غوردون البادئ و هي لم توقفه بل زادت الطين بلَّه بتلك الصفات التي
أطلقتها بحنق كي يرضى ، لأن الحالة الطبيعية من الإتهام مثل هذا أن لا تسبُّ الطرف
الثالث بل أن تقف مع الأسباب التي تدعوه لإطلاق التهمة بهدوء و عقلانية ، و هذا
أبدًا لا يتعارض مع قوَّتها و لكنَّه يتعارض مع شخصيتها و تصرُّفاتها الطبيعية ، و
عودة لعلاقتهما التي رأيتها منذ البداية مبتذلة و مملَّة فأعزو السبب إلى تشابههما
الكبير في الدواخل ، و في القوَّة أيضًا ، و بطريقة ما هما لم يهتديا للطريق
الصحيح في فهم أحدهما الآخر و المضي بعجلة حياتهما بحماس أكبر ، سالي معتادة على
الحركة و التأثير ، و غوردون رتيب أيضًا في حماسته و ترك بصمته ، منذ البداية كانت
كل الأشياء تشير على عدم وجود حب حقيقي مذهل بين الإثنين قد يساعدهما على تخطِّي حاجز الملل الذي يخلِّفه تشابههما حدَّ
التطابق ، كانت الأمور بينهما أقرب للرسمية و العلاقات الجوهرية العابرة ، هو حتى
لم يبادل ما أحبَّته سالي الحب ، و لم تحبُّ هي ابتعاده الذي يحبه ، سالي مكبرايد
تكوَّنت أهم نقطة في شخصيتها خلال الرسائل و هي البذل و الطاقة التي تحتاج تصريف ،
و كانت في غمرة إنتاجيتها حتى رأت أن زواجها منه سيحرمها تلك البصمة الذهبية التي
هي في أشد التوق لوضعها ، و كان غوردون لا يريد أيًّا من انتاجها الذي تتفاخر به ،
بل و صار الأمر أحيانًا إلى احتقاره و اعتباره لما تفعل بأنه شيء من المزاح و
المهزلة ، و بالتأكيد لم تكن شخصية سالي من بادئ الأمر ضعيفة بل كانت قويَّة و
صارمة حتى في لهوها في الحياة الاجتماعية التي قضتها قبل أن تصبح مشرفة جادة ، و
بهذا نرى أن الإمكانيات بين توافقهما ضئيلة جدًا ، و وددت لو أقبِّل رأسها عندما
قرَّرت فسخ الخطوبة ، فلو كانت استمرَّت و لو كانت مضت حياتهما معًا ، لما كانت
لتكون حياتهما مذهلة أبدًا ، فإما أن تنتهي بطلاق حافل ، أو أنها كانت لتستمرَّ
بجرح متقرِّح و قبيح و هذا لا يحدث دائمًا في الغرب و عند الأجانب ، و لكنَّه
معمولٌ به في الشرق و في هذا المجتمع تحديدًا .
" يا إلهي يا
سالي ، هل تظنيني مخلوقًا من حديد ؟ "
في هذا الموقف
تحديدًا ، فهمتُ كم كانت سالي بحاجة لأن تكون شخصًا باذلًا أكثر من متلقِّ ، و كم
كان ساندي في المكان الصحيح من الحكاية ، الشيء الوحيد الذي أخَّر تقدُّم الإثنين
منذ البداية ، و في التأخير ذاك خير ، حيث كان الوقت متاحًا لهما بالتفكير أكثر
حول الأمر ، و بالتالي تقوية تلك المشاعر بينهما ، حتى إذا احترق الميتم و هرع
ساندي لنجدة ألغرا تفجَّرت تلك العاطفة ، و إن كان رفضه رؤيتها قد جرحها قليلًا ،
و لكنَّ الشرارة التي تمتلكها سالي من حيث الجرأة ، لم تنطفئ للأبد بل وصلت لتركها
له رسالة خاصَّة بسرد حنقها من رفضه لرؤيتها ، و بشيء من التفاوض نجح الأمر و بشكل
مُرضٍ أيضًا للحب الذي طال كبته بينهما .
و على أيَّة حال
فالحب ابتدأ منذ أطلقت سالي على السيد مكراي لقب " عدوي " بل و تفنَّنت
بعدها بإضافة " اللدود " و أحيانًا " الألد " ، و فعلًا كان
عدوًّا بشكل مبالغ به ، في حين أن العدواة بينهما كانت غلافًا لودٍّ ينمو مع الأيام
.
" و لست أمانع
في الهرم معك يا ساندي "
و هنا بوضوح نرى أن
تصاعد الأمر بين الإثنين لم يكن هينًا أبدًا ، بل كان ذا أثر عميق حد ذكر الهرم و
الشيخوخة بأمل و قوَّة تليق بسالي مكبرايد ، سالي التي خافت مع غوردون من فشل
بالزواج ، و مع ساندي شعرت بالأمان التام حدَّ ذكر الهرم و تخطي مراحل العمر
الطويلة .
الأسلوب الاسكتلدني
الرهيب كما وصفته سالي ، هو ذاك الأسلوب المُشاع غالبًا هنا ، و في الروايات
الخليجية تحديدًا يُتفنَّن في سرد طرقه ، و هو أسلوب للمتحفِّظين من هذه النواحي ،
و برأيي أنه شيء جميل و يُضفي نكهة جميلة و لكن لا يصح الإستمرار به طويلًا فهو
يُصبح مبتذلًا جدًا بالمبالغة به .
و بشأن غيرتي هذه
المرَّة فقد كانت الفرصة التي حظت بها سالي بوقت مبكِّر ، و المغامرة التي
دَخَلتها بروح متحدِّية لكل الظروف ، و أنا أحبُّ المغامرات ، و تمنَّيت طويلًا
زيارة ملاجئ الأيتام ، و الاهتمام و لو بجزء بسيط بشأن من شؤون أطفال كثيرون أيتام
، فمن ناحية لدي شغف بالأطفال و من أخرى لدي توق للمغامرة ، و هي تداعب شغفي
برسائلها عن الأطفال هناك فتارة تحكي عن بنش المتمرِّد و تارة عن ألغرا و سادي كيت
و كلًا من شخصياتهم مثيرة للإهتمام ، و لا شكَّ بأن الإعتناء بهم و كونك مشرفًا
عليهم يعطيك شعورًا أجمل بغض النظر عن ثقل المسؤولية ، إن سالي أبدعت في أفكارها
الترفيهية و المتنوِّعة ، فأقامت المخيَّم و غيَّرت الزيَّ الأزرق الكئيب
بمربَّعاته ، و أنشأت المزارع الخاصة و فكرة صناديق الألعاب الخاصة و تبادل
العملات بين الأطفال اليتامى ، و الكثير من الأفكار المدهشة التي نفَّذتها بصحبة
ساندي مكراي ، و لو كنتُ مكانها لكنتُ أشدُّ حماسًا و لكنني لا أظنُّ أن انتاجيتي
و فعاليتي ستتفوَّق عليها ، فهي شرسة جدًا و هذا رهيب و مثير حقًا .
في التلميحات العابرة
عن عائلة بندلتن شيء من الإطمئان الذي أُلقي على عائلتهم ، نفحة سلام حملتهم
للجنوب و حيث الساحل و كثير من الترفيه ، و جودي تستحقُّ بلا شكَّ ، و لكن بطريقة
ما شعرتُ بالضيق من جيرفس عندما يكون سببًا في جعل جودي البسيطة عملة صعبة لا تكاد
ترى ، و أتساءل حقًّا لماذا تصبح الحياة أثقل بعد الزواج ؟ و من أين المشكلة ؟
هل هو الرجل الذي
يبدأ بتحبيط المرأة و جعل خروجها و تنقُّلها صعبًا ؟
أم أن المرأة نفسها
تبدأ مسيرتها في أن تكون أمًّا مملة و منعزلة ؟
و بصراحة لم أستطع
تركيب صورة جودي المتزوِّجة من جيرفس ، و جودي الصغيرة في الكليَّة و التي تكتب
بحماسة عن أقل الأشياء بأكثر الكلمات ، جودي في " عدوِّي اللدود " تبدو
سيدة من الطبقة الراقية ، أنفها مرفوع و عينيها لا تنفد إلى كل الأشياء ، و
اهتمامها لا يتعدَّى دائرتها مع جيرفس و طفلتها التي عجزت عن تخيُّلها ، و برأيي
أنها كانت أجمل ببساطتها و لكن بأية حال هي ليست البطلة ليتم التركيز عليها ، و
هذا ما لا أستطيع تقبُّله حاليًا ، أن جودي ليست البطلة في الجزء الثاني ، و أشعر
بنوع من الرغبة بلومها عن تنحِّيها عن الصورة ، و تركها سالي تكون الراوي ، و
بالرغم من أن سالي رائعة و سردها جميل إلا أن جودي مليئة بالمفاجآت بعكسها ،
فعندما كانت سالي الفتاة التي عاشت برخاء و تتقبَّل الأشياء بسلاسة أكثر رغم أن
حياتها حافلة حتى بعد أن أصبحت مشرفة للميتم ، كانت جودي شديدة التركيز و حياتها
ذات تفاصيل أقل ، و تذكر أبسط الأشياء بتفنيد مفصَّل و مشوِّق .
و بهذا أكتشف أنني
أميل لجودي أكثر ، و لا أدري أيعني هذا تشابهنا أم تضادُّنا ، و في كل الأحوال لا
زلت أفتقد عامل الإثارة التي تمتلكه سالي و تصنعه جودي ، أحتاج دفعة و دفعة و دفعة
و عندما أبدأ فأظنُّ بأنني سأستعير عبارة نسرينة : مرحبًا يا خطوتي الأولى ، و
سأُكثر من صيغ التراحيب و شعارات الحماس و التشجيع .
حسنًا بما أن غيرتي
الغبية من جودي الصغيرة لم تكبر مع جودي بعد الزواج من صاحب الظلِّ الطويل ، فإنني
أكثر هدوءًا مع سالي و غيرتي من فرصة المغامرة التي نالتها رغم أنها تبدو أعلى إلا
أنني لا أستطيع أن أتعمَّق بها فيبدو أن سالي ستتجاوز مرحلة المغامرة بعد أن تنقضي
السنة الأولى و ستبدو رتيبة جدًا و مشغولة أيضًا بعد الزواج ، لذلك قرَّرت عدم
إعادة قراءة الكتابين كما أحب حتى وقت لاحق ، و الآن عليَّ الإستمتاع باستراحتي
المزعومة ، و لهذا فقد أنهيت " جريمة في قطار الشرق " بحماسة كبيرة و تفاجأت
كثيرًا بالنهاية و لكن أدركتُ معها إدراكًا صغيرًا مهمًّا ، و هو أن خلف المصادفة
غير المعقولة تحقيق دقيق لها ، و ترتيب تفصيلي لها أيضًا ، هل يمكنني استعارة عقل
السيد هيركيول بوارو أحيانًا ؟
كنتُ قد قرأت كتحلية
بين " صاحب الظلِّ الطويل و " عدوِّي اللدود " ، قضية " جريمة
في بيت الطالبات " و رغم أن نيجل كان بريئًا في رأسي إلا أنه كان " رأس
البلا " في النهاية ، إنني هذه الفترة أفقد قدرتي السابقة على اكتشاف القاتل
و التركيز على أحداث القضايا ، أعتقد أن لتوقُّفي عن القراءة كل هذا الوقت سببًا
في أنني عدتُ لنظريتي بأن جميع الناس طيِّبون ، و أن الجريمة تحدث في وقت حرج من
شخص شرير لا يستطيع إخفاء نفسه خلف أي براءة ، على أيَّة حال صحيح أنني بعد أن
أقرأ لإجاثا أتحوَّل لشخصية متحذلقة في كشف الأحداث و أبدو في قمَّة التركيز
بالأشياء التافهة ، و ربما أرى الكثير من الشر في هذا العالم ، إلا أنَّها تعطيني
مَلَكة في التفكير الصائب ، و التحليل المنطقي ، و فوق هذا متعة الكشف عن الثغرات
، و القراءة السلسة لإجاثا لا توصف بالطبع .
لحظة ، لماذا تنظر
إليَّ هكذا و كأنني كائن فضائي ؟
آه في الحقيقة كنتُ
قد توقَّفت عن القراءة بصورة قسرية قبل فترة بعد أن كدت أتحوَّل لدودة كتب ، الأمر
الذي لم يعجب أسرتي و بالأخص أمي ، فقرَّرت التوقُّف لوقت معيَّن حتى يُغَضَّ
البصر عني ثم سأعود ، مع العلم أن قراءتي وقتها كانت متنوِّعة و غير ثابتة أبدًا ،
كما ذكرتُ سابقًا عن تنوُّع الرف الصغير الذي يحمل كتبي و هو تنوُّع مضحك جدًا ، و
دعني أسرد لك ما فيه : كتاب البداية و النهاية لإبن كثير ، لأنك الله لعلي جابر
الفيفي ، عابر سرير لأحلام مستغانمي ، رواية نور للدكتورة هند فؤاد ، حكاية الشتاء
شكسبير ، شرف لإليف شافاك و نظرات ثاقبة و قواعد العشق الأربعون _ الذي أحرقته _ ،
و غادة الكاميليا لإلكساندر دوما الإبن ، ثلاثة من روايات إجاثا كريستي ، و الجزء
الأول من رأفت الهجَّان لصالح مرسي ، و مجموعة من المسرح العالمي ، و كنوز أولوغ
بيك " أنوي حرقه لكثرة الإعتقادات الباطلة فيه " ، و المذكِّرة المخفية
لحرب الخليج و مذكِّرات الشاذلِّي لحرب أكتوبر ، و كتب سياسية استعرتها من مكتبة
والدي ولم أعدها بعد !
أحتاج أن أشير بأنني
حفظتُ هذه الكتب تقريبًا و لكنني لا أمانع أن أعيدها مرَّات و مرَّات و مرَّات ،
لدي اعتقاد بأن الإعادة تكشف جوانب أخرى للكتاب ، و بالطبع فإن قراءاتي لم تتوقَّف
هنا بل كنتُ أتسلَّل لمكتبة والدي و رغم أنها مليئة بكتب السياسة و الاقتصاد و كتب
مملَّة جدًا إلا أنني أجد أحيانًا كتب تاريخ جيِّدة فأقرأها ، و كنتُ أمتلك وقتها
آيفون 4 و لكنني لم أقرأ عبر صيغة الـpdf ، كان الآيفون يدعم
الصيغة و لكنني لم أقرأ بها نظرًا لكثير من الأمور التي جعلتني أستصعب الفكرة ، و
في النهاية عندما بدأت أتوسَّع بشراء الكتب عَلَت بعض الأصوات المعترضة على نهمي ،
و شيئًا فشيئًا لم تعد الظروف متاحة لي بالقراءة و تركتُ الأمر نهائيًا ، لهذا
عندما أعود الآن و أقرأ كتبًا كانت على قائمة عريضة بالشراء من المفترض أنني قد
قرأتها سابقًا ، أشعر و كأنني قد وصلت متأخِّرة في سباق ، و رغم يقيني من أنني قد
تأخرت إلا أنني على نفس الحماس للمواصلة بجدٍ أكبر ، لهذا لا تنظر للقائمة
باستغراب ، هذه القائمة متأخرة جدًا و هي تعمل جاهدة للَّحاق بالركب ، و التعويض
عما فاتها .
الصورة التقطتها بالأمس.
أحببتك تدوينتك عن صاحب الظل الطويل كما أحببت هذه ❤
ردحذفوالحق أني لم أقرأ الجزء الأول واكتفيت بمتابعة رسوم الكرتون وعندما صدرت ترجمة بثينة لم أتجرأ على القرب منها خفت أن تفسد الذكر الجميلة لجودي في مخيلتي ، لكني قرأت عدوي اللدود وأحببتها كثيرا ً ليتها أعجبتك ، جميلة جداً تلك المراسلات ونضج سالي ومنطقيتها ورغم أنها شخصية ثانوية إلا أن الكاتبة أعطتها نهاية لائقة وسعادة خاصة ولم تكتفي بختام لجودي ، هل تعلمين عندما قرأتها شعرت اني أشبه سالي رغم اعجابي الشديد بجودي ..دام قلمك غزيرا و حلوا يا أسومة
أوه أسماء بصدق يبدو أنني أحببتك
حذفبصراحة لا أستطيع أن أؤكد لك بأن الرواية لن تفسد الذكرى الجميلة ، رغم أنها ليست سيئة أبدًا و لكنَّها أثقل بعض الشيء من الكرتون _ كالعادة بالطبع _ ، بالنسبة لعدوِّي اللدود فهي جميلة و أحببتها حقًّا ، و لكنَّها بجانب صاحب الظلِّ الطويل تسقط ، و سالي شخصية مذهلة و لكنَّ القرب الذي شعرته كان لجودي و كما قلتُ في التدوينة فقد شعرت بأنني أريد لومها في عدوِّي اللدود على ابتعادها عن الصورة الرئيسية ، و أعيد ما قلته عن سالي بأنها قامت بالواجب ، و لا شكَّ بأنها ملأت المساحة بذكاء ، و إلا ما كنتُ لأهتمَّ بعدوِّها الجميل .
أستطيع أن أقول بأنني أتخيَّلك تشبهين سالي كثيرًا ، قوية و ثابتة و الأهم قادرة على اتخاذ القرارات بكل ثقة ، لا أدري من أين تكوَّنت لك برأسي هذه الصورة ، و لكنني أراها جميلة جدًا و مناسبة أيضًا لك .✨
و أنتِ أسومة الحبيبة دمتِ بسعادة و قوَّة لا تغادرك ، سلَّم روحك من أي عثرة تسقطها .🌸