19‏/5‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

القرآن و الطفل ، و نظرة في الإرتباط الروحيُّ بين الطفل و مربِّيه


 25 رمضان 1441 هـ






يبكي حمود الصغير بعصبية لأن أمه خرجت من الغرفة ، أحمله و أدور بالغرفة و أقرأ سورة الفاتحة بهدوء ، فيهدأ بكاؤه و تبقى شهقاته الخافتة ، يرتجف قلبي لهدوئه أقع في غرام هذا الولد ، إن حبُّه للقرآن يقشعرُّ له بدني ، بالأمس قرأت سورة الضحى بصوت خافت و لا أدري لم هي من طرأت على بالي ، فنام باستسلام و شهقاته المعترضة تتلاشى شيئًا فشيئًا ، و اليوم أقرأ وِردي و أدور بالغرفة كما أحب و أحمله فينام ...



عوَّدته أمه على سماع القرآن قبل أن ينام ، فبات يهدأ بصحبته بعد البكاء أو ينام ، بعكس أخته نور فقد كان لديها رهبة من القرآن و من صوت الآذان فكانت تبكي بلا مبرر ، و بعد محاولات كثيرة استطعنا أن نهدِّئ خوفها من صوت الأذان ، و أخيرًا صارت تقول عند سماعه : " اوه أدَّم " ، تقصد " أذَّن " !

قبل أيَّام كانت أختي تسير و هي تحمل حمُّود و تحفظ مقطع من سورة الأنفال ، و هو هادئ بشكل أسطوري و يدندن معها بحروف غير مفهومة ، و عندما تصل إلى آية : ( كدأب آل فرعون و الذين من قبلهم كفروا بئايت الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قويٌّ شديد العقاب ) يبكي ..!

ركَّزنا أكثر و طلبنا من أختي أن تعيد المقطع ، و عاد نفس الحركة !

ما إن تقرأ الآية يبكي ، و ما إن تنتقل لما بعدها يعود لدندنته بهدوء !

الأطفال يعتادون ، و الأم التي تعوِّد طفلها على القرآن منذ ولادته ، بل قل منذ كان جنينًا ، يكون حفظه للقرآن أسرع ، و يألفه و يأنس به ..


كان و لا يزال يذهلني الطفل الصغير عبد الرحمن بهذا الفيديو ، و عندما تقرأ بدايته مع القرآن تعرف أنه و منذ كان جنينًا ألِفَ القرآن ، و تغذَّى به و تشرَّبه كما اللبن ، فصار سهلًا سلسًا على لسانه ، و حفظه كاملًا في السادسة على ما أظنُّ ، إن عقل الطفل عبارة عن صفحة بيضاء نظيفة ، و عندما تبدأ الأم بملئها بالقرآن يكون سهلًا عليه أن يحفظه كاملًا ، و يألفه و يدخل في قواميسه ، بل و يقوِّي الكلمات الفصيحة لديه و بالتالي يوفِّر له كثيرًا من التميُّز تمامًا كما حدث مع عبد الرحمن ، كما قرأت في إحدى المقابلات لصحفي معه ...



ذكرت من قبل أن أخي الأوسط كان يحفظ سورة مريم في صغره ، و هذا كان لأن أمي اعتادت على قراءتها على مسامعه تلك الفترة ..

عندما كنتُ صغيرة ، كنتُ أحفظ سورة الطارق ، و إن كانت بعض الكلمات مقلوبة 😅 فلا زال لديَّ التسجيل الأليم ، و هذا لأن أختي كانت تحاول حفظها فحفظتها أنا ..

على كلٍّ هذا الطفل أرجف فؤادي ، ثبَّته الله و جعله من الصالحين النافعين ...



نور الصغيرة تكاد تخرج من طورها كلَّما رأتني منذ الأمس مهتمَّة به ، تقوم بأفعال غريبة للفت نظري ، تقول كلمات من القائمة السوداء التي منعتها أمُّها مثل : " هبلا ، كلبة ... " ، فقط لكي تلفت نظري ، فبتُّ بين نارين ، أقول : " يناس كشنه " و قبل أن تخرج من طورها أردف بسرعة : " و كشنك كمان يا اخته الكبيرة البطلة ! "

إنها لا تعترف بأنها تغار لكنَّ أفعالها تترجم الأمر بوضوح ، و تعلِّق أختي بكلمتها المعتادة على شبهنا الإثنتين ، و تضيف بأننا لا نعترف بالضعف و لا الغيرة و لا الحزن ، و أننا نصارع كلَّ شيء و أيَّ شيء ...!

أهذه أنا حقًا ؟ لا أدري صدقًا .



المهمُّ أنني سعيدة بالإنجاز ، فهذه المرَّة الأولى التي ينام فيها أحمد في حجري ، نور كانت عملة صعبة في النوم ، أما وداد الصغيرة ابنة أخي الكبير فإنها كانت ابنتي التي لم ألدها ، فقد كنتُ أذهب لدار التوحيد و هي ذات الثلاثة أشهر مع أمِّها في الفترة المسائية ، و اعتدت أن أحملها و أن تنام في حجري ، فصرت أرى نفسي أفهمها كثيرًا ، بل و الوحيدة التي تستطيع السيطرة على فرط حركتها و شقاوتها الأسطوريَّة ، و هي تتقبَّل شدَّتي معها ، و تفهم متى أغضب حقًّا و تعرف متى يجب عليها التوقُّف عن الشقاوة و الإنتباه لحدَّتي معها ، إن وداد ارتبطت بي من تاريخ ولادتها إلى أن توقَّفت دراستي في دار التوحيد ، و كلَّما رأيتها عادت شجون و أمانٍ كانت قد دُفِنت و ذكريات لا تتوقَّف عن الإنهمار ...

عندما ارتبطت مع وداد ، و بعد كلِّ هذا الوقت زاد تأكُّدي بأن الأمُّ لا يهم أن تكون هي من ولدت و لكنَّها من ربَّت ، تمامًا كما حدث معي فقد كنتُ أرى أختي الأكبر مني بعشرة أعوام و كأنها أمي ، لأنها كانت شبه مربيتي فترة سفر أمي و أبي لإجراء عملية نظر لأختي و أخذوا معهم أخي الأصغر مني و بقيت معها ، ثم استمرَّت علاقتي معها قويَّة مهما خمدت فترات قصيرة ، و استمرَّ هذا حتى الآن و كما أعتقد أن شعوري بأنها هي أمي لا يختلف عن شعورها بالمسؤولية دائمًا نحوي ، خصوصًا و أن أمي تعلَّقت بأخي الأصغر كثيرًا ، و بالتالي صرت رفيقة أختي أينما ذهبت ..

مرة أحكي لخالتي عن فتاة و شرحت عمرها قائلة : " يا خالة البنت كبيرة كبيرة سع مها ! "

فتقول خالتي باستنكار : " كبيرة سع مها ! ليش مها كبيرة ! "

باستغراب أردُّ : " أيوة أكبر مني بعشر سنين ! "

و تقول خالتي بأسى : " إذا مها كبيرة كيف تشوفيني أني ! "

فضحكنا جميعًا ، و لم تنسَ خالتي الأمر أبدًا ..!



آه حسنًا ، إنني أراها كبيرة لأنني منذ وعيت و هي أمامي أكبر مني ، لذلك أراها كبيرة .!


في رواية من أفضل الروايات الخليجية التي صادفتها ، رواية " حادي العيس " و فيها صراع الأب الحقيقي و الأب المربِّي و قد كنتُ بصفِّ ياسر دائمًا ، و مهما قرأت عن صعاب يعقوب فلم أستطع تقبُّل فكرة أن يصبح فجأة الأب الأحقُّ بالودِّ الأكبر ، الرواية تتحدث عن مرض الإكتئاب بصورة مفصَّلة مبسَّطة و عن ظاهرة اللا إنجاب و عن ما ينتظر الأولاد في الشارع ، و فيها أحداث مميَّزة لا تشبه أحداث الروايات المائعة و التي بغير هدف ، و الجميل فيها أن الرومانسية ليست مكثَّفة فيها و لا مبالغ بها بشكل فاضح بل لطيفة جدًا ، المشكلة الوحيد في الرواية هي تماطل الأحداث في النهاية ، فتصبح ثقيلة بعض الشيء ، و ربَّما إذا أعدتُ قراءتها فسأتوقَّف بالنصف ، ثم سأنتقل للمقطع الأخير فهو دافئ بشكل مرجف للأضلع ..



أتذكَّر في حكاية الأب الروحي و الأب الحقيقي ، زيد بن حارثة الذي عاش في كنف الرسول كإبنه حتى سمُّوه " زيد بن محمد " ، حتى نزلت الآية التي تنهى عن نسب الإبن لغير أبيه و لو كان مجهولًا ، فقال الله : ( ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم )

أقسط تعني : أكثر عدلًا .

و الإسم لحفظ الأنساب ، لذلك كان الإسم مهمًا للأب الحقيقي ، و أما من حيث الإرتباط الروحيُّ فلا وجود للأسماء و لا الأحساب و لا الأنساب و يبقى الودُّ و كفى ...

يمكنك هنا قراءة قصة زيد بن حارثة ، و كيف صار ابن النبي صلى الله عليه و سلَّم بالتبنِّي .








 :  إلى كلِّ ولي أمر 



( و اتقوا الله في الأرواح التي تحت رعايتكم ، و برُّوها تبرُّكم ، و ادعوا فإن في الدعاء الخير كلُّه )


وداد طفلتي الروحيَّة  ، من إحدى جلساتي التصويرية لها قبل عام 💗





حمُّود الحبيب💘



التدوينة متأخرة جدًا ، و لكن على أيَّة حال أفضل من لاشيء ، فهي جاهزة منذ الأمس و لكن كان ينقصها بعض الأشياء🙂  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv