19 رمضان 1441 هـ
اكتب التدوينة و في
حجري ابن اخي أحمد ، بجانبه اخته تتسمَّع معه لبرنامج أناشيد تعليمية للحروف ،
يناظرنا بعدم صبر ، ينوي الانقضاض على الجهاز ، و لكنني أنجح في إعادته لحجري كل
مرة حتى الان ، و أخته تنافسه في لفت انتباهي إليها فتارة تحكي حكاية يكون تعليقي
عليها دائمًا : " هاه ، أيوه أيوه ، أووه " ، و تارة تداعبه و تارة
تغنِّي أغان للتوِّ ألَّفتها ...😇
لا أعرف كيف سأتمُّ
التدوينة و لكن على أية حال لا بدَّ أن منقذٌ ما سيأتي قريبًا ، و يأخذ أحدهما
فأستطيع التركيز أكثر ..
إنها الليلة الأولى
لصلاة القيام ، المساجد صامتة حتى المسجد القريب صَمَت ، و الجو غريب حقًّا و
لكنني أواسي نفسي بأن الأزمة لابدَّ تمرُّ ، و لا بدَّ البلاء يرفع يومًا ما ...
وصلنا خبر موت اثنان
من الجيران ، أحدهما يعاني من مرض بالقلب ، و آخر لا أدري بأي شيء مات ، الناس
متوتِّرون ، صديقة أختي دخلت أردُّ على شيء أشارت لي به ، ففوجئت بها في قمَّة
البؤس ، فهي سريعة البكاء ، تخاف من كل الأمراض ، و حسَّاسة بشكل مبالغ به كما أرى
، تقول لي أن اثنين في حارتها أيضًا توفيا ، و أنها قد بكت حتى آلمتها معدتها ، و
المؤسف أنني أخبرتها عن الإثنان اللذان في حارتنا بتلقائيتي التي نسيت أن أركِّز أن هذا سيزيد من
رعبها ، فأدركت أنني قد زدت الطين بلَّهُ ، و قمت بفتح مواضيع مضحكة لعلِّي
أُضحِكها و أنسيها رعبها بعد أن تسببت بزيادته !
و عدت لنصائحي لها
بعد أن ابتسمت أخيرًا ، و من الجيِّد أن الإنترنت انقطع بعد أن انتهيت من فلسفتي
لها ، و إلا كان شعور الذنب سيرافقني طويلًا ، هي تكره طاري الموت ، تخاف منه بشكل
أودُّ لو كنتُ أملكه !
و لكنني لا أخافه هو
، بل أخاف طريقته ..
فكلُّنا زائلون فانون
، و الله هو الحيُّ الذي لا يموت ، و المخيف بالموت هو ما بعده ، و طريقته فنسأل
الله لنا حسن الخاتمة و الفوز بالآخرة ...
و قلتُ لها : توكَّلي
على الله ...
كم حَفَظَنا من نوازل
، و كم كفانا من مصائب ، و كم جَبَرَنا من مآسي ..
صدِّقني من توكَّل
على الله كفاه : ( و كفى بالله وكيلًا )
و التوكُّل من أعمال
القلوب ، ففيه تكون خالص العبودية ، و تمام الإعتماد على الله و الثقة به ، و
الإلتجاء إليه و الرضا بما يقضيه ، لعلمه بكفايته سبحانه و حسن اختياره لعبده اذا
فوَّض إليه أموره مع قيامه بالأسباب المأمور بها و اجتهاده في تحصيلها .
خذ وقايتك التي
تستطيعُها ، و التزم بالحظر المنزلي ، و أنت متوكِّل على الله و هو كافيك سبحانه
بلا شك ؛ أما أن تبقى خائفًا و في قمَّة رعبك من مرض أو حدث فإن هذا يؤذي توكُّلِك
عليه ، و الأصل أن تتَّخذ الوقاية و السبب و تترك الأمور لخالقها ..
قلقك لن يقدِّم شيئًا
و يؤخِّر ، خوفك لن يبعد الفيروس عنك بل سيضعف مناعتك و سيثقب توكُّلك ، أنت حتى
لست مساهمًا في صنع علاج لتبدي كل هذا الرعب لأنك لم تجد ثغرة للفيروس !
يقول الله : ( فزادهم
إيمنًا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل )
فالنوازل تزيد إيمان
المؤمن ، و تكشف ضعفه ، لذا حافظ على إيمانك ..
نعم الوكيل هو لمن
التجأ إليه ، و نعم الحافظ هو لمن اعتصم به ، فيدفع عنه الضرُّ و يجلب له النعماء
و الرخاء .
و التوكُّل من أهم
العبادات القلبية في الدين ، فهو في منزلة الرأس من الجسد ، لأن في اعتماد القلب
على الله و ثقته التامة به ، لأن القلب إذا اعتمد على الله في الأمور الدينية و
الدنيوية ثقة به سبحانه بأنه الكفيل الوكيل لا شريك له و لا مثيل عزَّ و جلَّ صحَّ
إخلاص المؤمن و قويت معاملته مع الله و حسن اسلامه و زاد يقينه و صلحت أحواله كلها
.
قال الله : ( فاعبده
و توكَّل عليه )
موسى عندما كان فرعون و جنوده خلفه و واجه
طريقهما الجبل ، و يأس الذين امنوا معه و قالوا : ( إنا لمُدرَكون ) أي أن فرعون
لا شكَّ سيدركنا و سيفعل ما توعَّده بنا ..
قال موسى : ( كلا إن
معي ربي سيهدين )
و هنا وضحت مرتبة إيمان
موسى و مرتبة إيمان السحرة الذين كان إيمانهم حديث و ضعيف لم ينهل من عبادات القلب
التي تجعل المرء في قمَّة ثقته بالله ، و ان الله لابد كافي العبد و منجيه ..
سبحان الله ، كيف جعل
الله لهم طريقًا يبسًا بين الجبلين ، و ما إن اجتازوه حتى أغرق الله فرعون و جنوده
الكفرة ، فتبيَّن صدق إيمان موسى بالله ، و الله سبحانه وكيل كفيل لمن اعتمد عليه
و اتَّبع أمره ، و تسبَّب ..
فالتوكل يقتضي
الإعتماد و الأخذ بالأسباب ، و أما أن لا يتخذ المؤمن الأسباب فهذا يؤذي توكُّله ،
و يقلب أمره من متوكِّل إلى متواكل ، و هذا لا يقبله العقل و لا الدين ...
و هذا حديث يقشعرُّ له البدن فاقرأه و تأمل به جيدًا ، يقول عليه
الصلاة و السلام : ( إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ،
و لا حول و لا قوة إلا بالله . قال : يقال حينئذٍ : هُديت و كُفيت و وُقيت ،
فيتنحَّى عنه الشيطان ، فيقول شيطان آخر : كيف لك برجلٍ قد هُدي و كُفي و وُقي ؟!
)
إلى كل ضعيف ، إلى كل من يشعر بالخوف و القلق بشكل دائم مبالغ به :
( و توكَّل على الله يضرب لك بين جبال الهمِّ مخرج ، و الله هو وكيلك الأحقُّ فثق به يكفيك ؛ و دع عنك القلق و الخوف فهو لن يفيدك في شيء ، بل سيضرُّك و سيضرُّ توحيدك ، فاحـذر )
( و توكَّل على الله يضرب لك بين جبال الهمِّ مخرج ، و الله هو وكيلك الأحقُّ فثق به يكفيك ؛ و دع عنك القلق و الخوف فهو لن يفيدك في شيء ، بل سيضرُّك و سيضرُّ توحيدك ، فاحـذر )
و بما أننا قد دخلنا في العشر الأواخر ، و وجب علينا مضاعفة الجهد و
العبادة كي ندرك ليلة القدر ، فإن التدوينات ستكون حسب استطاعتي ، أي أنها صغيرة
أو غير منقَّحة جيِّدًا ؛ و وفَّقنا الله لإدراك ليلة القدر ، و كفانا و وقانا و
هدانا إليه سبحانه ~
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق