20 رمضان 1441 هـ
يوم طويل و لكنَّه
حافل ، منزلنا حيٌّ كما لا يكون ، أطفال أخي أحيوه بحق ، فالعادة أن منزلنا هادئ
من أصوات الأطفال الضاحكة ، و حتى بكاءهم و شغبهم ، صحيح أنهم يزوروننا دائمًا في
الأيام العادية و لكن في رمضان و مع أحمد الصغير يصبح هذا أوَّل رمضان له معنا ، و
نور الصغيرة منذ صغرها كانت هادئة و ليست مشاغبة كحمُّود سريع الحركة ، و المشاكس
جدًّا ...
بصراحة لا وقت
للتأمُّل الطويل اليوم ، فعندما صحوت في الظهيرة وجدتُ نفسي مع الأطفال أحرسهم في
" بلكونتنا " ، فقد حضرت بنات أخي الأكبر ليلعبا مع نور و أحمد ، ما
اضطَّر وقوفي بجانبهم كحارس في الحالات الصعبة من سقوط أو شجار صغير ، أو حتى من
خطورة تسلُّقهم على الكرسي حتى يصلوا للنافذة ، و على كلٍّ فقد أخذت معي علبة
الخيوط و الإبر ، لعلِّي انجز طلبية ابن أختي " البراء " لصنع غلاف
للآيباد الخاص به ، و بدأت العمل الذي لم اتخطَّى الدور الثاني فيه !
و كانت المفاجأة
عندما انتهت أخيرًا مناوبتي ، عندما رأيت ألوان القطعة الصغيرة التي عملت عليها في
تلك الظروف القاهرة ، فتارة كنت أوقف العمل لأهدِّئ باكٍ ، أو أفكَّ شجار أو حتى
تلفتني حركة ، فلم أكن مركِّزة جدًا على العمل ؛ بصراحة كانت ألوان القطعة سيئة
للغاية ، و يبدو أنني اخترتها بدون انتباه !
أزرق و أحمر و أخضر
!!
ضحكت كثيرًا ، و قمت
بإحلال عُقدِها سريعًا ، لكن كان الوقت قد
فات فقد رأتها أختي و ضحكت و قد قدَّرتني تمامًا ، في وجود كل أولئك الأشقياء ...
في العصر كنا نجهز
سفرة الإفطار ، و بعد المغرب عدت لفكِّ عقد تلك البكرة ، ثم قمت أتجهَّز للصلاة ، و
ما ان صلَّيت حتى بدأت أحيك حقيبة لعيد الكروشية ، و ها هي الساعة الواحدة تدقُّ و
أبدأ أنا بكتابة التدوينة المقطَّعة هذه ، فتارة أوقف الكتابة و أضاحك حمُّود ، و
تارة أتمازح مع نور ، فأتمنى أن لا تكون التدوينة فوضوية😅
على كلٍّ تلفتني تدوينة
لعبدالله المهيري لماذانحب صنع الأشياء بأنفسنا؟
بصراحة أستمتع كثيرًا
في صنع أشيائي بنفسي ، و بما أنني تعلَّمت الكروشية فإن حقائبي صارت من صنعي ، و
من صغري أحببت صنع اكسسواراتي بنفسي ، في بداية الأمر كانت امكانياتي صغيرة ، و
فيما بعد توسَّعت و بدأن فتيات ممن أعرفهم يطلبون مني صنع اكسسوارات لهم ، و هذا
جعل لي دخلًا خاصًّا و أنا في عمر العاشرة ، صحيح أن طلباتهم كانت بسيطة و الأسعار
التي كنت أضعها صغيرة ، و لكني كنتُ أرى تلك الريالات القليلة و كأنها ألوفًا
مؤلَّفة ، و بالطَّبع كنتُ دائمًا " يدي مخزوقة " ! و هذا يعني أن لا
ريال يبقى في حقيبتي ، بل أصرفها أوَّلًا بأول و بالذي ينفعني و الذي قد ينفع
الآخرين ، و لهذا فقد كنتُ دومًا " فقيرة " ، و كم ألقت عليَّ والدتي من
نصائح و لا فائدة ، فلا زلت حتى الآن لا تبقى النقود في حقيبتي ، حتى عندما أصبح
لي راتبًا شهريًا منذ سنتين ، لا يزال ينتهي قبل منتصف الشهر و أبقى بعدها "
مفلسة "🤓!
المهمُّ من هذا ،
أنني قبل عامين و عندما بدأت أتعلَّم الكروشية ، و زادت ثقتي بما أصنع ، قمت
بإنشاء مجموعة في الواتس أب لبيع اكسسواراتي و قطعي الصوفيَّة ، و بصراحة الغرض من
المجموعة كان تلقِّي دافعًا لإستمراري في صنع الإكسسوارات التي كنتُ بدأت أترك
صناعتها ، و بالفعل استمرَّت المجموعة حيَّة و متفاعلة ، و فاجأتني تاجرة تريد من
أن أرسل لها البضاعة بشكل رسمي و بطريقة ربما أكبر مني ، و عبر توصيل و شحن و قطع
كثيرة ، و شراكة و ما إلى ذلك !
تفاجأت بالأمر و
استشرت أهلي ، و بعد نقاش طويل معها ، فرضت به عليها شروطًا كثيرة و أنا في قمَّة
التوتر ، فرفضت الشراكة و أردت منها أن تشتري مني فليس معي الصبر حتى تُباع بضاعتي
من محلَّها ، و وضَّحت لها صعوبة الشحن إليها مع الأوضاع ، و أخبرتها أنني لا أملك
حسابًا بنكيًا بعد !
فقد كان عمري وقتها
17 عام !
و بعدها تركنا كل شيء
، و لم أقبل بشروطها ، فقد حذَّرتني أمي من أن أضغط على نفسي فهي ستطلب قطع كثيرة
، و أنا لست معتادة و ربما أكره العمل كله ، و بصدق وجدت أن الغرض من بيعي هو
التشجيع لا التحبيط و لا اختبارات الصبر ، فإن لم يتم بيع بضاعتي هناك بعد شهر
كامل سيصيبني احباط و هذا ما لا أريده ، و انتهى أمرها !
في هذه السنة لم أعد
أهتم بالمجموعة ، و لم أعد حتى أرسل أعمالي الجديدة فيها ، لذا فقد خمدت و تكاد
تكون مهجورة ، إلا أن بعض الطلبيات بين الأهل تجيئ بين الحين و الآخر فأعود لشغفي
بالعمل ...
إن العمل لذيذ ،
خصوصًا عندما يكونُ لك ، تصنعه لنفسك و ترى نتيجته المذهلة بين يديك ، شعور الفخر
يملؤك ، و تشعر بسعادة لا قياس لها ، باختصار لذة العمل لذة أخرى ....
صنعت أساور بالخرز و
باللول و بالمطاطات و بالخيوط بأنواعها ، و كلُّها أستمتع كثيرًا بصنعها مهما كانت
مرهقة أو صعبة ، بل إنها كلما كانت أصعب كلما كانت نهايتها أشدُّ فرحة و أكثر لِذة
..
العمل يجعل الإنسان
صاحب هدف و ذو فائدة و جدوى ، و كما قال المدوِّن عبدالله ، الجانب النفسي أهم
بكثير من الجانب الاقتصادي ...
والدي يعلِّم إخواني
منذ صغرهم ، اساسيات السباكة و الأساسيات الكهربائية ، فيتعلَّمون تركيب الحنفيات
و تنظيم بعض المسالك ، و يتعلَّمون تغيير اللمبة و إصلاح بعض المشاكل الطارئة ، و
بحمد الله لا يدخل منزلنا العمال إلا نادرًا و عندما يكون أخواني في شغل مهم أو
ظرف طارئ ، بل إنه خصَّص بعض الغُرف لإجراء تجاربهم عليها ، و اختبار قدراتهم ، و
هذا لأن والدي يحبُّ أن يكون إخواني القائمين على بيوتهم ، و لا يحتاجون للآخرين
في الأمور البسيطة الطارئة ، و علَّم والدي أختي الكبرى تغيير اللمبة و إصلاح بعض الأمور الطارئة كإخوتي
و لكن توقَّف عن تعليمنا نحن الباقيات لأن أختي الثانية كانت دومًا ضعيفة البنية ،
و نحن الباقيات لم يتفرَّغ لنا جيِّدًا ، و أما عني فإنه عندما حاول ندم لأنني لم
أنفع فتسرُّعي أفسد الأمر ، فأكسر الأشياء في طريقي و لا أنتبه لها ؛ و على كلٍّ
فمن الجيد أنني نجحت في مجال الإكسسوارات و الكروشية و التريكو 😁
كان الرسول صلى الله عليه
و سلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل
أحدكم في بيته ، و الله استخلفنا
في الأرض لنعمرها ، فقال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي
مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ...
العمل شيء يفخر به
الإنسان و لا يخجل منه أبدًا ، فالإنسان العاطل يشعر بالخزي و المهانة ، و لذلك
تجد الشرفاء مهما كانوا في حالة صعبة فإنهم سيعملون أي شيء كي يشعروا بقيمة أنفسهم
و لن يسمحوا لأحد أن يثنيهم عنه ، في فريق " لبنة و طين " تجد أن العمل
يرفع الإنسان و لا يضع شأنه ، أتأمَّل أكفَّهم الكبيرة و التي تحكي حكايا من كفاح
، و لا يزالون يفخرون بعملهم و على ضعف أجسادهم إلا أنهم دومًا في عمل ، يجعلني
أشعر بالخجل من نفسي و من خجلي و أتمنى أن أًبح مثلهم عندما أكبر ، ففي خفَّتهم
حياة و في بذلهم الذي لا يتوقَّف سطورًا في الوجود ، و أقول دائمًا عند مشاهدتهم :
ما شاء الله بارك الله ، فقولوا عندما تشاهدوهم ..
شاهد الحلقة التي
يحكي فيها مبارك القديم أبو محمد حكايته مع العمل منذ صغره ، فهي تستحق المشاهدة
كي تضاعف جهدك للعمل ، و تستفزَّ قدراتك للبذل دون تأخُّر ...
إلى كل العاطلين :
( اعملوا فإن في عملكم صحة بدنكم ، و سلامة أرواحكم من نهش الفراغ لها
)
و إلى كل العاملين :
( تحيَّة لأجسادكم التي لن تسقط بسهولة ، و لأرواحكم التي لن تكفهِّر
مع سرد بطولاتها و قدراتها بإذن الإله )
و هذه صورة لإكسسوار صنعته للعيد ، العقد صنعته أنا أما السوار فاشتريته جاهزًا ...
و هذه بعض الإكسسوارات التي صنعتها سابقًا :
ما شاء الله تبارك الله، لو لم أجد صورا لكنت طلبتها، إذا لديك هواية رائعة تبدعين بها
ردحذفبالتوفيق دائما :))
إنني أحمد الله أنني أمتلك هذه الهواية و إلا كنت ورقة شجر لا جدوى منها😂
حذفوفَّقك الله ، و سلَّم روحك الحُلُوة💌