12 رمضان 1441 هـ
لا زلنا في الحظر
المفروض من الجهات العليا في المنزل ، لذلك يمرُّ اليوم روتينيًا و حتى بطريقة ما
سريع جدًا فلا أكاد اصدِّق أنه اليوم الرمضاني هذا على وشك الإنتهاء بعد ساعتين و
أعني بعد السحور و الصلاة ، على كلٍّ بعد المغرب جلست أشاهد أنا و أختي حلقات
قديمة من سنابات الإعلامي الشهير " عبد الرحمن الصالحي " و تلحق به
عبارة " الدنيا بخير " بشكل يدعو للتفاؤل و شيء من الفضول عن سبب هذه
العبارة التي تلحق اسمه ، و إن قلت الحقُّ فما إن ترى ماذا يصوِّر توقن تمامًا بأن
الدنيا لا زالت بخير مع هذا النقاء الكبير و الحبِّ الصادق الذي لا يموت بالعتب و
لا حتى بالغضب ...
عبد الرحمن الصالحي
إنسان بمعنى الكلمة ، و أكاد لم أعد رجالًا أمثاله يجسِّدون الإنسانية في شخصياتهم
، إنه شخص يريد أن يطمئن العالم أجمع بتصويره لكل تلك المقاطع اللطيفة مع "
فريق لبنة و طين " و حتى في سناباته اليومية العادية هناك دومًا عبرة يقدمها
لنا ، و إن لم يكن هناك هدف حقيقي و هذا نادر الحدوث فإنه يكفينا لسانه اللاهج
بالذِّكر على أبسط الأشياء ، يذكِّرنا بالذِّكر فأغبطه على ذكره فأزيد من ذكري ،
الصالحي مثال للرجل الذي لا يتخلَّى عن مبادئه ، و يتمسَّك بكل عادات منطقته بكل
فخر و اعتزاز ؛ فله تحياتي و تمنياتي له بالخير و كتب الله أجره على ما يقدِّمه
لنا ...
الصالحي يصوِّر
يومياته و سفراته ، و مجموعة من كبار السنِّ في مدينته " بريدة " ، و
المعالم الأثرية في مدينته ، و هو قاصٌّ ماهر للقصص القديمة التي يتداولها التاريخ
أو حدثت في مدينته قديمًا بلهجة قصيمية محببة و لطيفة ، و من مجموعة كبار السن
الذين يصوِّرهم فريق " لبنة و طين " و كل نشاطاتهم و أجواءهم و حتى بعض
زياراتهم اللطيفة جدًا و كل ما يصوِّره عنهم هو تجسيد للبساطة الحقيقية و نقاء القلوب
و حنين كبار السنِّ لأجوائهم القديمة و التي يحاولون بشتى الطرق التمسك بها و
الإبقاء عليها ...
في البداية سأتحدَّث
عن إبراهيم الحمدان و كنيته " أبو صالح " ، و هو رجل لو وصفته فسأقول
عنه " صالح " ، فهو رجل حريص على الخير ، قليل الكلام و كثير الفعال ، و
يشرح قولي هذا نشاطه " إفطار صائم " و الذي ابتدأه هو ببساطة ما يملك فكان
المشرف العام و الطبَّاخ ، ثم ما لبث أن دعموه فاعلي الخير ، فكبُر نشاطه و توسَّع
كثيرًا ، و لكن من المؤسف حقًا أن رمضان هذا لا وجود لمشروعه السنوي هذا بسبب الحظر
المنزلي عندهم _ رفع الله عنا و عنهم البلاء _ و لكن بإذن الله يستأنف مشروعه في
رمضان المقبل على خير ، و بعافيتهم أجمعين ...
هناك أبو عبد الله ،
و اسمه عبدالرحمن و دائمًا يداعبه الصالحي بـ " أبو البنات " و ذلك لأن
ذريته كلها بنات ، و لأجل ذلك فنرى عبدالرحمن كثيرًا ما " يسيِّر " على
أبو عبدالله ليطمئن عليه و يرى حاله و ما يحتاج إليه و هذا من نبل أخلاقه و لا
شكَّ ، على الرغم من أن أبو عبد الله سريع الغضب و حاد الطباع و لكنه سريع الرضا و
في الحقيقة لدى الصالحي طريقته الخاصَّة في إرضائه ، و بصدق فإن أحبُّ الشخصيات
إلي أبو عبد الله فهو نقيٌّ جدًا باختصار : " على نياته " ، و هو "
مدير المخزن في مشروع " إفطار صائم "
و يعني أنه يقوم على مخزن المشروع فلا يؤخذ شيء منه إلا بإذنه ، و قد نشر
له الصالحي يوميات على شكل أجزاء ، و هذه اليوميات هي أيام زيارته له ، و هي ممتعة
بحق و تكشف لنا بساطة باتت شحيحة الظهور و كأنها عيبًا علينا إخفاؤه ، و لكن
الصالحي يصوِّرها بابتسامة فخر دون أن يعدِّلها أو يضيف عليها مواقف كاذبة أو
ملاحظات مزيفة ، بساطة تجعلك تشعر بالسعادة و بالدفء ، فشكرًا الصالحي شكرًا أبو
عبد الله ...
لدينا الثنائي اللطيف
أبو حصيِّن و مبارك " القديم " ، قلت عن مبارك القديم و أبو حصيِّن " ثنائي "
لأنهما صديقان و هذا ما يميِّزهما ، و كما قال مبارك القديم عندما سأله
الصالحي في إحدى الحلقات عن سبب جلوسهم الإثنين في المقدمة من السيارة بينما في
الخلف مساحة تكفي لأحدهما بدلًا من الزحام : " ما نفترق " ! و يعزِّز له
أبو صالح الذي يقود السيارة بابتسامة : " هذولي ما يفترقون " و يضحكون فيدعو لهما بأن لا يفرِّق
بينهم شيء أبدًا و يركب مستسلمًا لقانونهم ؛ مبارك القديم لديه شيلة يحبُّها
كثيرًا و يغنيها دائمًا حتى أن الصالحي صوَّر مقطع خاص لها و هو يغنيها في مزرعته
، فيضع يده على خدِّه و يغمض عينيه و يغني بصوته المتعب بكل سعادة : " يا الله
اليوم " ، بالرغم من أن صوته هزيل إلا أنه منعش و دائمًا عندما يغنيها أتساءل
: " ترى ماذا يتذكر بها ليغرق هكذا ؟ "
هناك أبو محمد و هو
رجل كبير بالسن ، عاقل و دائمًا ناصح و يتحدَّث في العبر المفيدة و الخفيفة على
النفس ، و يقدِّرهُ الصالحي كثيرًا فيعامله بشكل خاص تمامًا كما يفعل مع كل واحد
منهم ...
و هناك أبو ناصر و
هذا الرجل كتلة من البراءة ، و هو " مدير الحصاة " في مشروع "
إفطار صائم " و يعني أنه يضع الحصاة على غطاء القدر الذي يطبخ بها أبو صالح و
يرفعها عند انتهاء الطهي ! ، أبو ناصر يشبه عمَّة والدتي ببراءته البحتة ، إنهم
كالأطفال تمامًا يصدِّقون كلَّ شيء ، و مسالمين جدًا ، غضبهم أضعف من أن يتملَّكهم
، و ميزتهم الأساسية و التي أغبطهم عليها " قلوبهم " إنها أنقى من اللبن
، غضبهم لا يدوم ، لا حقد في قلوبهم ، سرعان ما يرضون ، إنهم يذكِّرونني دومًا
بذاك الرَّجُل الذي قال عنه أنه من أهل الجنة ، فلما بات عنده عبدالله بن عمر بن
العاص ليرى فعله الذي تفوَّق به عليه ، و لم يجد أنه يزيد عن الفرائض صارحه بالأمر
الذي جاء لأجله ، سكت قليلًا ثم قال : " لا أزيد عما رأيت شيئًا ، فلما رآه
متعجبًا قال له: ( غير أنى أبيت كل ليلة و ليس في قلبي غلٌ ولا غشٌ ولا حقدٌ ولا
حسدٌ لأحدٍ من المسلمين )
إن سلامة
الصدر مطلب شرعي هام لا يتوفَّق فيه كثيرٌ من الناس _ مع الأسف _ ، و قد قيل
لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان
نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد
.
لا
يتوفَّق به كثير من الناس لأنهم يظنون بأن حقدهم من حقِّهم ، و أنه قد ينفعهم و في
حقيقة الأمر هو يؤذيهم وحدهم و يشوِّه قلوبهم و يجعلهم مثقلين جدًا ، بعكس الإنسان
النقي السموح كثير العفو و المغفرة و الذي يجد نفسه خفيفًا و صادقًا دائمًا لا
يعاني غلًّا و لا حسد لأن حقيقة هاتين الخصلتين أنهما مرض و ليستا حقٌّ كامل ...
يقول
الرسول عليه الصلاة و السلام : ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا
وكونوا عباد الله إخوانًا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )
و
لكننا أين من هذا النهي !
قال
لنا : ( كونوا إخوانًا ) ، نهانا أن نتحاسد ، أن نتباغض و نتقاطع و لكننا أين أين
!
يقول
: ( ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) ، ثلاث ليال !
هنا
أناس تقاطعوا و تدابروا سنين طوال حتى انقطعت صلاتهم ، أين أنتم من حديث رسول الله
!!
إن
الصالحي و كبار السن الذين يصوِّرهم هم مثال سلامة الصدر و الله ، أحسبهم و الله
حسيبهم ..
يقول
الله تعالى : ( و العافين عن الناس )
( و
اعفوا و اصفحوا )
(
فمن عفا و أصلح فأجره على الله )
( و
إن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن الله غفو رحيم )
إجعل
لنفسك فرصة في نزع البغض من صدرك ، تخلى عن حقدك الطويل الذي لم ينفعك ، انسى
القطيعة و سلِّم عليهم ، ارفع أمرهم إلى الله و لا تدابرهم ، كُن أنت العافِ الأول
و لا تدعهم يسبقونك ، نظِّف قلبك من هذا الكره العميق ، تناسى ما حدث و لا تملأ
قلبك غلًّا عليهم فتخسر فوق خسارتك ، إن استلزم الأمر اكتفي بسلامك و طيِّب قولك
ثم ابتعد ، لكني إياك و المقاطعة ، و احذر من أن يكن قلبك مسرحًا للشيطان و كتلة
من الأحقاد و العلاقات الفاشلة المتوقفة عند أمر أو اثنين ، اصلح نفسك يصلحون ..
صدِّقني
، بداية الإصلاح تكون من كل شخص إلى نفسه وقتها سيكون كل شيء بخير بإذن الله ..
أوَّجه كلمة للصالحي و لكل فريق لبنة و
طين و أقول :
( جزاكم الله خيرًا ، لقد أعطيتمونا لوحة في البساطة و مثالًا حقيقيًا لسلامة الصدر ، و حفظكم المولى )
( جزاكم الله خيرًا ، لقد أعطيتمونا لوحة في البساطة و مثالًا حقيقيًا لسلامة الصدر ، و حفظكم المولى )
إلى كل من شُغِل بالغلِّ و الحقد ، كل
من أوهنته الخصامات ، إلى كل من أراد أن يكون خير الناس :
( تناسى الخصام و سلِّم
و اترك الغلَّ خلف ظهرك
كن سليم الصدر خير الناس )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق