6‏/5‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

سلامة الصدر ، و الإعلامي عبدالرحمن الصالحي مع فريق لبنة و طين


12 رمضان 1441 هـ





لا زلنا في الحظر المفروض من الجهات العليا في المنزل ، لذلك يمرُّ اليوم روتينيًا و حتى بطريقة ما سريع جدًا فلا أكاد اصدِّق أنه اليوم الرمضاني هذا على وشك الإنتهاء بعد ساعتين و أعني بعد السحور و الصلاة ، على كلٍّ بعد المغرب جلست أشاهد أنا و أختي حلقات قديمة من سنابات الإعلامي الشهير " عبد الرحمن الصالحي " و تلحق به عبارة " الدنيا بخير " بشكل يدعو للتفاؤل و شيء من الفضول عن سبب هذه العبارة التي تلحق اسمه ، و إن قلت الحقُّ فما إن ترى ماذا يصوِّر توقن تمامًا بأن الدنيا لا زالت بخير مع هذا النقاء الكبير و الحبِّ الصادق الذي لا يموت بالعتب و لا حتى بالغضب ...



عبد الرحمن الصالحي إنسان بمعنى الكلمة ، و أكاد لم أعد رجالًا أمثاله يجسِّدون الإنسانية في شخصياتهم ، إنه شخص يريد أن يطمئن العالم أجمع بتصويره لكل تلك المقاطع اللطيفة مع " فريق لبنة و طين " و حتى في سناباته اليومية العادية هناك دومًا عبرة يقدمها لنا ، و إن لم يكن هناك هدف حقيقي و هذا نادر الحدوث فإنه يكفينا لسانه اللاهج بالذِّكر على أبسط الأشياء ، يذكِّرنا بالذِّكر فأغبطه على ذكره فأزيد من ذكري ، الصالحي مثال للرجل الذي لا يتخلَّى عن مبادئه ، و يتمسَّك بكل عادات منطقته بكل فخر و اعتزاز ؛ فله تحياتي و تمنياتي له بالخير و كتب الله أجره على ما يقدِّمه لنا ...



الصالحي يصوِّر يومياته و سفراته ، و مجموعة من كبار السنِّ في مدينته " بريدة " ، و المعالم الأثرية في مدينته ، و هو قاصٌّ ماهر للقصص القديمة التي يتداولها التاريخ أو حدثت في مدينته قديمًا بلهجة قصيمية محببة و لطيفة ، و من مجموعة كبار السن الذين يصوِّرهم فريق " لبنة و طين " و كل نشاطاتهم و أجواءهم و حتى بعض زياراتهم اللطيفة جدًا و كل ما يصوِّره عنهم هو تجسيد للبساطة الحقيقية و نقاء القلوب و حنين كبار السنِّ لأجوائهم القديمة و التي يحاولون بشتى الطرق التمسك بها و الإبقاء عليها ...


في البداية سأتحدَّث عن إبراهيم الحمدان و كنيته " أبو صالح " ، و هو رجل لو وصفته فسأقول عنه " صالح " ، فهو رجل حريص على الخير ، قليل الكلام و كثير الفعال ، و يشرح قولي هذا نشاطه " إفطار صائم " و الذي ابتدأه هو ببساطة ما يملك فكان المشرف العام و الطبَّاخ ، ثم ما لبث أن دعموه فاعلي الخير ، فكبُر نشاطه و توسَّع كثيرًا ، و لكن من المؤسف حقًا أن رمضان هذا لا وجود لمشروعه السنوي هذا بسبب الحظر المنزلي عندهم _ رفع الله عنا و عنهم البلاء _ و لكن بإذن الله يستأنف مشروعه في رمضان المقبل على خير ، و بعافيتهم أجمعين ...



هناك أبو عبد الله ، و اسمه عبدالرحمن و دائمًا يداعبه الصالحي بـ " أبو البنات " و ذلك لأن ذريته كلها بنات ، و لأجل ذلك فنرى عبدالرحمن كثيرًا ما " يسيِّر " على أبو عبدالله ليطمئن عليه و يرى حاله و ما يحتاج إليه و هذا من نبل أخلاقه و لا شكَّ ، على الرغم من أن أبو عبد الله سريع الغضب و حاد الطباع و لكنه سريع الرضا و في الحقيقة لدى الصالحي طريقته الخاصَّة في إرضائه ، و بصدق فإن أحبُّ الشخصيات إلي أبو عبد الله فهو نقيٌّ جدًا باختصار : " على نياته " ، و هو " مدير المخزن في مشروع " إفطار صائم "  و يعني أنه يقوم على مخزن المشروع فلا يؤخذ شيء منه إلا بإذنه ، و قد نشر له الصالحي يوميات على شكل أجزاء ، و هذه اليوميات هي أيام زيارته له ، و هي ممتعة بحق و تكشف لنا بساطة باتت شحيحة الظهور و كأنها عيبًا علينا إخفاؤه ، و لكن الصالحي يصوِّرها بابتسامة فخر دون أن يعدِّلها أو يضيف عليها مواقف كاذبة أو ملاحظات مزيفة ، بساطة تجعلك تشعر بالسعادة و بالدفء ، فشكرًا الصالحي شكرًا أبو عبد الله ...




لدينا الثنائي اللطيف أبو حصيِّن و مبارك " القديم "  ، قلت عن مبارك القديم و أبو حصيِّن " ثنائي " لأنهما صديقان و هذا ما يميِّزهما ، و كما قال مبارك القديم عندما سأله الصالحي في إحدى الحلقات عن سبب جلوسهم الإثنين في المقدمة من السيارة بينما في الخلف مساحة تكفي لأحدهما بدلًا من الزحام : " ما نفترق " ! و يعزِّز له أبو صالح الذي يقود السيارة بابتسامة : " هذولي ما يفترقون  " و يضحكون فيدعو لهما بأن لا يفرِّق بينهم شيء أبدًا و يركب مستسلمًا لقانونهم ؛ مبارك القديم لديه شيلة يحبُّها كثيرًا و يغنيها دائمًا حتى أن الصالحي صوَّر مقطع خاص لها و هو يغنيها في مزرعته ، فيضع يده على خدِّه و يغمض عينيه و يغني بصوته المتعب بكل سعادة : " يا الله اليوم " ، بالرغم من أن صوته هزيل إلا أنه منعش و دائمًا عندما يغنيها أتساءل : " ترى ماذا يتذكر بها ليغرق هكذا ؟ "




هناك أبو محمد و هو رجل كبير بالسن ، عاقل و دائمًا ناصح و يتحدَّث في العبر المفيدة و الخفيفة على النفس ، و يقدِّرهُ الصالحي كثيرًا فيعامله بشكل خاص تمامًا كما يفعل مع كل واحد منهم ...




و هناك أبو ناصر و هذا الرجل كتلة من البراءة ، و هو " مدير الحصاة " في مشروع " إفطار صائم " و يعني أنه يضع الحصاة على غطاء القدر الذي يطبخ بها أبو صالح و يرفعها عند انتهاء الطهي ! ، أبو ناصر يشبه عمَّة والدتي ببراءته البحتة ، إنهم كالأطفال تمامًا يصدِّقون كلَّ شيء ، و مسالمين جدًا ، غضبهم أضعف من أن يتملَّكهم ، و ميزتهم الأساسية و التي أغبطهم عليها " قلوبهم " إنها أنقى من اللبن ، غضبهم لا يدوم ، لا حقد في قلوبهم ، سرعان ما يرضون ، إنهم يذكِّرونني دومًا بذاك الرَّجُل الذي قال عنه أنه من أهل الجنة ، فلما بات عنده عبدالله بن عمر بن العاص ليرى فعله الذي تفوَّق به عليه ، و لم يجد أنه يزيد عن الفرائض صارحه بالأمر الذي جاء لأجله ، سكت قليلًا ثم قال : " لا أزيد عما رأيت شيئًا ،  فلما رآه متعجبًا قال له: ( غير أنى أبيت كل ليلة و ليس في قلبي غلٌ ولا غشٌ ولا حقدٌ ولا حسدٌ لأحدٍ من المسلمين )




إن سلامة الصدر مطلب شرعي هام لا يتوفَّق فيه كثيرٌ من الناس _ مع الأسف _ ، و قد قيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد .



لا يتوفَّق به كثير من الناس لأنهم يظنون بأن حقدهم من حقِّهم ، و أنه قد ينفعهم و في حقيقة الأمر هو يؤذيهم وحدهم و يشوِّه قلوبهم و يجعلهم مثقلين جدًا ، بعكس الإنسان النقي السموح كثير العفو و المغفرة و الذي يجد نفسه خفيفًا و صادقًا دائمًا لا يعاني غلًّا و لا حسد لأن حقيقة هاتين الخصلتين أنهما مرض و ليستا حقٌّ كامل ...

يقول الرسول عليه الصلاة و السلام : ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانًا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )

و لكننا أين من هذا النهي !


قال لنا : ( كونوا إخوانًا ) ، نهانا أن نتحاسد ، أن نتباغض و نتقاطع و لكننا أين أين !

يقول : ( ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) ، ثلاث ليال !

هنا أناس تقاطعوا و تدابروا سنين طوال حتى انقطعت صلاتهم ، أين أنتم من حديث رسول الله !!



إن الصالحي و كبار السن الذين يصوِّرهم هم مثال سلامة الصدر و الله ، أحسبهم و الله حسيبهم ..

يقول الله تعالى : ( و العافين عن الناس )

( و اعفوا و اصفحوا )

( فمن عفا و أصلح فأجره على الله )

( و إن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن الله غفو رحيم )



إجعل لنفسك فرصة في نزع البغض من صدرك ، تخلى عن حقدك الطويل الذي لم ينفعك ، انسى القطيعة و سلِّم عليهم ، ارفع أمرهم إلى الله و لا تدابرهم ، كُن أنت العافِ الأول و لا تدعهم يسبقونك ، نظِّف قلبك من هذا الكره العميق ، تناسى ما حدث و لا تملأ قلبك غلًّا عليهم فتخسر فوق خسارتك ، إن استلزم الأمر اكتفي بسلامك و طيِّب قولك ثم ابتعد ، لكني إياك و المقاطعة ، و احذر من أن يكن قلبك مسرحًا للشيطان و كتلة من الأحقاد و العلاقات الفاشلة المتوقفة عند أمر أو اثنين ، اصلح نفسك يصلحون ..

صدِّقني ، بداية الإصلاح تكون من كل شخص إلى نفسه وقتها سيكون كل شيء بخير بإذن الله ..





أوَّجه كلمة للصالحي و لكل فريق لبنة و طين و أقول :
( جزاكم الله خيرًا ، لقد أعطيتمونا لوحة في البساطة و مثالًا حقيقيًا لسلامة الصدر ، و حفظكم المولى )



إلى كل من شُغِل بالغلِّ و الحقد ، كل من أوهنته الخصامات ، إلى كل من أراد أن يكون خير الناس :

( تناسى الخصام و سلِّم

و اترك الغلَّ خلف ظهرك

كن سليم الصدر خير الناس )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv