20‏/6‏/2020

# دوامة الآس

ركام


يمكنني أن أتأكد هذه المرة بأنني أحتاج لموعد مع اخصائي نفسي فورًا ، و لكنني كالعادة سأخاف من الطبيب و لن أذهب .

هذا الشعور بدا أن الطبيعيون لا يرونه تصرُّفًا مقبولًا ، أما عني فيمكنني أن لا أعيره اهتمام ريثما يهدأ هذا الحبل الذي يخنقني .

لا أحتمل تلك الأجواء المشحونة بالمشاعر ، لا أستطيع البقاء فيها حرفيًا ، تلك النقاط الدافئة في العلاقات ، أحيانًا تكون أشياء عادية بالنسبة للآخرين ، شكر صادق أو حتى مديح مسهب أو استعادة ذكريات و يصل الأمر إلى مكالمة مع أشخاص بعيدون كانوا هنا ، أختنق !
تصبح صفحة وجهي ثقيلة ، لا وجود للتعابير فيها ، أبسط حركة في عضلات الوجه تزيد من ألم الإختناق ، عيناي خاويتين لامعتين و لكنهما لن تذرفان أبدًا ، مجرى الكلمات يتعرَّض لمطبَّات شعورية تُخرِج الكلمات خاوية ، تبدأ الأشياء بالتماوج و بالتمايل بشكل يدعو للجنون ، و وقتها أقوم بأي جهد ، يمكنني أن أفعل أيَّ شيء مُرهق دون أن أشعر بأي شيء سوى فراغ ، الخط الملتهب يحتدُّ ، و رأسي متنمِّل تمامًا ، الأفكار تسيل على وجه قلبي ، أحاول أن أستفرغ هذا الإختناق على شكل كلمات ، و لكن كل ما يخرج عبارة عن هراء ، هراء و هباء و لا يلبث أن يتلاشى ، فوق كتفاي حمل يجعلهما متهدِّلَين ، حمل لا أراه كي أُزيحه ، لا أكاد أستطيع فعل شيء سوى الإختناق أكثر ، و لكن مع يقين مؤذي بأنني سأتخطى هذا ما إن تهدأ ثورة المشاعر هذه ، و ما إن أعود إلى خوائي .

قد أكون دخلت طورًا من أطوار التوحُّد ، أو ربما الإنفصام ، على الأقل ليس الوسواس القهري فلست أستطيع التعامل جيدًا معه ، عندما يُذكر الأصدقاء و الأحبَّة و تُستعاد الذكريات الدافئة و يغمر الجو أمان ، و أبدأ أنا بالإختناق ، أندم و لا أندم ، و أشعر و كأن رأسي بالأسفل و قدماي للسماء ، أندم على تلك السنين التي مضت دون أن أجد صديقًا حقيقيًا ، و لا أندم أبدًا بل أشعر بالأمان لأنني لم أجده و أعود للتساؤل : أين سأضع هذا الأخير ؟ بأي مكان وسط هذا الركام ؟!

من الجيد أنني لا أمتلك صديقًا حقيقيًا ، و إلا كان غرق معي في هذا الجنون ، أشعر بشيء بارد يعبر حنجرتي و عيناي تهدِّدان بهطل ، و أعرف أنهما لن تهطلان فقد ولَّت السبع السمان ، و جاءت سنين القحط و لن أستطيع البكاء ، شيء من الخواء البارد يلفُّ أنحائي ، أبتسم بهدوء ، ها هي وحدتي المألوفة تعود ، و أعرف أن ذاك الإختناق كان مجرَّد نكسة صغيرة من نكسات الإنسان ، نكسة لأثبت بعض الخصائص البشرية لدي ، نكسة عابرة تخبرني أن طبيعة النفس البشرية تميل للحب و الود ، بل تراه غنيمة و هي التي اعتادت على الوحدة تلك ، و أنني خرجتُ عن هذه الفطرة بهذا الإختناق ، و لكنني أمضي بهدوء اكبر ، بأمان و أعرف أن وحدتي هذه ستنتهي يومًا ما ، و أن كثير من نوبات الإختناق بالإنتظار ، لذا عليَّ أن أستمتع بهذا الخواء البارد ، برودته صقيعية و كأنني أحتضن إدوارد !
إدوارد .. كان دومًا مثال وحشتي الصقيعية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv