14‏/5‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

العمل الذاتي ، و مشواري معه ، و عائده النفسي الكبير



20 رمضان 1441 هـ


يوم طويل و لكنَّه حافل ، منزلنا حيٌّ كما لا يكون ، أطفال أخي أحيوه بحق ، فالعادة أن منزلنا هادئ من أصوات الأطفال الضاحكة ، و حتى بكاءهم و شغبهم ، صحيح أنهم يزوروننا دائمًا في الأيام العادية و لكن في رمضان و مع أحمد الصغير يصبح هذا أوَّل رمضان له معنا ، و نور الصغيرة منذ صغرها كانت هادئة و ليست مشاغبة كحمُّود سريع الحركة ، و المشاكس جدًّا ...

بصراحة لا وقت للتأمُّل الطويل اليوم ، فعندما صحوت في الظهيرة وجدتُ نفسي مع الأطفال أحرسهم في " بلكونتنا " ، فقد حضرت بنات أخي الأكبر ليلعبا مع نور و أحمد ، ما اضطَّر وقوفي بجانبهم كحارس في الحالات الصعبة من سقوط أو شجار صغير ، أو حتى من خطورة تسلُّقهم على الكرسي حتى يصلوا للنافذة ، و على كلٍّ فقد أخذت معي علبة الخيوط و الإبر ، لعلِّي انجز طلبية ابن أختي " البراء " لصنع غلاف للآيباد الخاص به ، و بدأت العمل الذي لم اتخطَّى الدور الثاني فيه !
و كانت المفاجأة عندما انتهت أخيرًا مناوبتي ، عندما رأيت ألوان القطعة الصغيرة التي عملت عليها في تلك الظروف القاهرة ، فتارة كنت أوقف العمل لأهدِّئ باكٍ ، أو أفكَّ شجار أو حتى تلفتني حركة ، فلم أكن مركِّزة جدًا على العمل ؛ بصراحة كانت ألوان القطعة سيئة للغاية ، و يبدو أنني اخترتها بدون انتباه !
أزرق و أحمر و أخضر !!
ضحكت كثيرًا ، و قمت بإحلال عُقدِها سريعًا ،  لكن كان الوقت قد فات فقد رأتها أختي و ضحكت و قد قدَّرتني تمامًا ، في وجود كل أولئك الأشقياء ...

في العصر كنا نجهز سفرة الإفطار ، و بعد المغرب عدت لفكِّ عقد تلك البكرة ، ثم قمت أتجهَّز للصلاة ، و ما ان صلَّيت حتى بدأت أحيك حقيبة لعيد الكروشية ، و ها هي الساعة الواحدة تدقُّ و أبدأ أنا بكتابة التدوينة المقطَّعة هذه ، فتارة أوقف الكتابة و أضاحك حمُّود ، و تارة أتمازح مع نور ، فأتمنى أن لا تكون التدوينة فوضوية😅



بصراحة أستمتع كثيرًا في صنع أشيائي بنفسي ، و بما أنني تعلَّمت الكروشية فإن حقائبي صارت من صنعي ، و من صغري أحببت صنع اكسسواراتي بنفسي ، في بداية الأمر كانت امكانياتي صغيرة ، و فيما بعد توسَّعت و بدأن فتيات ممن أعرفهم يطلبون مني صنع اكسسوارات لهم ، و هذا جعل لي دخلًا خاصًّا و أنا في عمر العاشرة ، صحيح أن طلباتهم كانت بسيطة و الأسعار التي كنت أضعها صغيرة ، و لكني كنتُ أرى تلك الريالات القليلة و كأنها ألوفًا مؤلَّفة ، و بالطَّبع كنتُ دائمًا " يدي مخزوقة " ! و هذا يعني أن لا ريال يبقى في حقيبتي ، بل أصرفها أوَّلًا بأول و بالذي ينفعني و الذي قد ينفع الآخرين ، و لهذا فقد كنتُ دومًا " فقيرة " ، و كم ألقت عليَّ والدتي من نصائح و لا فائدة ، فلا زلت حتى الآن لا تبقى النقود في حقيبتي ، حتى عندما أصبح لي راتبًا شهريًا منذ سنتين ، لا يزال ينتهي قبل منتصف الشهر و أبقى بعدها " مفلسة "🤓!
المهمُّ من هذا ، أنني قبل عامين و عندما بدأت أتعلَّم الكروشية ، و زادت ثقتي بما أصنع ، قمت بإنشاء مجموعة في الواتس أب لبيع اكسسواراتي و قطعي الصوفيَّة ، و بصراحة الغرض من المجموعة كان تلقِّي دافعًا لإستمراري في صنع الإكسسوارات التي كنتُ بدأت أترك صناعتها ، و بالفعل استمرَّت المجموعة حيَّة و متفاعلة ، و فاجأتني تاجرة تريد من أن أرسل لها البضاعة بشكل رسمي و بطريقة ربما أكبر مني ، و عبر توصيل و شحن و قطع كثيرة ، و شراكة و ما إلى ذلك !
تفاجأت بالأمر و استشرت أهلي ، و بعد نقاش طويل معها ، فرضت به عليها شروطًا كثيرة و أنا في قمَّة التوتر ، فرفضت الشراكة و أردت منها أن تشتري مني فليس معي الصبر حتى تُباع بضاعتي من محلَّها ، و وضَّحت لها صعوبة الشحن إليها مع الأوضاع ، و أخبرتها أنني لا أملك حسابًا بنكيًا بعد !
فقد كان عمري وقتها 17 عام !
و بعدها تركنا كل شيء ، و لم أقبل بشروطها ، فقد حذَّرتني أمي من أن أضغط على نفسي فهي ستطلب قطع كثيرة ، و أنا لست معتادة و ربما أكره العمل كله ، و بصدق وجدت أن الغرض من بيعي هو التشجيع لا التحبيط و لا اختبارات الصبر ، فإن لم يتم بيع بضاعتي هناك بعد شهر كامل سيصيبني احباط و هذا ما لا أريده ، و انتهى أمرها !

في هذه السنة لم أعد أهتم بالمجموعة ، و لم أعد حتى أرسل أعمالي الجديدة فيها ، لذا فقد خمدت و تكاد تكون مهجورة ، إلا أن بعض الطلبيات بين الأهل تجيئ بين الحين و الآخر فأعود لشغفي بالعمل ...

إن العمل لذيذ ، خصوصًا عندما يكونُ لك ، تصنعه لنفسك و ترى نتيجته المذهلة بين يديك ، شعور الفخر يملؤك ، و تشعر بسعادة لا قياس لها ، باختصار لذة العمل لذة أخرى ....
صنعت أساور بالخرز و باللول و بالمطاطات و بالخيوط بأنواعها ، و كلُّها أستمتع كثيرًا بصنعها مهما كانت مرهقة أو صعبة ، بل إنها كلما كانت أصعب كلما كانت نهايتها أشدُّ فرحة و أكثر لِذة ..
العمل يجعل الإنسان صاحب هدف و ذو فائدة و جدوى ، و كما قال المدوِّن عبدالله ، الجانب النفسي أهم بكثير من الجانب الاقتصادي ...
والدي يعلِّم إخواني منذ صغرهم ، اساسيات السباكة و الأساسيات الكهربائية ، فيتعلَّمون تركيب الحنفيات و تنظيم بعض المسالك ، و يتعلَّمون تغيير اللمبة و إصلاح بعض المشاكل الطارئة ، و بحمد الله لا يدخل منزلنا العمال إلا نادرًا و عندما يكون أخواني في شغل مهم أو ظرف طارئ ، بل إنه خصَّص بعض الغُرف لإجراء تجاربهم عليها ، و اختبار قدراتهم ، و هذا لأن والدي يحبُّ أن يكون إخواني القائمين على بيوتهم ، و لا يحتاجون للآخرين في الأمور البسيطة الطارئة ، و علَّم والدي أختي الكبرى  تغيير اللمبة و إصلاح بعض الأمور الطارئة كإخوتي و لكن توقَّف عن تعليمنا نحن الباقيات لأن أختي الثانية كانت دومًا ضعيفة البنية ، و نحن الباقيات لم يتفرَّغ لنا جيِّدًا ، و أما عني فإنه عندما حاول ندم لأنني لم أنفع فتسرُّعي أفسد الأمر ، فأكسر الأشياء في طريقي و لا أنتبه لها ؛ و على كلٍّ فمن الجيد أنني نجحت في مجال الإكسسوارات و الكروشية و التريكو 😁


كان الرسول صلى الله عليه و سلم  يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته ، و الله استخلفنا في الأرض لنعمرها ، فقال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ...

العمل شيء يفخر به الإنسان و لا يخجل منه أبدًا ، فالإنسان العاطل يشعر بالخزي و المهانة ، و لذلك تجد الشرفاء مهما كانوا في حالة صعبة فإنهم سيعملون أي شيء كي يشعروا بقيمة أنفسهم و لن يسمحوا لأحد أن يثنيهم عنه ، في فريق " لبنة و طين " تجد أن العمل يرفع الإنسان و لا يضع شأنه ، أتأمَّل أكفَّهم الكبيرة و التي تحكي حكايا من كفاح ، و لا يزالون يفخرون بعملهم و على ضعف أجسادهم إلا أنهم دومًا في عمل ، يجعلني أشعر بالخجل من نفسي و من خجلي و أتمنى أن أًبح مثلهم عندما أكبر ، ففي خفَّتهم حياة و في بذلهم الذي لا يتوقَّف سطورًا في الوجود ، و أقول دائمًا عند مشاهدتهم : ما شاء الله بارك الله ، فقولوا عندما تشاهدوهم ..

شاهد الحلقة التي يحكي فيها مبارك القديم أبو محمد حكايته مع العمل منذ صغره ، فهي تستحق المشاهدة كي تضاعف جهدك للعمل ، و تستفزَّ قدراتك للبذل دون تأخُّر ...




إلى كل العاطلين :
( اعملوا فإن في عملكم صحة بدنكم ، و سلامة أرواحكم من نهش الفراغ لها )

و إلى كل العاملين :
( تحيَّة لأجسادكم التي لن تسقط بسهولة ، و لأرواحكم التي لن تكفهِّر مع سرد بطولاتها و قدراتها بإذن الإله )




و هذه صورة لإكسسوار صنعته للعيد ، العقد صنعته أنا أما السوار فاشتريته جاهزًا ... 


 





و هذه بعض الإكسسوارات التي صنعتها سابقًا : 


  

هناك تعليقان (2):

  1. ما شاء الله تبارك الله، لو لم أجد صورا لكنت طلبتها، إذا لديك هواية رائعة تبدعين بها
    بالتوفيق دائما :))

    ردحذف
    الردود
    1. إنني أحمد الله أنني أمتلك هذه الهواية و إلا كنت ورقة شجر لا جدوى منها😂
      وفَّقك الله ، و سلَّم روحك الحُلُوة💌

      حذف

Follow Us @techandinv