25 رمضان 1441 هـ
يبكي حمود الصغير
بعصبية لأن أمه خرجت من الغرفة ، أحمله و أدور بالغرفة و أقرأ سورة الفاتحة بهدوء
، فيهدأ بكاؤه و تبقى شهقاته الخافتة ، يرتجف قلبي لهدوئه أقع في غرام هذا الولد ،
إن حبُّه للقرآن يقشعرُّ له بدني ، بالأمس قرأت سورة الضحى بصوت خافت و لا أدري لم
هي من طرأت على بالي ، فنام باستسلام و شهقاته المعترضة تتلاشى شيئًا فشيئًا ، و
اليوم أقرأ وِردي و أدور بالغرفة كما أحب و أحمله فينام ...
عوَّدته أمه على سماع
القرآن قبل أن ينام ، فبات يهدأ بصحبته بعد البكاء أو ينام ، بعكس أخته نور فقد كان
لديها رهبة من القرآن و من صوت الآذان فكانت تبكي بلا مبرر ، و بعد محاولات كثيرة
استطعنا أن نهدِّئ خوفها من صوت الأذان ، و أخيرًا صارت تقول عند سماعه : " اوه
أدَّم " ، تقصد " أذَّن " !
قبل أيَّام كانت أختي
تسير و هي تحمل حمُّود و تحفظ مقطع من سورة الأنفال ، و هو هادئ بشكل أسطوري و
يدندن معها بحروف غير مفهومة ، و عندما تصل إلى آية : ( كدأب آل فرعون و الذين من
قبلهم كفروا بئايت الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قويٌّ شديد العقاب ) يبكي ..!
ركَّزنا أكثر و طلبنا
من أختي أن تعيد المقطع ، و عاد نفس الحركة !
ما إن تقرأ الآية
يبكي ، و ما إن تنتقل لما بعدها يعود لدندنته بهدوء !
الأطفال يعتادون ، و
الأم التي تعوِّد طفلها على القرآن منذ ولادته ، بل قل منذ كان جنينًا ، يكون حفظه
للقرآن أسرع ، و يألفه و يأنس به ..
كان و لا يزال يذهلني
الطفل الصغير عبد الرحمن بهذا الفيديو ، و عندما تقرأ بدايته مع القرآن تعرف أنه و
منذ كان جنينًا ألِفَ القرآن ، و تغذَّى به و تشرَّبه كما اللبن ، فصار سهلًا
سلسًا على لسانه ، و حفظه كاملًا في السادسة على ما أظنُّ ، إن عقل الطفل عبارة عن
صفحة بيضاء نظيفة ، و عندما تبدأ الأم بملئها بالقرآن يكون سهلًا عليه أن يحفظه
كاملًا ، و يألفه و يدخل في قواميسه ، بل و يقوِّي الكلمات الفصيحة لديه و بالتالي
يوفِّر له كثيرًا من التميُّز تمامًا كما حدث مع عبد الرحمن ، كما قرأت في إحدى
المقابلات لصحفي معه ...
ذكرت من قبل أن أخي
الأوسط كان يحفظ سورة مريم في صغره ، و هذا كان لأن أمي اعتادت على قراءتها على
مسامعه تلك الفترة ..
عندما كنتُ صغيرة ،
كنتُ أحفظ سورة الطارق ، و إن كانت بعض الكلمات مقلوبة 😅 فلا زال لديَّ التسجيل الأليم ، و هذا لأن أختي كانت تحاول حفظها
فحفظتها أنا ..
على كلٍّ هذا الطفل
أرجف فؤادي ، ثبَّته الله و جعله من الصالحين النافعين ...
نور الصغيرة تكاد
تخرج من طورها كلَّما رأتني منذ الأمس مهتمَّة به ، تقوم بأفعال غريبة للفت نظري ،
تقول كلمات من القائمة السوداء التي منعتها أمُّها مثل : " هبلا ، كلبة ...
" ، فقط لكي تلفت نظري ، فبتُّ بين نارين ، أقول : " يناس كشنه " و
قبل أن تخرج من طورها أردف بسرعة : " و كشنك كمان يا اخته الكبيرة البطلة !
"
إنها لا تعترف بأنها
تغار لكنَّ أفعالها تترجم الأمر بوضوح ، و تعلِّق أختي بكلمتها المعتادة على شبهنا
الإثنتين ، و تضيف بأننا لا نعترف بالضعف و لا الغيرة و لا الحزن ، و أننا نصارع
كلَّ شيء و أيَّ شيء ...!
أهذه أنا حقًا ؟ لا
أدري صدقًا .
المهمُّ أنني سعيدة
بالإنجاز ، فهذه المرَّة الأولى التي ينام فيها أحمد في حجري ، نور كانت عملة صعبة
في النوم ، أما وداد الصغيرة ابنة أخي الكبير فإنها كانت ابنتي التي لم ألدها ،
فقد كنتُ أذهب لدار التوحيد و هي ذات الثلاثة أشهر مع أمِّها في الفترة المسائية ،
و اعتدت أن أحملها و أن تنام في حجري ، فصرت أرى نفسي أفهمها كثيرًا ، بل و
الوحيدة التي تستطيع السيطرة على فرط حركتها و شقاوتها الأسطوريَّة ، و هي تتقبَّل
شدَّتي معها ، و تفهم متى أغضب حقًّا و تعرف متى يجب عليها التوقُّف عن الشقاوة و
الإنتباه لحدَّتي معها ، إن وداد ارتبطت بي من تاريخ ولادتها إلى أن توقَّفت
دراستي في دار التوحيد ، و كلَّما رأيتها عادت شجون و أمانٍ كانت قد دُفِنت و
ذكريات لا تتوقَّف عن الإنهمار ...
عندما ارتبطت مع وداد
، و بعد كلِّ هذا الوقت زاد تأكُّدي بأن الأمُّ لا يهم أن تكون هي من ولدت و
لكنَّها من ربَّت ، تمامًا كما حدث معي فقد كنتُ أرى أختي الأكبر مني بعشرة أعوام
و كأنها أمي ، لأنها كانت شبه مربيتي فترة سفر أمي و أبي لإجراء عملية نظر لأختي و أخذوا معهم أخي الأصغر مني و بقيت معها ، ثم استمرَّت
علاقتي معها قويَّة مهما خمدت فترات قصيرة ، و استمرَّ هذا حتى الآن و كما أعتقد
أن شعوري بأنها هي أمي لا يختلف عن شعورها بالمسؤولية دائمًا نحوي ، خصوصًا و أن
أمي تعلَّقت بأخي الأصغر كثيرًا ، و بالتالي صرت رفيقة أختي أينما ذهبت ..
مرة أحكي لخالتي عن
فتاة و شرحت عمرها قائلة : " يا خالة البنت كبيرة كبيرة سع مها ! "
فتقول خالتي باستنكار
: " كبيرة سع مها ! ليش مها كبيرة ! "
باستغراب أردُّ :
" أيوة أكبر مني بعشر سنين ! "
و تقول خالتي بأسى :
" إذا مها كبيرة كيف تشوفيني أني ! "
فضحكنا جميعًا ، و لم
تنسَ خالتي الأمر أبدًا ..!
آه حسنًا ، إنني
أراها كبيرة لأنني منذ وعيت و هي أمامي أكبر مني ، لذلك أراها كبيرة .!
في رواية من أفضل
الروايات الخليجية التي صادفتها ، رواية " حادي العيس " و فيها صراع
الأب الحقيقي و الأب المربِّي و قد كنتُ بصفِّ ياسر دائمًا ، و مهما قرأت عن صعاب
يعقوب فلم أستطع تقبُّل فكرة أن يصبح فجأة الأب الأحقُّ بالودِّ الأكبر ، الرواية
تتحدث عن مرض الإكتئاب بصورة مفصَّلة مبسَّطة و عن ظاهرة اللا إنجاب و عن ما ينتظر
الأولاد في الشارع ، و فيها أحداث مميَّزة لا تشبه أحداث الروايات المائعة و التي
بغير هدف ، و الجميل فيها أن الرومانسية ليست مكثَّفة فيها و لا مبالغ بها بشكل
فاضح بل لطيفة جدًا ، المشكلة الوحيد في الرواية هي تماطل الأحداث في النهاية ،
فتصبح ثقيلة بعض الشيء ، و ربَّما إذا أعدتُ قراءتها فسأتوقَّف بالنصف ، ثم سأنتقل
للمقطع الأخير فهو دافئ بشكل مرجف للأضلع ..
أتذكَّر في حكاية
الأب الروحي و الأب الحقيقي ، زيد بن حارثة الذي عاش في كنف الرسول كإبنه حتى
سمُّوه " زيد بن محمد " ، حتى نزلت الآية التي تنهى عن نسب الإبن لغير
أبيه و لو كان مجهولًا ، فقال الله : ( ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم
تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم )
أقسط تعني : أكثر
عدلًا .
و الإسم لحفظ الأنساب
، لذلك كان الإسم مهمًا للأب الحقيقي ، و أما من حيث الإرتباط الروحيُّ فلا وجود
للأسماء و لا الأحساب و لا الأنساب و يبقى الودُّ و كفى ...
يمكنك هنا قراءة قصة
زيد بن حارثة ، و كيف صار ابن النبي صلى الله عليه و سلَّم بالتبنِّي .
: إلى كلِّ ولي أمر
( و اتقوا الله في الأرواح التي تحت رعايتكم ، و برُّوها تبرُّكم ، و ادعوا فإن في الدعاء الخير كلُّه )
وداد طفلتي الروحيَّة ، من إحدى جلساتي التصويرية لها قبل عام 💗
وداد طفلتي الروحيَّة ، من إحدى جلساتي التصويرية لها قبل عام 💗
حمُّود الحبيب💘
التدوينة متأخرة جدًا ، و لكن على أيَّة حال أفضل من لاشيء ، فهي جاهزة منذ الأمس و لكن كان ينقصها بعض الأشياء🙂
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق