27‏/5‏/2020

# دوامة الآس # يوميـات

الفاجعة التي لم تعد تُفجِع!


في الساعة الخامسة صباحًا ، كنت أبتسم !

كنتُ نائمة ، و فجأة صحوت و ما إن ركَّزتُ على الفوضى التي أيقظتني ابتسمت بعينين كسولتين و وجه مغمور بالنعاس ، رأيت أشباح قديمة كنتُ أعرفها ، لا تفتأ تظهر في مثل هذه الأوقات الحافلة ، كانت تزمجر و وجوهها مكتسية رداء الألم و شيء من فاجعة كنتُ قد تخطَّيتها ، لكنَّها لم تستطع أن تتخطَّاها .

لم أرد أن أجرحها بابتسامتي ، لكنني لم أستطع إلا أن أفعل ، و كلَّما أردت أن أُهدِّئ عضلات الإبتسامة تزداد اتِّساعًا ، في وجهي ملامح التهكُّم ، في كفي نبتت عبارات ساخرة لم أكتبها بعد ، و فيما بين عقلي و قلبي نقاش حاد ، الأوَّل يشجِّع تلك الإبتسامة و يعيد عرض ذكريات الفاجعة نفسها ، و يضيف بتهكُّم زوم للنهاية الساذجة كل مرَّة ، و الأخير يرفض الجرح ، و يصرُّ على أن الوجود يحتاج مثل هذا الحماس ، و أن الفاجعة هذه يجب أن تنال مستحقَّها من الخوف و الحزن ، و صوت الحواس صَمَت ، بعد أن همس بكسل : لنعد للنوم ..

و سرعان ما أطاعت عيناي فأُغلِقت ، و أُذناي فصُمَّت ، و كفاي فذبلت ، و سكن كل أعضاء الجسد ، عاد النوم يشلُّ جسدي المسجَّى ببرودة قارسة ، و بقي بداخلي دفءٌ ساخر من فوضى الجمجمة و النبض التي لم تسكت ...

في الساعة التاسعة صباحًا ، قامت عصافير مجهولة تمارس نوحٌ حماميٌ متقن ، رفرف هواء مشاغب فوق خدي فدغدغني ، و فتحت عدستيَّ فاتَّضح أن تلك العصافير هي النقاش الذي لم يسكت حتى بعد نومي !

وجوهٌ شاحبة ، أعين متورِّمة تحدِّق بأشياء لا تمت للفاجعة بِصلة ، و عادت نفس الإبتسامة لشفتيَّ ، بخجل أخفيتها بذراعي ، لا أريد أن أؤذي أحدًا ، و لكن الموقف يستدعي هذه الإبتسامة حقًّا ...

أن تعرف نهاية الفاجعة لهو سلاح ذو حدَّين ، حدُّ التهكُّم على المتفاعل معها ، و حدُّ اللاشعور بشراراتها ، و لهذا لا يعرف نهاية الفواجع كثير ، و لكنني كنتُ أعرف ، كنتُ أبتسم و كأنني أشاهد فيلمًا على محطَّة انتظار ، لا أعيره اهتمامًا لأنه في كل مرَّة يتوجَّب علي مشاهدته نفسه ، أبتسم عندما يبكي ممثليه لأنني أعرف أنهم سيضحكون في النهاية ، أبكي عندما يضحكون ، لأنني أعرف أنهم سيبكون في المرة التالية ؛ و فيما بين كل هذه الفوضى أمضي على دربِ الجنون ، في خطِّ سير قطار مهجور ، من خيال الحبِّ المهدوم ، و أسير دون شعور ..

إلى أين ؟
لا يكفي ، أحتاج طريقًا لا ينتهي ، أبغي سبيلًا غير مسدود ، و أرمي كلَّ تلك الأحلام الفقيرة ، و أبكيها دون صوت ، دون دمع ، و أخنق قوى اللوم في حنجرتي ، و أعبر فاصلة مهملة ، و أغادر دون رجوع و لا ركوع .


في الساعة الحادية عشرة مساءً أرسم ذكرى الفاجعة المزعوم ، الفاجعة التي لم تعد تُفجِع ، في ثوب مستور ، لونه أحمق كالأحمر الصارخ أو الوردي اللمَّاع ، لا زال اسمها فاجعة و إن لم تعد تفجع ، لهذا سترتها و جمَّلتها و نمَّقتُها و كأنها سجن على شكل قصر باذخ ، و في حقيقتها سحاب قاحل ، و زهر سام ، و لون صبح مستعار ، و زجاجة فاخرة فارغة ، و ساعة يد متوقِّفة ، و ظلم و ظلام كليل مستدام ، و كغسق سرمد على الأيام ..

لا بدَّ ينفكُّ الحصار .












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv