27‏/4‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

الرحمـة ، و المسنَّة الدافئة و الأم الحنون


3 رمضان 1441 هـ



في المسجد و بين صلاة العشاء و التراويح تضم الأم ابنها ذو الثلاثة أعوام _ تقريبًا _ و هي تقبله بضحكة ، بينما أخاه ذو الخمسة أعوام ينظر إليهم بشيء من الغيرة فيدسُّ رأسه بينهما و تضحك الأم و تقبلهما معًا و هي تضمهما إليها ، ذو الثلاثة أعوام هذا كلامه ألطف من النسمة ، يصلي بجانب أمِّه و أثناء السجود يرتفع صوت صفارة من المايكرفون ، فيصيح بصوت حاد و بلهجة مضحكة جدًا بحزمها  " من يصفِّر ؟! " ، كان هذا هو الذي دفع امُّه لضمِّه إليها ضاحكة ، لأنها بعد الصلاة وبَّخته على كلامه وقت الصلاة ، فردَّ عليها ببراءة  " في حد كان يصفِّر و نحنا نصلي يا مامه ، أنا كنتوا باصيح فوقه  " ، لتضمُّه بضحكة موضحة له  " هذا المكرفون يا ابني " ... 

لفتني الأخ الأكبر ، بعينيه الناعستين و وجهه الهادئ الذي لم يخفي غيرته و هو يدسُّ وجهه بين أمِّه و أخيه ، أحببته و جدًا !


بعد أن ننهي الصلاة و أتأهب للخروج ، أتباطأ أمام بوابة الخروج إلى الدَّرج فهي مزدحمة بالخارجات و المسرعات و حتى الأطفال العابثين  ، ألتفت ليساري و أجد مُسِنَّة نحيلة ترتدي نقابها بيد مرتجفة و تريد ارتداء حذاءها ، نظرت إلى حذائها الذي لم تستطع إدخال قدميها به ، و سرعان ما عرفت السبب فابتسمت بشيء من الحبِّ لهذه المسِنَّة البريئة فالفردتين مقلوبتين ، دنوت و عدَّلتهما موضحة لها السبب : " اصبري يا خالة باسانيهم لك  " ، تظهر تجعيدة على جانب عينيها الغائرتين بكبر السنِّ و تدعو بدعوات كثيرة ، و ما إن اعتدلتُ بعد أن ساعدتها في ادخال قدميها في حذائها تلقفت وجهي و قبلتني و هي مستمرة في إغراقي بدعواتها ،  قبَّلتها على رأسها و عبرة مجهولة السبب خنقتني ، دفء انتشر في داخلي ، و غبت عن الواقع حتى وجدت نفسي نهاية السلالم أنتظر أخواتي ، لا أدري ما الذي جعلني أتأثر كثيرًا على بساطة الموقف ، و لكن على ما أظن فإن دعواتها الصادقة بصوتها الهزيل هي من أدخلني تلك الدائرة المفرَّغة ، رائحتها عودٌ مختلط برائحة العجائز الدافئة ، صوتها دافئ ، عينيها دافئتين ، دعواتها كادت تحرقني بصدقها ، كانت صادقة جدًا للحد الذي زلزلني ...

الرحمة ليس مفهوم عابر ، و لا مشاعر سريعة الذبول ، الرحمة سمة لا يملكها الكثيرون ، صفة صادقة دائمًا بخلاف الشفقة تمامًا ، فبينما الرحمة تعني كامل الحب و الرأفة ، فالشفقة تعني الرأفة و لا غير ، لذلك فالشفقة باردة دومًا ، تشعرك بالحنق و الضيق ، أما الرحمة فهي دافئة و لا تصدر من أي أحد بل و لا يملكها كل أحد ، دافئة بالحبِّ و لا تشعرك بالضيق بل تشعرك بالحياة و بالأهمية لدى أحبابك ، قال صلى الله عليه و سلَّم : " إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " لم يقل " اشفقوا " لأن الشفقة مصطنعة و مؤذية أكثر من أن تكون مفيدة ، فأما الرحمة فهي لا تصدر إلا من قلب مُحبٍّ صادقٍ.



أتبحث عن الرَّحمة ؟

كم مرَّة قال الله في كتابه : " و كان الله غفورًا رحيمًا  "
" و الله غفور رحيم  "
و في فاتحة كتابه قال بآية واحدة : " الرحمن الرحيم "
اسمين من أسماء الله ، الفرق بينهما فرق العام عن الخاص ، فالرحمن عام لجميع الخلق و الرحيم خاص بالمؤمنين...

مع من أنت ؟! 
انظر إلى رصيدك من رحمته ، استزد من طلب رحمته ، قُل : " ارحمني " 

كيف سيرحمك ؟
يرحمك بنفسك بأهلك بأحبَّتك بدينك ، بكل نواحي حياتك ، فلا تحصر الرحمة ، إن قلت " ارحمني " فرحمته وسعت كل شيء و لن تعجز عن أن ترحم زواياك كلها ، ضعفك سيقوى ، عودك سيُسَوَّى و ستكون بخير ؛ صدقني ستكون بخير.


كتبت في إحدى مذكراتي من قبل :
[ ماذا عن قسوة القلوب ؟
عن صدور لو رحمت لا تستمر في رحمتها بسبب الظروف ؟
عن أرواح لرحمتها حدود !
عن أقصى رحيم من بين هؤلاء المخلوقات ؟

أمٌ و طفلها ترضعه في أي ظرف ، عينها لا تنام إلا عند نومه ، تراقبه و تتفقده كل ثوان ، توفِّر لأجله كل احتياجاته و لو اقتسمت من نصيبها له ، بينما هو لن يعاتب ، لن يفعل شيئًا سوى البكاء الذي ستسكته شربة حليب و ضمَّة دافئة ، سيُخدع بسهولة و سينسى بكاؤه ، لكنها لا تخدع و لا تهتم إلا به ، فتجده همها الأكبر و لو قدمت روحها فداه ..
·      من غير الأم له مقدار الرحمة كلها من بين كل هذه المخلوقات ؟

و نتعجَّب ثم نسبِّح خالق الرحمة في صدرها  ، لقد أتعبها و أرهقها في بطنها ، كاد يقتلها عند ولادته ، لكنها و بعد كل هذا تبتسم و تقبله بحبٍّ و شغف ، يكبُر و يرهقها بشقاواته و مشاكساته ، و لكنها لا تهتم كثيرًا تفكِّر كيف ستخلي طريقه من أي عثرة ، كيف تهيئ له الحياة الرغيدة ، و تقوم آناء الليل تدعو له بالتوفيق و النجاح و السعادة و تنسى نفسها ..

كيف يمكن أن تكون لها هذه الرحمة ذات الأبعاد الهائلة !
من خلق هذه الرحمة في صدرها ؟
من وهبها إياها فبالتأكيد رحمته أوسع ؛ بل قل  " وسعت كل شيء  "
يا رحمـن .. يا رحيـم

رحمته عامة لا يفوتها شيء إلا شملته ، حتى أصغر المخلوقات و أحقرها ، وصلتها رحمته ، شملتها فباتت في حمى الرحمن ..


سلام ..
هذا هو صاحب الرحمة الواسعة ، هذا هو الربُّ الذي تتلهف لرحمته ، و ثق بأنه سيكفيك و سيقيك من الجفاف و الوجع ، و سيأخذ عنك التفكير و التدبير ، فكل ما عليك أن تثق به و ستكون في رحاب رحمته الشاملة لكل شيء ؛ فهيا لا تقلق ، أنت بخير كثير .. ]



 



" الصورة قديمة و التصوير بسيط جدًا ، و بخطِّي المتواضع و السريع أيضًا كعادتي في مذكِّراتي 😅 " 


دفِّئ روحك الباردة ، تدَّثر من الصقيع ، و احمِ داخلك من جمود مشاعرك ، و اطلب رحمته ، استرحمه يرحمك .. 



 في هذه الصورة نبل و شيء اقشعَّر له بدني ، رحيم هذا الرجُل ، رحيمٌ و عسى الرحيم أن يرحمُه ؛ و إن كنت لا أحبُّ معشر الكلاب إلا أنه ألجمني .. 👇🤐




* تنبيه : الصورة في الأعلى ليست من تصويري بالطَّبع ، و هي من صور الأمطار التي هطلت في عدن يوم الثلاثاء 21 - 4 - 2020 م *


إلى صاحب العينين الناعستين :
(  هل أخبرك أنني خمنت اسمك و كان صحيحًا !
لقد أعدت لي ذكرى الركنُ المضيء ؛ سلَّمك و جمَّلك و أسعدك )


إلى المسنَّة الحبيبة و إلى الأم الحنون الرحوم ، و إلى مُنقِذ الكلب و صاحب القلب الرحيم :
( سلًّم قلوبكم مولاي ، و أفاض عليكم من رحمته ، و كثَّر من أمثال قلوبكم النقيَّة ؛ ألهمتموني فلكم خالص التقدير و الفخر 💐 )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv