24 رمضان 1441 هـ
أصحو بكل هدوء لأُفاجئ بأختيَّ تنظران بعين لديها خبر ما ، أتجاهل
الأمر و أفتح المصحف لأتمَّ وِردي ، فتقول أختي الأكبر : " آخ بس اليوم قرأتي
و انتي نايمة " فتقول الأخرى بسرعة : " و الله افتجعت ، عاد لولو قامت
تهدر بنفس الوقت و هي نايمة ! "
أسأل بشيء من الإحراج أخفيته بطابع مازح متسائل : " أسألكم بالله
إش قرأت ؟ "
تشرح أختي الأمر : " قرأتي " و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة ...
" دا كوم و لما توقفي عند مؤمنة كأنه أحد يراجعلك كوم تاني ! "
تقول الأخرى : " و الله عاده تكرري مؤمن ، مؤمنة ! "
سألت بضحكة و احراج : " بالله صوتي كان عالي يعني ؟ "
فتجيب بسرعة : " ما شاء الله و لا عندك دقَّة ، حسبتك صاحية من
كثر ما هو عالي ! "
و تعلِّق الأولى : " المصيبة ان لولو قامت تخربط بنفس الوقت
مفتهمليش حاجة "
و نضحك ثم يبدأ تعداد مواقف حديثي أثناء نومي ...
آخ يبدو أن ابنة أخي قد ورثت الحالة هذه من أبيها و عمَّتها التي
تشبهها كثيرًا في الطباع ، و كما يقول الجميع : " نور النسخة المكرَّرة من
أسماء بكل شي ! "
و تعلِّق أختي الكبرى كلما لحظت تصرُّفًا من نور الصغيرة : "
سبحان الله الماضي يعيد نفسه " و هي التي كانت تجلس معي بصغري كثيرًا حتى
أسميتها مربِّيتي ...
إن روان و نور ابنتا أخي سالم هما النسختان المعادتان منِّي بشهادة
الجميع ، و لكن روان لإبتعادها عنَّا لا نستطيع الجزم دائمًا ، إلا أن طريقة
حديثها و ضحكتها و حتى بعض حكاياتها تؤكد شبهها بي ، لذلك أحرص دائمًا على أن
أعطي تصرفات الفتاتين تفصيلًا دقيقًا و
بحثًا طويلًا مع نفسي ، لعلِّي أفهم روحي الصغيرة الملغاة من ذاكرتي تمامًا !!
على كلٍّ يبدو أنني كنتُ مرهقة كثيرًا اليوم ، لذلك تحدَّثتُ أثناء
نومي و أنا التي كنت مطمئنة لهدوء هذه الحالات هذه الفترة ، لا بأس يجب أن أتنبَّه
لساعات نومي أكثر ...
تعود اليوم زوجة أخي من عند اختها بعد انتهاء أيام العزاء ، تبدو في
حال أفضل و الحمدلله ، أُلاحظ أنها شبه تقبَّلت الأمر و إن كانت عينيها تلمعان
كلما لمست حديثًا مؤدِّيًا لأخيها ، نحاول أن نلفتها لأمور أخرى فنسأل عن أحوال
أختها و بناتها ، و تتماشى معنا بوجه شاحب يصارع الفقد و وجع الفراق ، ثم تسأل
بشيء من التعجُّب : " نعم .... تطلَّقت !؟ "
الفتاة نعرفها كثيرًا ، فلا نصدِّق لأنه لم يصلنا أي خبر بهذا الشأن ،
و لكنها تؤكِّد ذلك بأسى و تخبرنا بأن الأمر أُعلن ، و أن السبب تدخُّل الأم و
الأب بحياة ابنهما و زوجته ، حتى حدثت حادثة حقيرة لكنَّها كانت بمثابة القشَّة
التي قصمت ظهر البعير ، خصوصًا و الأمر جرح كبرياء الفتاة فتطلَّقت ...
علَّقتُ بغيض على الخبر : هذا ليس رجلًا الذي يدمِّر حياته لأجل لا
شيء !
تردُّ زوجة أخي بأسى : لا داعي لهذا يا أسماء لم يكن هذا نصيبهم ...
أجبت بضيق : أعرف أنه ليس نصيبهم ، و لكن هذا ليس عذرًا ليرميان طفلًا
بينهما للشتات ، لأجل ماذا ؟! لا شيء ...
قبل أن أبحر بالأمر ، على القارئ أن يعلم بأنني لست ناشطة في حقوق
المرأة و لا أحبُّ منطق أحلام مستغانمي و لست أيضًا في صفِّ الرجل ، كلُّ ما في
الأمر أن هذه القضيَّة بدأت تؤرقني ، خصوصًا مع ازدياد الحالات ، و الأدهى و
الأمرّ أن الطلاق لا يحدث من البداية ، و من الساعة التي يعلم فيها كليهما أنه لا
مجال لإعادة أمجاد الحبِّ بينهما أو حتى إشعال فتيل الودِّ ! ، بل يحدث بعد أن
يُصاب الأطفال بحالة نفسية من القلق و يبدؤون بتبنِّي أفكار كبيرة جدًا عليهم ، و
بالطَّبع كلُّ هذا بسبب القيل و القال و فعل و ترك و إلى آخره من الخصامات و
الإنقسامات داخل المنزل و حتى النقاشات العالية و الصراخ المستمر الذي لا يؤدي إلا
لتوتُّر الأطفال و تفاقم المشكلة ، و بعد مرحلة الإنقسامات و الإنفصال الداخلي في
المنزل تبدأ مرحلة الحنق ، فتذهب لمنزل أهلها ، أو يعتزل هو المنزل ، و في هذه
الفترة تبدأ " عملية النبش " ، فتقول : " هو قد سوا و سوا و لا قلت
شي " و يقول هو : " دائمًا تسوي و أسكت له ! " و يبدؤون تبادل
التهم عبر آذان من يفضفضون لهما ! ، و يتكرَّم المستمعون بزيادة بعض الكلمات و
الأحداث المثيرة بقناع الشفقة و المواساة ، و سرعان ما يتم النشر حتى تصل لأذن
الآخر ، و يبدأ الدفاع ! ، و هكذا تستمر الحكاية فترة ليست بقصيرة ، يشعر كل منهما
بالحزن على نفسه و حقوقه الغير موفَّرة ، أحيانًا يصل الأمر للفضفضة للأبناء فيتم
الفصل و يصبح المنزل عبارة عن فريقين بالفعل ، في حالات ما يعودان بقدرة قادر
ملغيان كل المساحة بينهما ، بدون أن يتم حل المشاكل بالطبع ، فقط يتم دفنها بشكل
مؤقت ، كي تتفجَّر بعد فترة و تتكرَّر المأساة من جديد !
و في حالات ما لا يعودان ، بل يتَّخذان الطلاق حلًّا و أُلاحظ أن
حالات الطلاق تكون عندما يكون الأطفال صغار ! ، المشاكل تبدأ و الأطفال غير
موجودون ، و يتم الطلاق بعد أن يولدون !!
يقول الله تعالى : ( و من ءايته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجًا لتسكنوا
إليها و جعل بينكم مودَّة و رحمة )
انظر إلى الحكمة من الزواج ( لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودَّة و رحمة
)
و في آيات الطلاق يقول الله تعالى : ( أمسكوهن بمعروف أو فارقوهن
بمعروف )
و في آية أخرى : ( و لا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا )
في المراجعة آية دقيقة المعنى يقول الله تعالى : ( فلا تعضلوهنَّ أن
ينكحن أزواجهن إذا ترضوا بينهم بالمعروف )
متى يمكن المراجعة ؟
متى تكون المراجعة ممتازة و جيِّدة ؟
: ( إذا ترضوا بينهم بالمعروف )
إذًا التراضي مهم ، و العودة دون تراضي يعتبر هباء ...
دفن المشاكل لا ينفع ، ترك القصص العالقة خلف الستار لا يجدي ، لا
بدَّ يطير الستار و تتفجَّر المشاكل يومًا ما دام لم يتم حلُّها بعد ، تراضوا
بالمعروف ، أوجدوا الحلول ، فتِّشوا عن الحِلق المفقودة ، لا بدَّ من وجود جلسة نقاشية
جادَّة ، بعدها يتم أخذ القرار بالفراق أو المراجعة و صفاء ذات البين ، أما العودة
تحت غيوم سوداء تحجب شمس الحقائق فما هو إلا حلٌّ مؤقت سيفشل مع شعاع أوَّل ذكرى
للمشاكل العالقة ...
يقول الله تعالى : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما
فيما افتدت به )
حدود الله هي الفاصل بالشرع ...
فيتمُّ الآية بقوله : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها و من يتعدَّ حدود
الله فأولئك هم الظلمون )
و كم تعدُّوا ، و كم ظلموا ، سامحهم الله سامحهم ...
إتقوا الله في حدوده ، كفى شتاتًا كفى ، إما فراقًا بمعروف و إما
مراجعة بمعروف و عن تراض ؛ الغيبة و النميمة و كفران العشير و عدم التأكُّد من الظنون
، كلُّ هذا خطير و تعدٍ لحدود الله فاحذروا و لا تتساهلوا ..
هذه مقالة كتبتها قبل فترة عن الآمر :
{
يا معشر المحبين
أحترم الحب ، و أقدِّر جنونه ، و لكنني
أبدًا لا أعترف به عندما يرتبط بالميثاق ، ميثاق على هيئة روح ، وقتها أنسى الحب و
العتاب و كل جنون العشاق ، تصبح مشاعر الغضب و العتاب مقززة جدًا ، خصوصًا إذا
طالت أذيتها ميثاق الحب البريء ..
أستطيع الإعتراف أنني متطرفة جدًا
بالمسألة ، لدي قانون و فيه حالة شاذة واحدة لا غير ( لا تراجع في وجود ميثاق ) و
الشذوذ الوحيد الذي أستطيع تقبله : تراجع نهائي دون أذية للمواثيق .
لا يعود الحب حبًا عندما ينتج روحًا ،
وقتها ينقلب إلى مصطلح إلزامي لا يجب أن يخبو مهما كان الأمر ، و إن خبا فعليه أن
يُفَض مبكرًا دون انتظار لمزيد من الضحايا ؛ و من المؤسف أن الكثيرون لا ينتبهون
لهذا المنحنى الخطر ، فيسرحون و يمرحون في ساحة الحب دون أن ينتبهوا إلى أن روحًا
ما تدخلت في اللعبة و صارت أكثر خطورة ، بل إن بعضهم تحلو معه لعبة الشدّ و الجذب
التي مع كامل الأسف أعتبرها " قذرة " ، نعم بدون أية تصنع للمثالية هي
لعبة قذرة لأنها تؤذي أروحًا لم تقم بدورها لكي تخسر ، لكي تتلوث صفحتها بنقطة
سوداء قاتمة دون أن يكون لها يد في الأمر !
لذلك دومًا ما أقول لجميع المقدمين على
تتويج الحب أن لا يضعوا له المواثيق إن لم يكونوا قادرين على حفظها ، و لا تقل لي
أي حالة خاصة ، إن كان يجب على الحب أن يفشل فعلى طرفيه وحدهما الإنكسار ، و سمِّ
هذا ما شئت أنانية تطرف عقد نفسية أيًّا ما كان ؛ تقليل الضحايا أولوية ، و هنا
ليس فحسب مجرد تقليل و لكنه حصر ، فالضحايا وحدهم هم طرفيّ الحب فقط ، أما بذورهما
التي فشلا في سقياها كما يجب فلا يمكن أن تكون ضمن اللعبة السخيفة هذه التي تتشبث
بمسمى الحب ، لدى هذه البذور الأحقية الكاملة في العيش دون أسى و بتجاربها الخاصة
بعيدًا عن إخفاق ناثريها ...
مسألة الحب تهون جدًا عندما تقف
الأرواح في طريقها ، و إنني أتقبل قرار من اعترف بإخفاقِه أمام استمرار الحب بهدوء
، و بدون أذية للأرواح التي تقف بين طرفي الحب كميثاق لم يستطع الإتيان به و حفظه
كما ينبغي ، فقرر أن يترك الحب في محطة لن يعود لها أبدًا ، بدلًا من أن يعيش وهم
الحب بالشدِّ و الجذب الذي سيخلف آثارًا سوداء في حياة تلك الأرواح الصغيرة ، تلك
الأرواح يجب أن لا تتأذى من هذا الحب ، ستتفهم أن الحب الذي كانت نتاجه مات ، و
لكنها أبدًا لن تستطيع إحتمال أنه يموت و يحيا و يعصف بها عصفًا تحت شعار نضال
الحب الأبله ، و الذي لا يُعترف به في ظل وجود أرواح مسكينة تشهد معارك طاحنة و
تخلِّف في قواميسها مفاهيم مؤذية جدًا ، أكثر مما يتصور طرفيَّ حب حتى ؛ بل إنه في
لعبة الشدِّ و الجذب يتغير المفهوم ليصبح وهم حب فحسب ...
يا معشر المحبين ..
إتقوا الله في مواثيقكم ، حافظوا على سقياها ، فإن نفد مخزون الحب
الذي يتغذون منه فلتتراجعوا دون عودة ، دون أذى ، دون نقاط سوداء ؛ بين أرواحكم
بذور مشرقة أستحلفكم بالله أن لا تهملوها و لا تقتلوها ، انسَوا الجبن عندما يتعلق
الأمر بها ، اتخذوا قرارًا حاسمًا عندما تواجهوا مصيبة عدم مقدرتكم على تغذية حبكم
، كونوا ضحايا كما كنت أرباب هذا الحب ، و لا تؤذوا مواثيقكم فإنها متعلقة على
رقابكم يا أصحابها ... }
إلى
الجميع دون استثناء :
( و
عمِّروا منازلكم بالحبُّ و الرحمة ، و بالبذل و الإحسان يتجدَّدُ الودَّ بينكم ، و
احذروا من العيش على الأنقاض ، فلن تتنفسوا كما تظنون و لن تحيوا كما تعتقدون ،
ربما ستعيشون على هيئة أجساد خاوية لا تمتُّ للحياة بِصلة ، و ستؤذون أرواحًا
كثيرة و ستدفنونهم أحياء ، فاتقوا الله في أنفسكم و فيهم ...
أمَّا
إذا شُنِق الحبَّ باللا وفاء ، و خمد الودُّ بعدم العطاء ، و ماتت الرحمة في
النفوس فلا داعي للنضال ، و لا جدوى من الكفاح ، فهو حينذاك أشبه بالحفر وسط البحر
)
الصورة من رحلة إلى منتجع " العروسة " مع معلِّمات المركز ، هذا خط إحدى الزميلات هناك 💌👆
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق