29 رمضان 1441 هـ
بدأتُ اليوم بمراقبة الشروق ، شروق شمس يوم الجمعة التاسع و العشرون من
رمضان سنة واحد و أربعون و أربعمائة و ألف ، النور يتسلل ببطء و حركة الطيور مرتبكة
ككل جمعة ، فلا تطمئن حتى تطلع الشمس من المشرق فتهدأ حركتها ، شمس صفراء زاهية ،
البحر يتلألأ تحتها ، أسراب حمام ذاهبة و مهاجرة ، خفافيش مرعوبة من لون الصباح ،
نورس محلِّق نحو الشاطئ و قد بدأت رحلته في طلب رزقه كما علَّمه الله ، غبار بعيد
يشوِّش الرؤية فيما بعد الطريق البحري ، و سكون تام سوى من زقزقة عصافير ، و نعيق
غراب ذاهب آيب هنا و هناك بعشوائية ، منظر السماء ملهم ، جبل حديد الذي يقف شامخًا
تعبره سحب ذهبية فتزيد من منظره جمالًا ، منظر بديعي جمالي مذهل ذكَّرني بأن خالق
كل هذا الجمال هو الجميل سبحانه و تعالى ...
قال عليه الصلاة و السلام : ( إن الله جميل يحبُّ الجمال )
كما نعرفه بمخلوقاته ، فإننا نعرف أنه جميل و يحبُّ الجمال ، و صنعته لا
تشبهها صنعة ، و مخلوقاته جميلة كما يحبُّ ، فجماله لا يماثله جمال ، و نعبده
بالجمال الذي يحبُّه من الأقوال و الأفعال و الأخلاق كما شرع لنا ، فنتعبَّده
بإظهار نعمه في لباسنا و طعامنا و شرابنا ، كما في السنن : ( إن الله يحب أن يرى
أثر نعمته على عبده )
و قال أبي الأحوص الجشمي عن أبيه قال : ( كنت جالسًا عند رسول الله صلى
الله عليه و سلم ، فرآني رثَّ الثياب ، فقال : ألك مال ؟ قلت : نعم يا رسول الله ؛
من كلِّ المال ، قال : فإذا آتاك الله مالًا فليرَ أثره عليك )
و قال لله تعالى : ( يبني ءادم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءتكم و
ريشًا و لباس التقوى ذلك خير )
فالله جميل يحبُّ الجمال ، و أثر النعمة عليك يعدُّ شكرًا ظاهرًا لنعمته ، و
الشكر جمال باطن ، فأنزل علينا اللباس و علَّمنا كيف نتجمَّل و كيف نتقرَّب إليه
بالأفعال الجميلة من صدق و حبٍّ و أمانة ، و بأعمال القلوب الجميلة من إنابة و
توكُّل و شكر و إخلاص ، و بالتطهر من الأنجاس و و الأوساخ و علَّمنا سننًا للفطرة
مطهِّرة لنا و تجمِّلنا ، و نرى أثر من لا يقوم بها كيف تكون حاله ...
و لا تنافي بين التجمُّل و التواضع ، قال الرسول صلى الله عليه و سلَّم : (
لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قال رجل : إن الرجل يحبُّ أن
يكون ثوبه حسنًا و نعله حسنًا ، قال : إن الله جميل يحبُّ الجمال ، الكبر بطر
الحقِّ و غمط الناس )
و بطر الحق تعني دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا .
و غمط الناس تعني استحقارهم وتعييبهم .
و لا تنافي أيضًا بين الستر للمرأة و تجمُّلها ، فتدني عليها من جلبابها
دون أن تتبخَّر أو تتعطر أو تبدي زينتها عن قصد ، فتخرج نظيفة مرتَّبة دون أن تضيف
العطر و لا البخور و لا شيء من زينتها المكتسبة ، فتُصان لأهلها كجوهرة لا يمسُّها
إلا محدودون معدودون ، كشيء بعيد لا يصله أي عابر سفيه ...
و بما تعبَّدت به عائشة رضي الله عنها أنها كانت تعطِّر دراهم و دنانير الصدقة ، فعَن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: ( إنَّ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل )
و الله جميل بذاته و صفاته و أفعاله و أسمائه ، و ما نعلمه من جمال ذاته هو
ما أراد منا أن نعلمه ، كما قال : ( و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) ، ، و إلا
فجماله مصون عن الأغيار محجوب بستر الرداء و الإزار كما قال رسوله فيما يحكي عنه :
( الكبرياء ردائي و العظمة إزاري ... )
فما ظنُّك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، و ستر بنعوت الجلال
و العظمة .!
و هو نور السماوات و الأرض ، جميل لا يشبهه جميل ، كامل
لا يماثله كامل ، و عن النبي صلى الله عليه و سلَّم قال : ( إذا دخل أهل الجنة
الجنة يقول الله تبارك و تعالى : تريدون شيئًا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تُبيِّض
وجوهنا ، ألم تدخلنا الجنة و تنجنا من النار ، قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا
أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل )
اللهم إنا نسألك لذَّة النظر إلى وجهك الكريم ، و الشوق
إلى لقائك ، في غير ضرَّاء مضرَّة ، و لا فتنة مضلَّة ، يا كامل الجمال ، يا نور
السماوات و الأرض ، إنَّك أنت الطيِّب القدوس ، يا ذا الجلال و الإكرام .
فإلى كل مخلوق
جمَّله الجميل :
( و سبِّح عن كل جمال تشاهده ، و سارع لطلب رؤية وجه الكريم الجميل بكلِّ ما أوتيت من شوق ؛ فمن أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه .
هنيئًا هنيئًا
لمن أحب لقاء الله فأحبَّ الملك الإله الجميل لقاءه .. )
صورة سريعة للشروق
الله الجميل ...
اشتريت الكوب اليوم و قد وقع حبُّه في قلبي من النظرة الأولى ❤️️😅
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق