لا واعي إذًا .
ذاك الخط الملتهب وسط
الصدر ، يمتدُّ إلى الذاكرة ، لا شيء يمكن أن يطفئه ، الأفكار هوجاء لا قائد لها ،
في الثانية فكرة و فيما بعد الثانية نسيان ، تسير و لكنك تنسى إلى أين ذاهب !
لماذا ؟
و كيف ؟
كانت لديك فكرة صغيرة
عن حلم قررت أن تكسر به حدَّة وضعك ، و أن تتجاهل به ذاك الخط الملتهب و أن تمضي
قدمًا .
و لكن الذاكرة ستنحرك
ببطء ، كل الأشياء ستعاود الظهور في رأسك ، أسئلة كنتَ قد قرَّرت أن إجابتها مؤلمة
كفاية كي تتجنَّب تذكرها ، أفكار لم تعد صالحة لأن يُعمل بها ، و الأحلام التي
حرصت على أن تعطيها تنفس اصطناعي و فاجأك أحد الطرق بشيء يسهلها ما عادت تعنيك
حقًا ، باتت مجرَّد هراء .
أنت ما عدت نفسك ،
أوه أقصد ما كنتَ أنت منذ وقت طويل .
صحيح أنك صرفت أيامًا
كان الخواء ينهشها في سبيل أن تجد نفسك ، إلا أنها تبدو الآن تضحية عمياء ، تضحية
للا شيء .
لقد بلغتَ الثامنة
عشر و عشرة أشهر بالتمام ، و أنتَ لا زلت في نفس الضياع و ذات الضياع المبتذل ،
قريبًا ستبدأ مشوار التاسعة عشر و عندها ستمضي نفس الأيام ، و ستصبح فجأة في
العشرون دون قلب .
كنتَ تتنفس بلا شك ،
و لكن لم تكن رئتيك ليصلها شيء من الهواء ، كنتَ تتحرَّك أيضًا بغض النظر عن أنك
كنت تفعلها بآلية ، و كنتَ تتذكَّر و لكن بدون أي ترتيب ، كل الأحداث كانت متداخلة
، و غفوة طويلة تنام تحت جفنيك المسدل بثقل على الدوام ، حدقتيك نصف مفتوحتين
تشاهدان و لكن لا تعيان شيئًا ، أتظنُّ بأنك لست حي !
بل أنت حي ، و لكنك
لا تعيش ، كأي شيء جمادي و آلي ، يمكن أن تكون لديه ردات فعل لكنها ليست مسرفة ،
له نهاية و لكن بدايته غير حقيقية و بلا توقيت محدَّد ، كنتَ تنمو كي تبدأ وجودك
لوقت طويل ، مرورًا بمراحل كثر و لهذا يعتبر تاريخ ميلادك نهايتها ، و لا أدري كيف
يمكن لأي إنسان أن يعتبر تاريخ الميلاد بداية ، بالطبع كانت نهاية ، و نهاية أقسى
، و أنت أصبحت من بعد النهاية مبتدئ في فن الوجود و عيش الحياة ، ستنتهي لتبدأ كأي
شيء قابل للعطب ، ستمرض ستتوعَّك ستسقط و لكنك ستحيا ، شيء واحد يمكنك أن تفقده و بطريقة
ما لا يفقدك حياتك هو أن تعش بلا وعي ، أن تفقد ذاك الشغف ، و أن ترى الأحلام هراء
و الآمال هباء ، و أن تمضي رغم كل ذاك الشرخ الذي يكاد ينصِّفك ، و أن تبقى طويلًا
حتى يحين وقت نهايتك الثانية .
نهاية بعد نهاية و
أنت يا صاحب الخط الملتهب تمضي بدون توقف ، و لكن بكثير من النسيان ، بكمية غير
معقولة من الإهمال ، تمضي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق