يمكنني أن أتأكد هذه
المرة بأنني أحتاج لموعد مع اخصائي نفسي فورًا ، و لكنني كالعادة سأخاف من الطبيب
و لن أذهب .
هذا الشعور بدا أن
الطبيعيون لا يرونه تصرُّفًا مقبولًا ، أما عني فيمكنني أن لا أعيره اهتمام ريثما
يهدأ هذا الحبل الذي يخنقني .
لا أحتمل تلك الأجواء
المشحونة بالمشاعر ، لا أستطيع البقاء فيها حرفيًا ، تلك النقاط الدافئة في
العلاقات ، أحيانًا تكون أشياء عادية بالنسبة للآخرين ، شكر صادق أو حتى مديح مسهب
أو استعادة ذكريات و يصل الأمر إلى مكالمة مع أشخاص بعيدون كانوا هنا ، أختنق !
تصبح صفحة وجهي ثقيلة
، لا وجود للتعابير فيها ، أبسط حركة في عضلات الوجه تزيد من ألم الإختناق ، عيناي
خاويتين لامعتين و لكنهما لن تذرفان أبدًا ، مجرى الكلمات يتعرَّض لمطبَّات شعورية
تُخرِج الكلمات خاوية ، تبدأ الأشياء بالتماوج و بالتمايل بشكل يدعو للجنون ، و
وقتها أقوم بأي جهد ، يمكنني أن أفعل أيَّ شيء مُرهق دون أن أشعر بأي شيء سوى فراغ
، الخط الملتهب يحتدُّ ، و رأسي متنمِّل تمامًا ، الأفكار تسيل على وجه قلبي ،
أحاول أن أستفرغ هذا الإختناق على شكل كلمات ، و لكن كل ما يخرج عبارة عن هراء ،
هراء و هباء و لا يلبث أن يتلاشى ، فوق كتفاي حمل يجعلهما متهدِّلَين ، حمل لا
أراه كي أُزيحه ، لا أكاد أستطيع فعل شيء سوى الإختناق أكثر ، و لكن مع يقين مؤذي
بأنني سأتخطى هذا ما إن تهدأ ثورة المشاعر هذه ، و ما إن أعود إلى خوائي .
قد أكون دخلت طورًا
من أطوار التوحُّد ، أو ربما الإنفصام ، على الأقل ليس الوسواس القهري فلست أستطيع
التعامل جيدًا معه ، عندما يُذكر الأصدقاء و الأحبَّة و تُستعاد الذكريات الدافئة
و يغمر الجو أمان ، و أبدأ أنا بالإختناق ، أندم و لا أندم ، و أشعر و كأن رأسي
بالأسفل و قدماي للسماء ، أندم على تلك السنين التي مضت دون أن أجد صديقًا حقيقيًا
، و لا أندم أبدًا بل أشعر بالأمان لأنني لم أجده و أعود للتساؤل : أين سأضع هذا الأخير
؟ بأي مكان وسط هذا الركام ؟!
من الجيد أنني لا
أمتلك صديقًا حقيقيًا ، و إلا كان غرق معي في هذا الجنون ، أشعر بشيء بارد يعبر
حنجرتي و عيناي تهدِّدان بهطل ، و أعرف أنهما لن تهطلان فقد ولَّت السبع السمان ،
و جاءت سنين القحط و لن أستطيع البكاء ، شيء من الخواء البارد يلفُّ أنحائي ،
أبتسم بهدوء ، ها هي وحدتي المألوفة تعود ، و أعرف أن ذاك الإختناق كان مجرَّد
نكسة صغيرة من نكسات الإنسان ، نكسة لأثبت بعض الخصائص البشرية لدي ، نكسة عابرة تخبرني
أن طبيعة النفس البشرية تميل للحب و الود ، بل تراه غنيمة و هي التي اعتادت على
الوحدة تلك ، و أنني خرجتُ عن هذه الفطرة بهذا الإختناق ، و لكنني أمضي بهدوء اكبر
، بأمان و أعرف أن وحدتي هذه ستنتهي يومًا ما ، و أن كثير من نوبات الإختناق
بالإنتظار ، لذا عليَّ أن أستمتع بهذا الخواء البارد ، برودته صقيعية و كأنني
أحتضن إدوارد !
إدوارد .. كان دومًا
مثال وحشتي الصقيعية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق