بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن أبدأ هذه
التدوينة أحب أن أرسل بعض الرسائل التي قد تصل و قد لا تصل ، و لكنها ستُقرأ على
أية حال و ستصل من أفواه القراء إلى من أريد ، على الأقل يومًا ما لا بدَّ آت .
إلى عدن عروس البحر
الأحمر :
[ حماك المولى و رعاك
و أدامك لنا وطنًا لا يذوب بالإحتلال ، لا يتدمَّر بالنوازل و الأحداث ]
إلى أهالي عدن و
أبنائها لا إلى ساكنيها :
[ وَ ربي إن لصمودكم
تُرفع القبعات ، و لتفاؤلكم دائمًا كل التحايا الحارة " بالعدني : انيفدالكم
، و بلهجة بلادي : جعلني عيدكم 😁💖 " ]
و إلى ساكنيها :
[ إن عدن دومًا فاتحة
ذراعيها لكل من يحبها و كل من يدافع عنها و كل من يعتني بها ، فمن اعتنى بها
فستكون له الأحقية بأن يكون من أبنائها و ستحتضنه هذه العروس الدافئة بكل حب ، و
أما من سَكَنَها ينوي لها شرًا و يبغي لها سوءًا فوالله إنَّكم لخاسرون لخاسئون ،
و لعـدن ربٌ يحميها ✋ ]
و إلى قادتها :
[ بالله ثم بكم ماضون ، نثق بكم و بحرصكم على أمنها و أمانها ، و مواساة أهلها و معاونتهم ، و إننا و الله بكم نفخر ، و لكم ندعو ليل نهار أن يا رب وفقهم لكل خير و صلاح و انصرهم على كل معتدِ ]
عـدن ..
مدينة تحتضنها الشمس
دومًا ، شواطئ خليجها تقبل أطرافها كل يوم ، معطاءة أليفة فعند غربتك بها ستهبك
الأنس ، و عند استيطانك لها ستلبسك سماتها الحُلوة ، و عندما تسُكُن إليها تسكُنُ
إليك !
عدن بكل بساطة مدينة
برتقالية لا تشبه أي مدينة بدون مبالغة ...
مدينة تستقبل بكل
حبور كلَّ من يبغي بها سّكَنًا ، فتجد أصول أهاليها متنوعة من خارج اليمن بشكل عام
، و من خارج الجنوب العربي بشكل خاص فمن خارجه يوجد الصومال و الهنود و بعض
الحبشيين و الصينيين ، و من داخل الجنوب العربي تجد أهل أبين و أهل يافع و أهل لحج
و بعض الحضارم و الشبويين ، و أما من خارج الجنوب العربي فتجد من أهل تعز و من أهل
الحديدة هم فقط من يسكنوها ؛ و على أية حال فعدن تحتضنهم كلهم دون تذمر و لا
استثقال ، عـدن فقط تطلب محبتها و الدفاع عنها مهما كان الثمن و بالتالي معاداة كل
من يبغي لها شرًا أو يتحدث عنها بما يشوه صورتها ..
كيف تعرف أنك حظيت
بسَكَن عـدن إليك و بالتالي هويتها ؟
أن تكون مناضل في وجه
كل الحروب ، أن تبقى صامدًا في وجه كل الإنصهارات بابتسامة متفائلة و قلب لا يذوب
، أن تكن صفحة وجهك هي نفسها صفحة قلبك فلا مراوغة و لا تلوِّي و لا جحود ، أن
تقدم روحك و دمك على طبق من ذهب لأجل نصر عدن و بقاء عدن و سلامها من كل الشرور !
لهجة جميلة ، كلماتها
طويلة إلا أنها خفيفة على اللسان ، و عصرًا يتسلل البخور من أبواب منازلها ، عجائز
من خلف شباك شياذرهن يبتسمن ، أطفال كثيرون يلعبون في الحارة أعمارهم تتراوح ما
بين السابعة و العاشرة ، يلعبون " غميضان " و " شط الحبل " و
" شبدلُّو " و " من كبُّته طيَّر " و " دم يا ديم دم
" و " نجمة فوق نجمة تحت " و الكثير من الألعاب التي تجعل
أصواتهم المليئة بالنشاط تعطي الحارات نكهة خاصَّة ، الفتيات و الشباب يخرجون
بأناقتهم البسيطة المرتبة جدًا ، يبتاعون " بطاط شيبس مع البسباس " و " فوفل ملبَّس " و " شنجم أبو
أربع " ، الجارات يتزاورن فيما بينهن محضِّرين معهم " بطاط أبو حُمر
" و " خمير " و بلا شك تحضِّر المضِّيفة " شاهي أبيض عدني
" لتكتمل السفرة العامرة ، الرجال يجلسون في دكة الحارة يراقبون الأطفال و
يتحدثون عن أي شيء مستجد ، تراهم أحيانًا يتناقشون بكل حماس حتى تظن أنهم
سيتعاركون و لكنهم سرعان ما يتوافقون بالفكرة أو يصلون إلى حل ، و يبدأون بالسخرية
من كل الظروف القاسية و الأوضاع المتدهورة ، تعليقاتهم تجعلك تضحك مهما كان الأمر
قاسيًا ، لديهم خاصية تحويل الأشياء التعيسة إلى أشياء مضحكة و متفائلة ، هذه
الخاصية لن تجدها عند أي أحد باستثناء بعض المصريين الذين يشبهونهم في بعض اللهجة
و الميول أيضًا ؛ أهالي عدن مندفعون عندما يتعلق الأمر بالوطن ، هم ليسوا على قدر
كبير من المكر حتى يستقبلوا كل الأمور السياسية التي يكون لها وجهان ، حتى و إن
كان حقيقة الأمر في صالحهم و لكن ظاهره لا يبدو أنه لصالحهم ، يقومون بالدفاع بكل
حرقة ، نسبة معرفتهم بالسياسة صغيرة جدًا و لا يهتمون بها كثيرًا ، فأكثر ما يهمهم
معرفته كيف يصبحون أفضل ، كيف يرتقون بالفكر ، و كيف يمكن أن يفيدوا وطنهم ، و على
أية حال هم لم يروا أن السياسة ستفيدهم كثيرًا ، فتركوها إلا قليل منهم ...
باختصار عدن مدينة
مفتوحة ، تحتضن كل من يبغي بها حياة بسيطة بعيدة عن التكلُّف و الخباثة ، تأوي كل
من لقي ان التصنع متعب و مرهق فقرَّر إستئناف حياته بكل وضوح و بلا قلق ، و تعتني
بكل من وجد نفسه بدون وطن يستحقه أو يحتويه ؛ عدن مدينة البسطاء و عالم برتقالي
الوضوح ، وضَّاء و منير مهما طالته الأيادي السوداء التي تريد به سوءًا ، حرًّا
أبيًّا لا يقبل الخنوع و لا الخضوع ، و سيبقى عامرًا ما دام الله يسمعنا و قد
سمعنا و سيسمعنا .
الثلاثاء 21\4\2020 م
هطلت أمطار غزيرة على
عدن بشكل نادر ، حيث أن عدن ليست معتادة على جوٍّ ماطر بهذه الغزارة ، الأمر الذي
سبَّب خسائر كبيرة فكثير من البيوت " العشوائية _ تحديدًا _ " تهدمت ، و
بعض السيارات غرقت ، و متضررين كثيرين من السُّكان ، وعلى كل حال فأهل عدن لا
زالوا يبتسمون بتفاؤل ، يخرج الشباب لمعاونة أحدهم علقت سيارته في الطريق الوعر و
حبسته الأمطار في مكانه ، يقومون بإغاثة الأسر التي هدَّم منازلها السيل ، يسعفون
عجائز لا يستطعن النجاة بأنفسهم ، ينقذون مسنّ كاد أن يجرفه السيل ، و الكثير و الكثير
فماهو موثَّق قليل جدًا بالنسبة للواقع الذي نراه أمامنا ، فشهامتهم شهامة لن
ينكرها أي أحد ، لديهم تلك الحميِّة التي تدفعهم دائمًا بكل طيبة قلب لإنقاذ كل
شيء ، لمعاونة أي أحد ، للوقوف بجانب أي مظلوم بغض النظر تمامًا عن هويته ، عن
مشاعره تجاههم ، عن صدقه أو كذبه ، عن مكره أو طيبته ، لا يهم كل شيء ، الأهم هو
كيفية الوقوف بجانبه و مساعدته في محنته ؛ و لهذا فقط يسقطون في المشاكل و يتعرضون
للخيانات و للإنكار و الجحود لكل ما فعلوه لأجل الاخرين ، و كم تعرَّضوا ! و لكنهم
لا ييأسون ..
لم أكتب هنا عن أحداث
الأمس للشكوى ، و لا لاكتساب آخرون لصف أهالي عدن ، فقد كتبت هذا لأجل أهالي عدن و
شبابها أنفسهم ، لأشكرهم على جمالهم ، و على نقائهم و نضالهم و على كل طبيعة فيهم
، و أما عن خسائرهم فالله معهم لن يضيعهم
، ثم لديهم قادة لن تخذلهم _ بإذن الله _ ستواسيهم و هم ليسوا بحاجة للمواساة ،
ستغيثهم بعد الله ، كما قد فعلوا و نحن و إن لم نكن منكوبين و لا متضررين إلا أننا
شاهدين على صمود عدن و أهلها ، و نخوة قادتها و صلاحهم و إرادتهم الخير لها فالله
يوفِّقهم لكل خير و ينصرهم على كل خائن ، و حفظ الله عدن الحبيبة و أهلها ..
هذا الفيديو يلخِّص
ما أعنيه في سمة أهل عدن المتميزة : النضال و التفاؤل .
و هذه الحارة
الجانبية التي كانت بحالة سيئة ، لأنهم كانوا يعملون على المشروع الذي ذكرته في هذه التدوينة ، و لم يمهلهم الوقت لتسوية الأرض جيدًا ، فعلقت قرابة الثلاثة
سيارات في الحُفَر ، و كلها تم إنقاذها بحمد الله و إن كانت بصعوبة خصوصًا و السيل
حُبس بسبب البناء العشوائي و في النهاية فقد وجد له تصريفات أخرى ، فشربته الأرض و
أنهت عليه شمس اليوم الحادة ، و اختفى إلا ان المكان بقي بحالة سيئة جدًا ، فالطين
يغطيه و الطريق وعرة جدًا ، و لكن على أية حال لدي الأمل دائمًا أن كل شيء سيكون
بخير ، و كل ما علينا هو المساهمة في بناء جنوبنا العربي بكل حب و فداء ؛ و في
النهاية و رغم كل شيء ستبقى عدن حبيبة جميلة مهما حدث .
ملاحظة : هذه
التدوينة كتبتها بالأمس و لم تسعفني الكهرباء لنشرها ، فنشرتها اليوم بعد أن عادت
الكهرباء 😅
و أخيرًا أهنئكم بحلول شهر رمضان المبارك ، أعاننا الله على صيامه و قيامه ، و بلغنا ليلة القدر منه ، و جعلنا ممن قامه إيمانًا و احتسابًا فغُفِر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ؛ بالمناسبة عدن بخير و الأطفال سعيدون يغنون لرمضان " مرحب مرحب يا رمضان ، شهر العبادة و شهر الصيام ، رحبوا يا صايمينا ، شهر ربِ العالمينا ، عاده لله علينا و عليكم أجمعين " و إن كان نشيدًا صوفيًا مبتدعًا إلا أنهم يغنونه لداعي الفرح فقط لقدوم هذا الشهر المبارك 😇 ، و على أية حال فهم ينشدونه أثناء قيامهم بحرق إطارات السيارات القديمة فوق الجبال مع شباب أكبر منهم للإعتناء بهم ، و هي طريقة قديمة لأهل عدن لإعلان قدوم الشهر المبارك ❤️️
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق