18 رمضان 1441 هـ
يومٌ حافل ، يزورنا
أخي و أُسرته الصغيرة أخيرًا ، طفلته محبوبة العائلة ذات الأعوام الأربعة ،
بذكائها و شخصيتها القريبة من الجميع ، و طفله الجميل ذو العام الواحد أحمد مشاغب
و بشغبه الذي يلفتنا جميعًا فيجعل أخته تغار و تقوم بأي شيء للفت النظر إليها ،
كعادة الأطفال جميعًا و كلُّنا نعمل على أن لا نجعلها تتأزم من هذه الغيرة ،
فنتغاضى عن الأمر و نُشرِكها بالذكر فتعود لهدوئها و تنسى الأمر كعادتها ، و أما
عن أختهم الكبرى و التي في السادسة من عمرها فرغم بعدها عن أخويها إلا أن نور
تتذكَّرها دائمًا ، و تصرُّ على تتبع أخبارها و تشتاق لها و هي التي لا تعرفها ،
تشاهد فيديوهاتها و هي تطبخ و هي تتحدث و هي تفعل أي شيء عادي ، تشاهد الفيديو
عشرات المرات ، ثم تقول عندما أسألها بتصنُّع : " من هذي البنت ؟ " تقول
بابتسامة فخر و بشرح مفصَّل : " هذي روان اختي هلِّه بالسعودية ، معرفتيهاش
؟! " ...
عند العصر دخلت على
انستغرام و هذا قبل أن يصل أخي و أسرته ، رفع حساب بوك تايم صورة معبِّرة
للموقف الذي يتكرر مع كل كتب أملكه و هو السهر حتى الصباح لكي أنهيه ، علَّقت
تعليقًا عابرًا ، و لكن لفتني تعليق تقول صاحبته : كتاب " قواعد العشق
الأربعون " هو الذي قرأته في ليلة واحدة رغم طوله ، و هو من أجمل التي قرأتها
في حياتي ... !!!
حسنًا ، لم أكن يومًا
أدخل التعليقات ، و لم أكن معلِّقة جيدة ،
لكني منذ أيام قررت أن أفعل لأنني اكتشفت كم يكون الأمر محفِّزًا لصاحب
الصورة أو المنشور ، و عند هذا التعليق قرَّرت أن أدلي برأيي ، فقلت لها ان سمعة
الكتاب كبيرة و لكنه في الحقيقة عبارة عن اسهاب في شرح العقيدة الصوفية الباطلة و
فيه الكثير من الشُبَه التي لا يعقلها إلا من كان عنده خبرة بسيطة ، و أن الكتاب
يستهدف العامة من الناس ليغرس في نفوسهم شبهات خبيثة و باطلة ، و أكَّدت لها أنني
قرأت الكتاب أكثر من ثلاث مرات و لم أجد أي نواحٍ جيِّدة فيه ليلتفت لها القارئ ،
فحتى الرومانسية فيه مبتذلة ، و هذا دليل قاطع على أن إيليف شافاك كتبت الكتاب
لنقل عقيدتها الصوفيَّة لا غير ، و ليقرأه عدد أكبر من الناس صاغت الأمر على أنه
قصَّة لشمس الدين ، فلو أنها كتبت الكتاب بطريقة السرد لقواعد العشق الباطل التي
يتخِّذونها لما التفت أحد للكتاب ، و لكنها جذبت الناس بقصَّة معاصرة تسرد بداخلها
قصَّة ركَّزت عليها أكثر و هي قصَّة شمس الدين ..
ردَّت ردًّا غير
مقنِع فقالت : أن لكل قارئ ذوقه و أنها لا زالت مصرَّة على أنه أجمل كتاب !
بصراحة إلى هنا بدأ
استفزازي لها ، أخبرتها بأن عقيدتي أهم من قراءة قصَّة تؤذيه و تثقبه بثقوب
الشبهات ، و ردَّت ردًّا نتيجة إستفزازي لها قالت به " عن أي عقيدة تتحدَّثين
؟ أنا لدي عقيدتي ... "
حسنًا ، عند هذه
النقطة شعرت بخطورة الأمر في المناقشة بأمر كبير كهذا ، و لكنني شعرت بشعور لذيذ
أنني أدخل بمغامرة نقاشيَّة أدافع بها عن عقيدتي ، و لعلِّي أردت أن تهتدي ، و بعد
تعليق آخر فوجئت بها تقول : " أنا يهودية !! " لا و المصيبة أنها تكمل
قائلة : " و المسيح يأمرنا باحترام الأديان الأخرى و عدم الجدال بها " !
عقلي توقَّف ، و لم
أستطع إلا أن أسألها باستنكار : " أنت يهودية أم نصرانية ؟ "
و كانت المصيبة
الثانية تسقط على رأسي ، عندما أجابت : " أنا أعتنق شيء من اليهودية و بعض
النصرانية هكذا قال الإله يهوه !! "
لا لا إلى هنا و
كفاية ، هل هي طبخة لتضيفي عليها بهارات من هنا و هناك ، و أضفتِ فوق يهوديتك و
نصرانيتك شيء من الصوفيَّة !
و هنا انهلت عليها
بكلام ربما كان قويًّا و استعنت بآيات و أحاديث ، و أخبرتها بأن دينهم محرَّف ، و
أنه على أيَّة حال عيسى قد أمرهم باتباع أحمد و هو نبينا ، و أن ما ردَّ آباءها و
أجدادها هو الكبرياء بأن لا يكون النبي منهم ، و تحدَّثت مطوَّلًا بالأمر ، بكل ما
اوتيت من علم و أدلَّة ، و ما جعلني أشعر بالشفقة عليها هو ردودها فهي لم تقل غير
: " نحن نحترم الأديان و لا نجادل و لا نتحاجج " " أنا لا أغيِّر
عقيدتي " " عن أي دين تتحدثين ؟ " " لا تتدخلي بديني ! "
و لم ترد بأي رد يدحض كلامي أو ينكره ، و قتها علمت كم هي جاهلة و ربما لا تعرف
ماذا تعتنق من دين ! ؛ فقمت بإعطائها آيات من القران عن أهل الكتاب ، و عن الكفار
بشكل عام ، أعتقد أنها توقَّفت عندها قليلًا لأنها تأخرت بالرَّد ، و كم أسعدني
هذا الخاطر أن يكون كلامي موزونًا و كافيًا لجعلها و لو تبحث و تقرأ أكثر عن الدين
، و لكن عندما ردَّت وقتها قالت بأنها لا تريد الرَّد أكثر لأنها لا تريد أن تتحدث
بلا لباقة مع الآخرين ، و عادت تسرد أسطوانة الإله الباطل ذاك !
شعرت بأنها خجلت من
عدم ردِّها على كلامي ، و حججي و الأدلة التي أعطيتها ، لذلك عمدت إلى التوضيح لها
كم أنا آسفة للظلام الذي تختنق به ، و أنها عليها أن تبحث و تقرأ أكثر ، و أن لا
تبقى على عماها هذا ؛ فخَرَجَت عن السيطرة ! ، أعتقد أنها شعرت بأن كرامتها قد جُرِحت
بأسفي الذي أردت به الإشارة إلى مدى جهلها ، و كان ردَّها لا يتحدَّث إلا عن
الأخلاق و اللباقة و إلى ذلك من الأمور التي لا شأن لها بنقاشنا ، و قالت : "
أنا أشفق عليك حقًا لأنك هشة أنت هشَّة فعلًا جدًا " و عند هذه الجملة لم
أستطع إلا أن أضحك و الله " فعلًا جدًا " !! لم أسمع هذه العبارة من قبل
، يبدو أن أعصاب الفتاة كبذور الفشار في القِدر ، و أحببت أن أجعلها تشعر بشيء صحيح في
كلامها ، و أنها مهما أخطأت فيمكنها تصحيح الخطأ ، و أخفيت تحت عباراتي شيئًا من
الإستفزاز ، بصراحة كنتُ أريد أن ألتصق بعقلها ، و أن لا تنسى موقفنا هذا ،
لعلَّها يومًا تهتدي ، أو تتذكَّر كلامي فتبحث و تصحِّح توحيدها ، و ربما وقتها
تكون لي يدًا في صلاحها و أكسب أجرًا في نصحها ، فبرأيي الإستفزاز الكلامي يجعل
المواقف ثابتة في الذاكرة ، و هذا ما فعلت و أتمنى أن لا أكون أفسدت أيَّ شيء بما
قلته أخيرًا ...
على كلٍّ صوَّرت
التعليقات للذِّكرى ، خصوصًا و أن حساب بوك تايم قرَّر بأن يحذف التعليقات !
ألم أكن يومًا مهووسة
بالذكريات ، هذا ما حدث و لكنني أظن بأن
الإنترنت لن يسعفني لنشرها كلَّها و لكنني سأحاول و سأرى ما يمكنني رفعه ..
كنتُ قد انتهيت من
النقاش هذا بعد صلاة العشاء حسب المسجد الذي لم يتوقَّف عن الصلاة إلى الآن و لا
أريد أن أٌول بأن القائمين عليه من الإخوان المسلمين و لم يستجيبوا لقرار المجلس
الإنتقالي !
عندما انتهيت كنت
أضحك من الفرح ، لقد كنتُ ثابتة و هذا جيِّد حقًا ، ثانيًا أحمد الله أن الفتاة لم
تكن صوفيَّة ذات شُبَه ربما تقع في نفسي _ لا سمح الله _ فالمؤمن يحرص على عقيدته
أشدَّ الحرص ، ثالثًا أنها المرَّة الأولى التي أدخل بها نقاشًا دينيًا ، و رابعًا
كنت هادئة و تكلَّمت دون أن أعنِّفها و هذا بالبداية و عندما أخبرتني بأنها
يهوديَّة ، و خامسًا استفزازي الأخير لها بعد أن قالت بأنها لن تردَّ مجددًا ، و
هذا قد ينفع في تذكيرها يومًا ما .. ربما !
من شدَّة ارتياحي بعد
النقاش ، عرضت الصور على أختي ، في بادئ الأمر قالت بضيق : " يختي قد قلتلك
هذي الكتب اللي تقرئيها كله بلاوي ، و ليش تناقشي وحده كذا صبَّة ! " ، و
لكنني صبَّرتُها و جعلتها تقرأ التعليقات كلها ، و زاد انشراح صدري مع ملامح وجهها
التي ارتخت ، و عندما انتهت شرحت لها أنني كنتُ لا أتوقَّع حتى أن تكون يهوديَّة ،
فقد ظننتها فتاة عاميَّة جاهلة و سقطت في براثن شُبَه تؤذي توحيدها ، فأردت أن
أنبِّهها و ألفتها إلى الأمر ، و لكن عندما علمت بأنها يهوديَّة فقد كان وقت
التراجع عن النقاش انتهى ، و ان انسحبت لأنه لا جدوى من نقاشها كما يغلب عليه
أمرهم فإنها ستظنُّ أنها على حقٍّ ، و هذا لا يريحني فكافئني الله بأن كانت جاهلة
تمامًا فاستطعت سرد أدلَّتي دون أن تلقي أي شُبَه أكبر مني أو قد تقع في قلبي و
الحمد لله على كلِّ حال ...
أعترف...
أنا مندفعة ، ربما
متهوِّرة ، و لكن الله ينقذني كلما كان مقصدي حسنًا ، و كانت سريرتي صافية ،
فالحمد الله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات ، و له الحمد كما ينبغي لجلال وجهه و عظيم
سلطانه ...
دائمًا لا أتوقَّع
الفساد و الظلام ، دومًا يباغتني ، ربما أنا متفائلة أكثر من الحدِّ المعقول ، و
أرى الناس طيِّبون و أقلَّ شرًّا في كل مرَّة أُخدَع بهم ، و رغم كلَّ ما حدث معي
من مواقف قبلًا توضِّح لي كم يوجد من أناس أشدُّ سوءًا مما أتصوَّر إلا أنني
أُحسِن الظن كثيرًا ، و لا أفكِّر بأعلى مراتب السوء و الظلمة التي يعيشون بداخلها
!
لا زالت آثار
الإقتباس الذي ذكَّرتنا به نسرينة ظاهرة في أفكاري و كلامي ، و هذا يدلُّ على عمق
كلماتها و قوَّتها ، و هذا ما استعرته من كلماتها لأرد على اليهوديَّة تلك عندما
قالت أنني هشَّة و فعلًا جدًا !!!
لقد كانت تجربة اليوم
غريبة عليَّ أنا ، و أظن بأنني تعلَّمتُ أن أحذر في تعليقاتي ، و أركِّز من أناقش
و مع من أتحدَّث ...
يقول الله تعالى : (
يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق و يعلمون أن الله هو الحقُّ المبين )
و لكنني أتمنى لهذه
الفتاة أن تهتدي قبل انتهاء فرصة التوبة ، و أن تعلم بأن الله هو الحق المبين من
خلال البحث أكثر ، فلعلَّ لي جزءًا من أجر نصحها و دلِّها إلى الحقِّ .
الله هو الحقُّ الذي
لا شكَّ فيه و لا ريب ، لا في ذاته و لا في أسمائه و صفاته ، و لا في ألوهيَّته ،
فهو المعبود بحق و لا معبود بحقٍّ سواه ، فأفعاله حقىو أقواله حق و وعده حق و شرعه
حق و دينه حق و لقاؤه سبحانه حقٌّ لا مجال للشكِّ فيه ...
و المبين هو الله
لأنه يبين لعباده سبيل الرشاد ، و يوضِّح لهم ما يحب و ما يكره ، و الصالح و السيء
فيفعلوا الخير و يتركوا الشرَّ خوفًا منه و رجاءً لرحمته تبارك و تعالى ؛ و لاسمه
المبين معنى آخر و هو البيِّن أمره في الوحدانية ، فهو الإله الحق المبين لا شريك
له ..
و في فقه الأسماء
الحسنى لعبد الرَّزاق بن عبد المحسن البدر اسهاب في الإسم العظيم هذا ، و يغني عن
حديثي عنه ...
هناك آية مهمة و هي :
( و ما قدروا الله حقَّ قدره )
سبحانه و جلَّ شأنه ،
من أن نُنقِص من قدره شيء و هو الحقُّ الكبير العظيم لا إله إلا هو على كل شيء
قدير ...
إلى كلِّ من زاغ عن
التوحيد الحقِّ ، و كلَّ من تخبَّطته الشبهات حتى ما عاد يعرف من يعبُد و كيف دينه
يثبُت :
( إقرأ في صفحات اسم
الله الحق المبين ، و سيزول كلَّ الشك ، سيُدبِر الشيطان هائمًا على وجهه ، و
سيخرجك الله الأحد من ظلمتك إلى نوره الحق ، و دينه الحق ؛ فقط اطلب هدايته يهديك
، و نوره يعطيك )
آه لم تسعفني بطارية الجهاز بالأمس
للنشر ، و قد كتبت التدوينة في وقت متأخر مع زحمة الأطفال اللذيذة في منزلنا 😅💗
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق