20‏/6‏/2020

# كتب

الكُتُب الإستنزافية ، و الكاتب الإستحواذي .


من المؤكَّد أنك قد سبق و جرَّبت قراءة كتاب استهلكك على آخرك ، استنزف مشاعرك و جعلك تقول بنفس مقطوع : متى ينتهي !
 
لا يُشترط أن تكون الكتب الإستنزافية سيئة ، و لا أن تكون لغتها صعبة أو أن تكون أحداثها مبتذلة ، لا على العكس تمامًا ، أحيانًا تكون من أفضل ما قرأت سوى أن عيبها الوحيد أنها مستنزِفة .




الكتب الإستنزافية :

هي الكتب التي تحتوي أفكار مذهلة ، و مشاعر كامنة ، و تُسرَد بإسهاب دقيق جذَّاب ، و هي طويلة جدًا غالبًا .





الأفكار المذهلة لا تُشترط أن تكون جديدة و لا قديمة ، يمكن أن تكون أيَّ فكرة عادية ، و لكن المنظور الذي شُرِحت به ، و الطريقة التي تعرضها تجعلك تدخل في حالة ذهول كبير عن أيَّ أفكار غيرها ، و يستمر ذهولك على حسب نسبة استنزاف الكتاب نفسه ، فربما ينتهي ذهولك ساعة انتهائك منه أو ربما تمتد معك لأيام أو فترات .




و أما المشاعر الكامنة فالسرُّ هو أن الكاتب عندما ترجمها إلى كلمات كان صادقًا جدًا ، أو على الأقل شَحَن نفسه بتلك المشاعر بكل ما لديه من قوَّة كي يُخرج نصًا يراه جديرًا بما أراد إيصاله للقرَّاء ، و بالتالي فإن القارئ عندما يقرأ تلك النصوص يغرق بها بل الأحرى أنه يسقط في دوَّامتها ، عند الحبِّ فجأة يشعر بصعقة حب لحبٍّ ربما كان قد بدأ يخمد ، عند الحزن يشعر بنوبة انهيار مع أن لا شيء محدد يدعوه إليه ، عند الغضب تستعر أعصابه بحثًا عن شيء يغضب لأجله مع ملحوظة صغيرة حشرها الكاتب ( الإستحواذي ) بين الكلمات تقول : أنا على حق !




بالنسبة للسرد الإستنزافي فهو ذاك الذي يسرد الحوارات و يحشر بينها أفكار البطل و أحيانًا أكثر من بطل ، يصف الأشياء ببراعة و دقة مع اسهاب غير ممل غالبًا ، يسرد محتوى الكتاب بعمق عميق ، ببساطة يستحوذ على رأسك و فكرك ، تتسمَّر أمام الكلمات غير قادر على سحب عينيك منها لحظة واحدة ، و هذا ليس سحرًا جنونيًا و لكنَّه عبارة عن مادة موضوعة بكل قدرات هذا الكاتب ، قدراته الوصفية و السردية و الخيالية ، و فجأة تجد نفسك في عالمه هو ، تقرأ من منظاره هو ، تمامًا كما لو أنه وضع عدسته أمام الجميع و قال : " هيا احكموا " ، و لكن الحقيقة هي أنك خلال القراءة إلى أن تنتهي سترى أنك موافق غالبًا لآراء الكاتب ، على الأقل راضي بطريقة قيادته للأحداث .




أما عن حجم هذه الكتب فهي طويلة جدًا ، أولًا لأنها مسرودة بإسهاب ، و ثانيًا لأنها منبسطة كل جوانبها ، تكاد تشمل كل الأشياء ابتداء من الدين إلى اختيار الثياب بمنظار مهتم بالأناقة ! ، و ثالثًا طريقة السرد رغم دقتها إلا أنها مكرَّرة و ملحَّة بشكل يدعو للضيق ( و لكنك تستمر بالطبع فأنت ذاهل بالفكرة غارق بالسرد ! ) ، و هذا التكرار لا يكون واضحًا جدًا و إلا كان الأمر مملًا بشكل يجعل ترك القراءة أسهل ، إنما يكون باستعادة ذكرى موقف سَبَقَ و أن قرأته على شكل حاضر ، أو استعادة فكرة أحد عناصر الكتاب بشمولية أكبر ، و أحيانًا تتكرَّر الأشياء التي لا ينتبه القارئ إلى تكرارها أثناء قراءته الأولى ، و هي مشاعر الحب و الكراهية و الحزن و الغيرة و الإفتتان و هي من أكثر الأشياء التي تُكرَّر على حساب وصف الأشياء بدقة ، فيقرأ القارئ بعين أشد تقديرًا لحال العنصر الوهمي هذا ، يقرأ و يمتلئ هو بتلك المشاعر ، تمامًا كما يحدث عندما تشرب عصيرًا فيبقى أثره في فمك حتى تشرب الماء !




هل تتذكَّر ( الكاتب الإستحواذي ) الذي ذكرته في الأعلى ؟

حسنًا ، ليس شرطًا أن يكن قلمه ذا قرون حادَّة و عينيه لامعتين بالشر ، أحيانًا يكتب و هو مُثقل بشيء يستفرغه في ذاك النص الإستنزافي ، و أحيانًا أخرى يكتب في قمة فراغه ، رأسه خالية من الأفكار و فقط يهتمُّ بملء الأوراق واحدة تلو الأخرى ، يخنق الأحداث خنقًا ، يجعل رأسك كقنبلة موقوتة في وجه أي ضغط ، هو فارغ تمامًا و لديه متَّسع من الفراغ كي يعقِّد الأشياء كلها ثم يبدأ بفكِّ العُقد واحدة واحدة ببطء قد يكون سببًا في اصابتك بانهيار عصبي ، و بالطَّبع لا يهم كيف سيفكُّها كلها ، و بغض النظر عن منطقية ما يفعل ، ستجد نفسك تقرأ و تقرأ ، بأعصاب تكاد تتمزَّق ، برأس غارق تمامًا في دوامة الأفكار التي تسلَّلت إلى رأسك مما قرأت ، و ستشعر و كأنك في عنق الزجاجة تريد فقط النهاية كي تهدأ ، و لكن المصيبة الكبرى عندما تنتهي و لا زالت رأسك في الدوامة نفسها ، و أعصابك تالفة جدًا ، و ضيق شديد يحكم خناقه على عنقك ، أسئلة كثيرة تدور ، إجابات مبعثرة لأسئلة لا تعرفها ، ذكريات غائمة ، و أيام تقوم نافضة عن جنباتها غبار النسيان ، على الأرجح أنت الآن و بعد انتهائك من القراءة تحاول التخلُّص من آثارها كمن غرق لفترة ثم نجا و قام يستفرغ ما ابتلعه .



برأيي تَجَنُّب الكتب الإستنزافية أولوية لضمان نفسك .



و لكن كيف نعرف الكتب الإستنزافية ؟ 


حسنًا ليست لديَّ أي طريقة محدَّدة أعرف بها أن الكتاب استنزافي أم لا ، و لكنني أقوم بحركة بسيطة جدًا لا تكون صحيحة دائمًا ، و لكني أعتبرها كردِّ فعل حَذِر ، و هي أنني عندما أقرأ كتابًا و أكتشف أنه استنزافي فإنه لا يكون لي أي سبيل سوى متابعة قراءته ، و لكن عند انتهائي منه أُحرِّم باقي كتب هذا الكاتب ، و أتجنَّبها بكل جهدي ، و كما ترون فالحركة هذه ليست سوى حركة هجومية للهجوم القادم ! ، و لا أملك حتى الآن شيئًا يجعلني أعرف نوعية الكتاب قبل بدء قراءته ، فلا يمكن أن يكتب الكاتب : هذا الكتاب يستنزفك ، احذر !

على الأقل لم يفعلها أحد من قبل ، و لكن بدون شك إن قمت يومًا بكتابة شيء استنزافي فسأتذكَّر أن أكتب هذه العبارة فلا أحتمل أن أكن سببًا في غرق قارئيَّ .



باختصار الكتب الإستنزافية جيدة أم سيئة ؟



أوه _ يا عزيزي _ أتظنُّ أن لي التصريح بالحكم ، كلا لا أظن ، و لكن لي وجهة نظر شخصية فيها و هي أن جودة هذه الكتب لا تكون كبيرة دائمًا ، و السبب بالطبع لا يعود لمحتوى هذه الكتب ، فهي تتفاوت فيما بينها من حيث الجودة ، فقد يكتب الكاتب كتابه بشكل مُستنزِف و لكنه يحتوي على أشياء جيِّدة و أفكار ممتازة ، و قد يكتبها الكاتب بشكل استنزافي بدون أن يهتم لكمية ما سيجود به على القارئ ، إذًا كيف قلتُ بأن جودتها لا تكون كبيرة ؟


جودتها لا تكون كبيرة ، لأن القارئ مُستنزَف الآن بعد القراءة ، ربما غرق في فوائد جمَّة و أشياء ممتازة ، و لكنه عندما ينتهي سيخرج بأقل بكثير مما كان يجب له أن يتحصَّله من هذه القراءة .



ملحوظة صغيرة : لاحظ انني أتحدَّث عن الجودة و ليس عن الفائدة ، لأنني مع القول بأننا لا يجب أن نفعل كل شيء لأجل الفائدة ، و القراءة بشكل خاص يجب أن تكون جيِّدة لعقولنا فلا تؤذيها ، بغض النظر من أنها مفيدة أو لا .







إذًا هناك الكثير من الكتب الإستنزافية التي ليس مكتوب عليها ( تحذير ) ، لذا على القارئ أن يقع مرَّات كثيرة في هذه الهوَّة و يخرج منهكًا مُستهلكًا ، و الا فإنه سيكن حذرًا جدًا فيضع قائمة لها و يتجنَّب مؤلفيها كما فعلتُ ، و لكن بهذه الحركة سيضيع كثير من الكتب التي قد لا تكون مُستنزِفة من تأليف هذا المؤلف ، و هكذا بين نارين يكون القارئ المُنهك ، نار احتراقه في القراءة و نار تجمُّده بدونها ، و يبدأ رحلة البحث عن كتب بسيطة تمرُّ بسلام بدون حروب و لا معارك نفسية طاحنة ...


في رأيي الكتب الروسية هي الأكثر بساطة ، غير أنني لا أعدك بجودة هائلة أو أفكار مذهلة ، كل ما في الأمر أنها ستمرُّ عليك بسلام ، ستبتسم بين جنبات صفحاتها ، و ستتشوَّق مع الأحداث بيد أنك لن تتحرق شوقًا ، و لكنها برأيي الأكثر سلامًا ، و لن تقلق كثيرًا حتى عندما تحكي حكايا المعارك بين السوفييت و الألمان ، ستمضي بك الأحداث بهدوء و سلام إلى شاطئك الآخر .


بالطبع كل هذا من وجهة نظري ، و لا يعني هذا انه لا وجود للكتب المسالمة غيرها ، بل موجودة و ربما أكثر جودة من هذه و لكنني لا أستطيع حصرها تحت نطاق معيَّن ، لذا رأيت أن تجربتي مع المؤلفين الروس أكثر هدوءًا و سلام .






بعد انتهائي من قراءة سلسلة الشفق لستيفاني ماير حتى الجزء الرابع " بزوغ الفجر " و قد أجَّلت الجزء الخامس الذي هو فقط سرد للأحداث نفسها و لكن من وجهة نظر إدوارد كولن ، أجَّلته كي أراجع الإمتحان لسورة آل عمران الذي كان موعده اليوم ، و ها أنا أنتهي من الإمتحان بحمد الله و قوَّته مع خطأ نسيان واحد فقط ، و عودة لسلسلة الشفق فلم أبدأ بعد بقراءة الجزء الخامس ، أحتاج فسحة صغيرة لترتيب أفكاري ، و من المؤكَّد بأن جزء واحد أخير هو مجرد تكرار أحداث لن يكون مُنهِكًا كما الأربعة الماضية ، على كلٍّ سأوثِّق مراجعة جيِّدة للكتاب بإذن الله في تدوينة أخرى فهذه بدأت تطول ، و ستصبح بمراجعة للكتاب طويلة و مملة .😅

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv