16‏/5‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

الله هو المحسن ، و احسن للناس تكسب ودَّهم

22 رمضان 1441 هـ

يبدو اليوم المنزل هادئًا ، حمود الصغير و أمِّه ذهبوا إلى خالته ليستمر العزاء ، الوقت طويل و كافي تمامًا لتبدأ أعصابي التي كانت بالأمس تالفة بالهدوء ، و عادت أفكاري للسرد ببطء ، فمنذ الأمس كنتُ في دوَّامة شتات مع الأحداث الكثيرة كعادتي طبعًا لأنني في الفوضى أتشتت و لا أدري ما هي خطوتي التالية ، على كلٍّ الحمد لله على نعمِ الله التي لا تعد و لا تحصى ...

بعد أن أفطرنا ، فوجئنا بأخي يصعد الدرج و هو يحمل بين يديه بعض الصحون و الأكواب التي أفطر بها هو و أبي بالجناح السفلي ، كادت عيوننا أن تخرج أنا و أخواتي 🙄
آه بدون مبالغة أخي هذا لا يرفع الكوب من تحته إلا فيما ندر ، و أن يقوم بترتيب سفرته فهذا فوق المعقول ، فضحكنا و بدأنا نعلِّق عليه متعجِّبين من مبادرته العظمى هذه ! ، فردَّ بضحكة متورِّطة : اش نسوي بجلس عندكم لما يفتحوا كريتر !
و ضحكنا مجددًا ثم ذهبنا لصلاة المغرب ، عندما عاد أخي مرة أخرى استلمته امي بالضحك و التعليق عليه ، ثم واساته قائلة : عاده حلو الرسول قال : ( خيركم خيركم لأهله ) فلم يجد أخي بدًّا من أن يبتسم بشيء من الإحراج أمامها ...

بشكل عام فإن إخواني ليسوا على وئام مع المطبخ و الأعمال المنزلية ، فعملهم دائمًا في الأشياء الكبيرة و خارج المنزل ، و بشكل خاص أخي هذا أصبح هكذا بعد اغترابه سنين طويلة ، كره معها الأعمال المنزلية ، و أصبح يرى رفع كأس أو تنظيف صحن كابوس مرعب ، و نحن نقدِّره فهو بقي في سكن جماعي عانى معه مناوبات التنظيف و الأعمال المنزلية ، و بالنسبة للباقين فهم أفضل منه و لكن على أيَّة حال ليسوا من النوع الذي يتطوَّع في العمل بهذا المجال 🤐

و لكننا نذكِّر دائمًا أن الإحسان موجود في كلِّ شيء ، في العبادات و في المعاملات و الأعمال البدنية ، و إلى الناس و الحيوانات ، فيكون في العبادات كما قال الرسول عندما سأله جبريل عنه _ ليعلِّم الصحابة أمور دينهم _ : ( الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك )
و في المعاملات ببرِّ الوالدين و طاعتهما في غير المعصية ، و إيصال الخير إليهما، وكفِّ الأذى عنهما، والدُّعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما.
و في الأعمال البدنية وهو للأقارب ببرِّهم ورحمتهم والعطف عليهم، وفعل ما يَجْمُل فعله معهم، وترك ما يسيء إليهم.
وهو لليتامى بالمحافظة على أموالهم، وصيانة حقوقهم، وتأديبهم وتربيتهم بالحسنى، والمسح على رؤوسهم.
وهو للمساكين بسدِّ جوعهم، وستر عورتهم، وعدم احتقارهم وازدرائهم، وعدم المساس بهم بسوء، وإيصال النَّفع إليهم بما يستطيع، وهو لابن السَّبيل بقضاء حاجته، وسدِّ خلَّته، ورعاية ماله، وصيانة كرامته، وبإرشاده إن استرشد، وهدايته إن ضلَّ.
وهو للخادم بإتيانه أجره قبل أن يجفَّ عرقه، وبعدم إلزامه ما لا يلزمه، أو تكليفه بما لا يطيق، وبصون كرامته، واحترام شخصيَّته.
وهو لعموم النَّاس بالتَّلطُّف في القول لهم، ومجاملتهم في المعاملة، وبإرشاد ضالِّهم، وتعليم جاهلهم، والاعتراف بحقوقهم، وبإيصال النَّفع إليهم، وكفِّ الأذى عنهم.
وهو للحيوان بإطعامه إن جاع، ومداواته إن مرض، وبعدم تكليفه ما لا يطيق، وحمله على ما لا يقدر، وبالرِّفق به إن عمل، وإراحته إن تعب.
وهو في الأعمال البدنيَّة بإجادة العمل، وإتقان الصَّنعة، وبتخليص سائر الأعمال مِن الغش، وهكذا...

و الله هو المحسن ، و الإحسان وصفٌ لازم له سبحانه ، فكل موجود نال من إحسانه بالإيجاد أوَّلًا ثم بالإنعام و الإمداد ، يقول الله تعالى : ( و أحسِن كما أحسن الله إليك )
( و أحسنوا إن الله يحبُّ المحسنين )
و يقول يوسف لأبويه عندما يرفعهم على العرش و هو يذكر نعم الله عليه : ( و قد أحسن بي إذ أخرجني من السجن و جاء بكم من البدو )
و يقول الرسول صلى الله عليه و سلَّم : ( إن الله محسن يحبُّ الإحسان إلى كلِّ شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، و ليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته )
قال ابن القيِّم : ( و إقرار قلوبنا بأن الله الذي لا إله إلا هو ... و أنه حكيم كريم محسن ... و لا أحد أحب إليه الإحسان منه ، فهو محسن يحب المحسنين )

و بهذا نجد أن كل شيء يدعو إلى الإحسان الذي هو من أعظم القُرَب ، و أفضل المعاملات التي تُكسبك حبَّ الناس و ودَّهم ، بل و أكثر الصداقات و العلاقات تبدأ من عمل إحساني ، فيتطوَّر الأمر إلى ود ...
لذا فإن العائلة تزدهر بإحسان أعضاءها ، فيُحسن الزوج بعمله و ابتسامته و عونه لأهله ، و تُحسن الزوجة بالوقوف بجانب زوجها في شدَّته و رخاءه و البذل دون توقُّف لزوجها و أبنائها و عائلتها بشكل عام ، و هكذا فإن الودِّ يبدأ بعمل إحساني مهما كان صغيرًا ، فابذل تلقى خيرًا ، و كما يقول الله تعالى : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )
فهل جزاء من يخاف الله فيحسن عمله و يطع ربه إلا الجنة و الثواب الجزيل من عند الله تعالى !
و لهذا فإن الإحسان نتاجه على كلِّ حال ود و خير و سلام ، و في كلِّ الأشياء يكون خيرًا ..



رسالتي اليوم أرسلها لكل من يطلب ودَّ أحدهم ، من يريد وصفة سحرية لكسب الناس ، و من يريد أن تصبح عائلته عامرة بالحبِّ و السلام ، أقول لك :
( ابذل خيرًا تلقى خيرًا ..
و اعلم أن الإحسان لا يجلب إلا خيرًا ، و ابدأ بالبذل أنت يبذل من حولك ، و اكسب قلوبهم بمساعدتهم ، و اخطف الحبَّ منهم بعملك الخيِّر لهم ؛ و تذكَّر دائمًا أن تكن محسنًا في كل شيء تفوز ... )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv