26 رمضان 1441 هـ
درجة الحرارة اليوم
عالية جدًا ، كما قالت زوجة أخي : " اليوم الجو مش طبيعي " !
جهاز التكييف تعطَّل
في غرفتنا ، و الكهرباء تُقطع ساعتين و تعود ساعتين ، صحيح أن لدينا بطارية و
ألواح شمسية إلا أنه لا تعويض ، و الحمد لله على كل حال ...
لا شيء اليوم ملفت ،
مُتعبة جدًا و مرهقة و لا أقوى على أي عمل و لا أدري كيف سأفعل مع دوامي في المطبخ
غدًا ! ، الحرُّ هذا يستهلكنا و نكاد نذوب من شدَّته ، أُضيع الوقت بقراءة رواية
من روايات عبير ، لم أكن أنوي قراءتها و لكن قصرها غرَّني ، و لكنني بدأت أملُّ من
أفكار عبير هذه ، فكلُّها تتحدث عن نفس الفكرة ، فتاة تذهب لمكان بعيد لأي سبب و
تحبُّ هناك سيِّد المكان ، و يكون هو مغرورًا و ساخرًا جدًا ثم أخيرًا يعترف لها
بأنه أحبَّها من أول نظرة و أن سببًا ما منعه من الإعتراف كأنها مخطوبة أو مغرورة
أو حتى لظنٍّ ما ظنَّه هو ، يبدو أنها المرَّة الأخيرة التي سأقرأ لها ، و هنا
أزداد أسفًا من أنني إنسانة ملولة حتى في قراءاتي ، أحبُّ التغيير كثيرًا ، و لهذا
فإن مكتبتي الصغيرة تبدو مضحكة بتباين الكتب بها !
اليوم خرجت أختي قبل
الحظر لشراء بعض الأشياء الضرورية ، أوصيتها بشراء بالونات للعيد كما وعدت نور
الصغيرة ، و قمع حناء ، و بعض الأغراض الأخرى ، و أخرجت القطعة التي لم أستخدمها
العام السابق ، قطعة من المقوَّى سجَّلت عليها " من العايدين " ، صنعتها
في 2018 بخط مرتب و دقيق ، تعبت على اللوحة كثيرًا و صبرت عليها أكثر و كلُّ ذلك
لغرض ساذج لم أدري أنلته أم لا ! ، و على أيَّة حال فإنني أدرك أنني مهما كبرت فلي
سقطات مع الأغراض الشاعرية الساذجة جدًا ، و الحمد لله على خمود هذه السقطات هذه
الفترات ...
ليلة 27 المباركة ،
لا أكاد أصدِّق كيف مضى الوقت سريعًا هكذا ، لو كانت المساجد مفتوحة لكانت الصلاة
اليوم حافلة بالخشوع و البكاء المتواصل ، إن يوم 27 يمثِّل لنا يوم النصر في عدن
من الحوثي البغيض قبل خمسة أعوام ، و نحتفل دومًا بهذه الذكرى الحبيبة ، في كل عام
كنتُ أُطلق في فجر اليوم السابع و العشرون بالونات و أكتب بها بعض العبارات عن
الذكرى ، و أشعر بتجدُّد نفس الفرحة بالنصر كل سنة ...
إنني آسفة لشيء واحد
فقط و هو أنني لم أكن في بلدي الحبيب يومها ، و لم أشهد ضحكة الأطفال و الزغاريد
السعيدة و صرخات الرجال المنتصرة ، كنت في ذلك البلد البغيض ، كنتُ في بلد العدوِّ
بالضبط ، كنتُ أحترق ، كنت لا أبكي شيئًا ، فقدت الشعور يومها ، الغربة خنقت
كلماتي ، و غلَّفت نظراتي وحشة كئيبة ، نمت !!
و عندما صحوت شغَّلت
أغانٍ حبيبة لعدن ، بصوت عال و لم آبه لأن يسمع أي أحد ، و لا أن يستهدفني أي أحد
، و عندما لاقتني جارتنا و قلنا له عن النصر ، قالت : " يكذبوا عليكم "
، كم مقَّتها كم كرهتها ، و لم أستطع التجاهل عن جهلها ، و غبائها ، استفزَّتني
...
و عندما لم نُطِق
رحلات ترفيهية ، و لم نتحمَّل ضحكات كذابة بعد ، نزلنا عدن في وقت شدَّة كبيرة ،
بدون والدي ، أخي فقط يقودنا و لديه عشرون عامًا فقط ، في باصنا الحبيب ، بالكاد
رافقتنا عائلة أخرى في باصنا الكبير كي تملأ وحشته قليلًا و تهدِّئ قلقنا ، عائلة
مكوَّنة من أب في الثلاثينات و زوجته و بكرهما المصاب بالحمى الصفراء ، و طفلين
بينهما عام واحد ، أحدهما في الثامنة و الآخر بالتاسعة ، و طفلة مدلَّلة الجميع في
ربيعها الخامس فقط ، مررنا بنقاط حوثة ، بطرق لا نهاية لها ، مخيفة موحشة ، ظننت
أننا لن نصل أبدًا ، كنا نضحك بدون سبب ، مبتسمين ، تركنا الخوف و الأمل خلف
ظهورنا و مضينا في طريق لا نعرف له بداية و لا منتهى ، و لكن الله لطف بنا فانتهى
..
لن أبحر ، يكفي إلى
هنا ذكرى للوجع ، للغربة و الألم ...
اليوم ذكرى نصرنا ،
تهليلات الفرح تطرق مسامعي ، عيوني تتغشى سعدًا و مسرَّة ، و في نفس اليوم أقسم
بحبِّ عدن ، بأنني لن أتركها إلا لبلد أزوره ، أو لمدينة أرضى بها ، فضَّلت الموت
في حرب وطني على الموت في سلم بلد عدوِّي أو حتى بلد آخر ، عدن وطني أموت بوجعها و
أعيش بحلوها و سلمها ، عدن ليست هوية فقط ، عدن انتماء ، عدن حب لا يجفَّ أوراقه ،
لا يذوب مع الزمن ...
الله هو من لطف بنا ،
الله هو الخبير بنا ، و بما عانينا ، بما حدث معنا ، بما كان و ما لم يكن ..
( إن ربي لطيف لما
يشاء )
و اللطف من الله
لعبده تعني الرحمة و هي التي تصل إلى العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر
بأسبابها ، و هذا ما حدث معنا ، لطف بنا و نجَّانا من كل ذاك الخطر ، من كل ذاك
الموت المحدِّق بنا ، و عدنا لعدن بغير دموع فرح حتى ، استنشقنا غبار المنزل و
قبَّلت جدرانه المليئة ببيوت العنكبوت التي بقت على الوعد و عاشت دون قلق ، على
مهل تبني بيوتها ، بكل سكينة تعنمل بجدٍّ على بيوت من خيوط ، هي أوهن البيوت ،
وقتها أدركت أن كل ما كنَّا نعمِّره هو مجرَّد سراب ، هو فقط وهن و سيذوب مع قسوة
الظروف ، و أن كل تلك العناية المنزلية المبتذلة كانت محض شرود طويل في زهرة
الدنيا العابرة ، وقتها عدت لأسلم مع سليمان عليه الصلاة و السلام ، و سلَّمت بأن
المنازل عبارة عن صروح مشيَّدة من قوارير ، و أننا ساهمون ساهبون ...
قال ابن القيم : ( "انتظار روح الفرج يعني راحته،
ونسيمه، ولذته؛ فإن انتظاره، ومطالعته، وترقبه يخفف حمل المشقة لا سيما عند قوة
الرجاء، أو القطع بالفرج؛ فإنه يجد في حشو البلاء من رَوْح الفرج، ونسيمه، وراحته
ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل". )
و في نونيَّته قال :
(
وهــو
اللطيف بــعبده ولــعبده *** والـلـطف في أوصـافه نـوعـانِ:
إدراك
أســرار الأمــور بخُـبره *** والـلـطف عند مواقع الإحـسـانِ
فيــُريك
عزته ويُـبدي لطـــفه *** والعبد في الغفلات عن ذا الشأن )
إلى عدن الحبيبة :
( حفظك المولى و حماكِ ، و رعى الله أهلك و أرضك و رملك و كلُّك ، و
لا أراني فيك غصبًا و لا فقدًا )
إلى كل من يخاف ضياعًا أو حزنًا في وطن أو في قلب :
( فلتدعُ اللطيف الخبير ، و ستصل نجاتك من حيث لا تعلم ، و ستنجو بسبب
لا تعرفه ، و ستفلح ما إن تقول : يا لطيف يا خبير ..
و أقول كما قال لقمان لابنه : ( يبني إنها إن تك مثقال حبة من خردل
فتكن في صخرة أو في السموت أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير )
و سيأتي الله بفرجك ، فاستلطفه يلطف بك )
الصورة من رحلة شواء بحر " العشاق "
ليست من تصويري لكنَّها صورة تشرح طريق الغربة الذي لا ينتهي 👆💔
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق