31‏/5‏/2020

# دوامة الآس # يوميـات

سهرة غير مخطَّط لها تنبش تغيُّرًا لم يُلحظ


قبل 2015 _ أتمنى أن أسافر دون توقُّف ، عندي شغف بالتنقُّل الذي لم يكن متاحٌ وقتها .


في النصف الثاني من عام 2015 ، و تحديدًا في اليوم الذي وصلنا فيه إلى منزلنا بعد النزوح _ لا أريد الذهاب إلى أيِّ مكان ، و لا البيات بغير منزلنا مهما كانت حالته مزرية بعد الحرب . 


و في عام 2018 _ أدركت أن منزلنا بشكل مفاجئ يقبل غيابنا ، و أن الأمر متعلِّق فقط في عدن و أجواء عدن .

و بالأمس فحسب : تأكَّدت من أن الحبَّ يكمن في رائحة الميناء التي تعبِّق منزلنا ، و أن الهواء الذي أتنفَّسه و الذي يحمل رائحة البحر دائمًا هو الإدمان الذي لا أستطيع التوقُّف عنه ، و أن المعلَّا قلب عدن هي التي تنبض بالحياة فيَّ .



بعد نشري لتدوينة الأمس تلك أعلنت بطارية الجهاز الإستسلام ، و فجأة وجدتني و أختي غارقين في الحديث ، عن منزلنا ، عن العيش بعدن ، عن ذكريات بناء منزلنا الذي لم أشهده ، فقد بُنيَ قبل ولادتي ، تحدَّثنا كثيرًا حتى سمعنا أذان الفجر ، تخبرني أختي بأنَّه يكفيها من الحياة بقعة أرض متر في متر في أي صحراء بعيدة عن هذا الصخب المتواصل .!

و هي تقول هذا تكون كمن يمزح ، و في الحقيقة هناك كثير من الصدق الذي يتخلَّل الأمنية الغريبة هذه ، و تضيف بضحكة : في الدور السفلي سأعيش أنا ، و الدور الثاني سأجعل نور ابنة سالم تعيش معي فيه !

ضحكت على كلامها ، وقد فكَّرت بأنَّه ليس لي القدرة على العيش بمثل الأجواء التي وصفتها ، إنني شخصية حارَّة تحبُّ الضجة وسط الهدوء ، و لا أطيق الهدوء وسط الهدوء ، لا أستطيع التناغم بهدوء مع حركة الهدوء ، يمكنني أن أكون هادئة في الضجَّة بل أحبُّ أن أفعل هذا ، و أن أضجُّ بالحياة في الهدوء الممل ، و سرعان ما تصوَّرت بيتًا خشبيًا متوسط الحجم هواؤه بحري ، رائحته شاطئية دافئة ، هادئ و متصالح مع ضجَّة ميناء المعلا الذي هو بجانبه ، بل مدمنها و لولاها لما كان جميلًا و زاهيًا كما يكون ..



إنني أفقد حماستي للسفر و التنقُّل بين البلدان ، أفقد شغفي بزيارة تلك المدن التي لطالما حلمتُ بزيارتها ، و لا أريد أن أعود لذلك الرفض القاطع لمغادرة عدن نهائيًا ، لا أريد لأيٍّ من العقد الفقدية أن تعيش بداخلي ، مهما كان و مهما حدث ، أحتاج أن أعتدل باختياراتي و أن أقدِّر انقسامات الأشياء و أتماشى معها ، تعبتُ من تواجد الحواجز أمام امنياتي بفعل الأحداث التي قد تبدو لي سيئة ، و بتأثيرها تقف تلك العوائق مانعة كثيرًا من أحلام الماضي من التحقُّق ، لكنني لن أستسلم لتواجدها و أعود للخلف بكل انكسار و خيبة و ضعف ، يجب أن أتخطَّاها ، على الأقل أحفِّز نفسي على تخطيها ، و هذا ما أفعله حاليًا ، أعيد حماستي بقراءة تراث تلك المدن ، زيارة المملكة تحديدًا مكَّة و المدينة و بريدة و عنيزة و الرياض التي تضارب في وصف أجوائها الكثير ، أن أزور مصر القاهرة تحديدًا ، شرم الشيخ ، و نهر النيل ، و الإمارات تحديدًا أبو ظبي و دبي و العين ، و ان ألقي نظرة على الكويت الصغيرة ، و أن أسير في شوارع العراق اثناء إقامة معارض الكتب التي يتركها أصحابها ليلًا قائلين : " إن القارئ لا يسرق و السارق لا يقرأ "
و مدن كثيرة تشعل شغفي بها الكتب التي تذكرها و تصف أجواءها ، أصحابها أو حتى نجوم مشهورة منها تجعلني أتوق لزيارة مدنهم التي يقومون بتصويرها و حكاية قصصها و تراثها ، حتى المدينة التي أنتمي لها أتمنى زيارتها ، أتمنى إتقان لهجتها و معرفة تقاليدها و عاداتها ، و أجوائها عن قرب ، عن أصحابها و خصالهم ، عن الأقارب الذين لا أعرفهم و يشتركون معي في اللقب و الإنتماء ، أحاول أن أحرق توقي لمعرفة أصلي هناك و تجديد انتمائي لتلك الأماكن ، أحاول أحاول كي لا أفقد قائمة أحلامي فقط ؛ ذلك لأنني اكتشفت أنني لست بتلك الحياة لأنشئ قائمة أحلام جديدة ستكون مبتذلة و منمَّقة كثيرًا ، و لست أحبُّ أن تكون كذلك أبدًا ، لذلك كان يجب علي أن أقوم بتنفُّس اصطناعي لها ، بتعديل بعضها إن أدركت أنها ليست قدري ، أن أفنِّدُها و أفصِّل فيها كي أعرف ما قد تلف و ما يمكن إنقاذه و ما هو لا زال بخير و لكنني أغفل عنه و أدرجه في قائمة المستحيل ، و في هذا الوضع الذي أنا فيه أبدو كمن فقد كل أحبَّته أمام عينيه ، ثم اكتشف انه قادر ( كثيرًا ) على العيش رغم فقدهم ، و لم يدرِ كيف سيكون جديرًا بالحياة ، فعاد ينبش دفاتره القديمة و ملفَّاته المهترئة في محاولة للبحث عن الشيء الذي سيكون به جديرًا بالحياة .


بالأمس و قبل السهرة الغير مخطَّط لها ، تريني أختي فيديو حبست منه الدموع الآسفة لعدم حضور تلك الفرحة العظيمة ، و واسيت روحي التي كادت أن تتكشَّف بلا حدِّ بأنه قدري أن لا أكون بعد في عدن أشارك في الزغاريد و في سجود شكر جماعي مبتهل و مكلَّل بدموع فرح صادقة ، لربما لم أكن أستطيع الصمود أمام تلك الفرحة ، لربما كنتُ سأقسم على العيش للأبد هنا و بالتالي أقوم بوأد كل الأحلام القديمة ، فإذا كان كل ذاك التأثر بسبب فيديو موثِّق للفرحة  ، كيف سأكون بحضورها !













 ... 



برغم كلِّ الحرِّ و الرطوبة هذه ، أعود لاستئناف مفرش الكروشية خاصتي ؛ راضية عن ذاتي كثيرًا 🌵





الحال اليوم ، حمام سريع كل ساعة طلبًا لشيء من البرد ، شاي كثير ، إنجازات صغيرة أراها مذهلة !🌝



هناك تعليقان (2):

  1. سلمت يداك على مفرش الكروشية ، جميل ماشاء الله تبارك الله 😍 نتشارك في هواية الكروشية إلا أني مبتدئة جدا وأفكر حاليا ً بالتطريز لشدة ما تعجبني انجازات الناس وقنواتهم باليوتيوب عنه

    ردحذف
    الردود
    1. سلَّمك المولى يا حبيبة ، الكروشية سهلة جدًا إلى جانب أن نتائجها سريعة ، أمَّا بالنسبة للتطريز فكما قلتِ تمامًا الإنجازات بها مذهلة و نتائجها رائعة جدًا ، و لكنني لم أستطع التناغم معها و لا أدري ما السبب 😅
      سأنتظر رؤية تجربتك فيه 🙂
      سُعِدتُ بتواجدك يا جميلة ، كلُّ الود 💙

      حذف

Follow Us @techandinv