26‏/4‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

البساطة ، و صديقتي البشوشة و هدايانا الصادقة











خطّ ابنة أختي الجميلة "نـور " 👆 ، التقطت الصورة قبل أشهر على برنامج سناب شات.


2 رمضان 1441 هـ




اليوم بدأ الكثير منا يعتاد على الصيام ؛ أذهب لصلاة التراويح في المسجد ، الكهرباء مقطوعة ، و " الماطور " يشغِّل اللمبات و المراوح في المسجد ، مع كثرة المصلِّيات يبدأ الجو يختنق ، الرطوبة تزداد ، نصلِّي العشاء و تنسحب احداهن بعدم قدرة على الإحتمال ، بينما نتابع نحن الصلاة و كلما سلَّمنا من ركعتين تهز إحدى الكبار بالسنِّ رأسها بأسف مصدرة صوت من فمها كناية عن الحرِّ ، فأبتسم متعجبة من عدم يأسها من إصدار نفس الحركة التي لا تغني من حرِّ !


في طريقي للبيت أتأمل الشقق القليلة المزينة بأضواء لطيفة بألوان متعددة ، و فوانيس رمضان معلَّقة على الشُّرفات بإضاءة جميلة ، الحركة بدأت تدبُّ في الشارع من بعد الصلاة ، يلفتني زقاق ضيِّق و قذر بين بنايتين ، يصل بين الشارع الرئيسي و حديقة خلفية ، و يصل بين احدى الشقق سلك من الإضاءات الملوَّنة ، بدا و كأن البنايتين تتصافحان ، و كأنهما لا تعيران الفوضى التي في الزقاق و لا القاذورات المنثورة هنا و هناك حتى يكاد لا يصبح هناك مكان للسير انتباهًا و لا اهتمام !




فكَّرت : هي البساطة إذن !


نفس الذي حدث مع كبيرة السنِّ في المسجد ، أن يتجاهل الإنسان الأشياء المزعجة فارضًا عليها رضاه و تحمُّله ، و هذا أكثر ما يمكنك أن تجده في مدينتي الجميلة البسيطة ، أنوارهم قليلة و رغم ذلك كانت جميلة و لطيفة ، منازل صغيرة و لكن رحبة بالدفء ، الناس هنا بسطاء جدًا ، ملابسهم بسيطة فالمهم أن تكون نظيفة و مرتبة ، سياراتهم صغيرة تكفيهم ، حتى المواصلات اعتمد الكثير من العاملين الدباب الصغير ، و بات الباص " الهايس " مخصصًا للرحلات التي تقطع الطريق البحري أو الأماكن البعيدة ، تشاهد فطورًا جماعيًا كل الوجبات فيه _ تقريبًا _ من صنع ربات البيوت ، و بسيطة جدًا و تجد المفطرين عليها في أشد الرضا بها ، إننا اعتدنا هذه البساطة ، أحببناها حتى لا أكاد أتخيَّل نفسي يومًا أعيش بدون إزعاج المارين في الشارع إما ينادون أو حتى يتحدثون بصوت عال ، إزعاج الأطفال في الشارع ، مرور السيارات التي تعتبر كـ " مخدَرة متنقلة  " بصوت المسجل العالي فيها ، تبدو تصرفات غير راقية و لكنها باتت اعتيادية جدًا ، حتى انقطاع الكهرباء صار اعتيادي صحيح أننا نحنق عندما يطول ، و لكننا رضينا به بل و امتهنَّا عدِّ الساعات و كم سيستغرق الوقت لتعود ، مرَّة قالت واحدة أعرفها عندما لم تنقطع الكهرباء كالعادة : " تصدقوا بدأت أقلق على أصحاب الكهرباء فينهم ما طفوهاش ؟! "



أرسل لصديقتي عبر الواتس اب رسالة قلقة عن حالها و حال منزلهم من بعد المطر خصوصًا و منزلهم أرضي ، فترسل لي صورًا للمنزل من الداخل ، الماء يصل للساقين ، و الحال يرثى لها و ترفق تعليقًا لها بكثير من الوجوه الدامعة من كثرة الضحك ! قائلة : " شوفي غرقنا " ، تستوقفني صورة " للدَّارة  " أو " البرنده " الماء مرتفع و عدد من شباشب المنزل تطفو على سطحه ، لم أعرف هل أضحك أم أقلق و لكنني ابتسمت و رددت بقلق : " طيب و كيف سويتوا ؟ " ، تجيبني بوجوه ضاحكة أيضًا : " كانوا عيال الحافة بيدخلوا ينقذونا هم و عيال عمي بس الباب مرضاش يفتتح مع المي فكسروا الجدار " ، زفرت براحة و سألتها : " و انتو اش كنتوا تفعلوا داخل ؟! " ردت بكلمة واحدة و وجوه ضاحكة كثيرة : " نلعب " ! ، وقتها ضحكت كثيرًا و شعرت بالفخر لا أدري لمَ ! ، شعرت بأننا شعب لا تهزمه الظروف ، شعب صقلته الأيام فبات قويًا يستمتع ببساطته و يحرص على ابتسامته وسط كل النوازل ، فعندما قالت صديقتي بأنهم كانوا يلعبون ، كانت تطمئنني و تواسيني و كأنه ليس مصابها ، كانت تربِّت على كتفي القَلِق تذكرني بأنَّه مهما حدث هي لن تتخلى عن سلاحها الساخر من كل الظروف ، لن تتظاهر بأن منزلهم ذا أساس قوي و احتياطات للأمطار بحيث لم تصلهم ، لم تحاول تجميع الشباشب قبل أن تصوِّر ، و لم تأخذ صورة احترافية أو مأساوية للوضع الذي صاروا إليه ، و كذلك الكثير من الناس هنا ، على قدر المصيبة التي أصابتهم إلا أنهم يبتسمون برضا و يتعاملون معها بهدوء _ و أنا أتحدث عن أهل هذه المدينة و ليس سكانها و هناك فرق  _ ، على كلٍّ البساطة سهلة جدًا و لكنها تريد جرأة ، تريد منك أن تكون شفافًا جدًا دون قلق من نظرات الشفقة ، تفعل الأشياء المريحة بكل وضوح و دون تحسُّب لنظرة فلان عنك أو شفقة علَّان عليك ، تبقى واضح و راضٍ بشكل يدفع الشفقة عنك و يزيد موقفك قوة ، تمامًا كما فعلت صديقتي فقد سكتت كلمات مواساتي و دعوت لها فقط بالعون ، فقد أسكتني رضاها و استوقفتني قوتها بالمواجهة و أعجبت ببساطتها جدًا ، شخصيتها التي ظننتها دومًا مستهترة أو باردة صفعتني من قلب الموقف و جعلتني أقف مدهوشة أمام صراحتها التي لا أملكها كثيرًا ...





نحن قومٌ اعتدنا على هذه الأشياء بكل تعاستها ، رضينا بها بل صارت جزءًا منَّا ؛ البساطة هو أن تترك التكلف بكل أشكاله ، أن ترضى بكل ما لديك ، أن تكون صادقًا جدًا بشكل يجعلك تشعر بالخفَّة و الراحة ، و هذا هو ما فعلناه بل وفعله أهل مدينتي منذ سنين طويلة بل و اشتهروا به كسمة أساسية فيهم ، و نبقى مهما تظاهرنا بالتكلُّف نملُّ سريعًا و نعاود العودة لبساطتنا المريحة .. 



قبل شهر  _ تقريبًا _ افتتحت كثير من محلات تجهيز الهدايا و تنظيم الباقات بشكل مبهر و متكلِّف جدًا ، لا أعرف من أين دخلت علينا فكرة الهدايا هذه و لكننا اعتبرناها شيء جديد مذهل ، بعد فترة بدأ الجميع يتهادى بهذه الطريقة ، و غالبًا تكون الهدية عبارة عن كثير من الشوكولا سواء غُلِّفت بباقة أو وضعت في صندوق فاخر ، بصراحة بدأ الكثير منَّا يملُّ الأمر خاصة و قد بدأ كثير من النفاق يتفشى ، و صار تبادل الهدايا بمفهوم " هبلي بهبلك "و يعني أن أعطيك هدية و تردُّها علي ، فصارت الهدايا عبئ لم يعد لذيذًا كما كان ، تذمَّرت أختي كثيرًا و قرَّرت أن تهدي صديقاتها بكل بساطتها التي اعتادتها قبل ظهور هذه المحلات ، فباتت تشتري الأشياء و تضعها بنفس كيس السوبر ماركت و تهديها لصديقاتها دون أن تأبه للموضة الجديدة ! ، تفاجأت صديقاتها و ضحكن كثيرًا منها و اتَّهمنها بكبر السنِّ و اعراض الشيخوخة التي جعلتها تهدي بهذه الطريقة البدائية ، و بعد فترة صار الأمر خانق جدًا و اشتقت للهدايا البسيطة جدًا ، حيث يجلب لك من يحبك شيئًا يعجبك بكيس عادي و رسالة قصيرة بدون كتابات منمقة و مبالغ بها ، و أردت أن أهدي أختي زبدة اللوتس التي بحثت عنها طويلًا و لم تجدها ، و كرهت أن أغلفها بتكلُّف ، فقرَّرت أن أجعلها تبدو كنكتة ، و ربطت حول العلبة خيط خيشة كتبت بخط عاديٌّ جدًا و بشكل سريع " أيتها البنت الطويلة " كنت أسخر من رسالة كتبتها إحدى المتكلِّفات و ذُهِلت من كذبها لأنني أعرف أن التي أهدت الهدية و كتبت الكلمات ليست على توافق كبير مع التي أهدت لها ، كتبت : " أيتها البنت المضيئة .. في ليل الظلمة  " !

و أخرى كتبت : " و كأنك خُلِقت من زمرد الورد "





حسنًا ... أكره الكذب حتى و إن كان بداعي المجاملة ، يبدو الأمر سخيفًا جدًا و مزريًا أيضًا ! ، المبالغة أحيانًا تجعل النص باهتًا ، و تشوه جمال الحقيقة ، هل تعرف كم تبلغ بلاهة العاشقين عندما يقولون  " سوف أبقى معك للأبد " ، للأبد هذه كلمة جعلت العبارة غبية ، و هم يعرفون بأن لا أحد يبقى للأبد ، و لكن في غمرتهم ينسون هذه الحقيقة ...



البساطة أمر ليس بتلك السهولة إن لم تكن معتاد عليه ، عليك أن تتخلص من كل أقنعتك ، أن تنسى كل كذبك ، أن تبدأ صفحة جديدة صادقة لا مجال في الكذب فيها و لا التنميق و لا التكلُّف ، و عندما تعتادها أعدك أنك ستجد راحة كبيرة بها ، و ستشعر بنفسك خفيفًا جدًا ، لا تخشَ شيئًا و لا تتوتر من شيء تخاف إنكشافهُ ، و هذه خطوة مهمة نحو سلامك الداخلي و تصالحك الذاتي الذي ستخلصه من أعباء ثقيلة دون جدوى و لا نفع.









رسالة إلى صديقتي الحبيبة ، صاحبة القلب الأنقى ، و إلى المُسِّنة التي صبرت على الحرِّ و تابعت صلاتها دون انسحاب ، و إلى أختي المضيئة بحقّ :

( شكرًا لبساطتكم ، لرضاكم بكل الظروف ، لإبتساماتكم المنيرة ، و لأنكم أوضحتم لي جمال البساطة و قوة الرضا ، فعسى الإله أن يحفظ ابتساماتكم ، و يحمي أرواحكم ، و يحفظكم كما أنتم )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv