7 رمضان 1441 هـ
في هذا اليوم لم نذهب
للمسجد لصلاة التراويح ، و ذلك بسبب قرار الحظر الذي فُرِض بالأمس ، و بما أن خبر
كورونا لا زال متذبذب و الأرجح أنه كاذب فإن الشارع حيٌّ كالعادة و المساجد مفتوحة
، إلا أنه و استجابة لوليِّ أمرنا و تتبعًا لإجراءاته فضَّلنا البقاء في المنزل ، و
و الله لولا أن قيادتنا أمرت بالبقاء لكنت ذهبت المسجد و صلَّيت مطمئنة ، ذلك لأن
إعلان الشرعية لظهور حالات كورونا عندنا وراءه مقاصد سياسية بحتة _ تقريبًا _ كلنا
نعرف بها ، و كما صرَّح مسؤوليها بكل صراحة بتغريدات أشبه بالنعيق من التغريد أن
إذا كان المجلس الإنتقالي حريصًا على الشعب فليسلم لهم الإدارة الذاتية من جديد
لتتعامل مع المرض ، و هذا و الله من أكذب الوعود التي تصرف ، فقد جرَّبنا الكوليرا
و المكرفس و حمى الضنك و الملاريا و الصفار و كثير من الأمراض التي لم يتعامل معها
أي جهة مسؤولة بجدية ، و هي أقوى بكثير من كورونا ، بل يعتبر كورونا بجانبها الجرو
الوديع ، فأي وجه تتقدم به شرعية الفساد هذه و تعد بالتعامل مع كورونا !
حسنًا إنها سلسلة
تأملات و ليست قضايا سياسية إلا أن الأمر مستفز جدًا ، و لذلك سأتوقف عند هذه
النقطة من السياسة و ربما أقوم بعمل تدوينات لكي أتحدث بأريحية عن هذه الأمور ،
على كلٍ وصلنا اليوم خبر محزن جدًا ، وفاة المشرفة : بهجة في معهد 14 أكتوبر _
رحمها الله _ ، و لم نعرف بأي شيء ماتت و لكنني أعرف أنها تعاني من عدم انتظام
ضغطها و تقريبًا هي في عقدها السادس ، و أعتقد أن الصيام يؤثر على مرضى الضغط و
على كلٍ فالله يرحمها و يغفر لها ، كل ما يمكنني قوله : " أن أجلها قد حان
" .
قالت أختي و هي
تحدِّث صديقتها اليوم عن كورونا عبارة تستحق التأمل ، و قد أثَّرت بي كثيرًا :
" يختي الله يجيرنا من كورونا بس الحمدلله كل اللي ماتوا هذا أجلهم ، أما من
ناحية قوة المرض حمى الضنك و المكرفس و الكوليرا أقوى "
نعم هذه هي الحقيقة ،
و هي أن كل من مات بهذه الجائحة ، و كل من مات بأمراض أخرى أو حتى بغير أمراض فهذا
أجله الذي كُتِب له من قبل أن يولد ، فلا داعي للغضب من أي شيء و لا محاولة إلقاء
اللوم على أي أحد ، هذا الأجل الذي هو مكتوب عليهم و انتهى .
و أردفت قائلة بشيء من
السخرية : " دا المرض نسميهه عندنا جازعة ، هيا شوفيلك الأجانب أجتلهم جازعة
قاموا سووا دي الفوضى كله "
هذه الجملة ربما ليست
صادقة تمامًا ، و لكنها تحتوي على جزء من الحقيقة ، فلو أن هذا المرض ظهر عندنا _
و نعوذ بالله منه _ فما كنا لنسميه غير " جازعة " و تعني " مرض
موسمي ، و يصيب غالب الناس هنا ، و يتم تداول أعراضه و يسير الأمر بشكل اعتيادي جدًا
، و يحدث أحيانُا أن يموت أشخاص بهذه " الجازعة " و لكننا نقول كما يقول
الأشخاص البسطاء : " الله يرحمه ، هذا أجله " و كما تقول جدتي _ حفظها الله _ : " كِمِل يومه " ؛ نحن لسنا قساة القلوب ، و
لا متحجرين مشاعر ، بل نحن قوم آمنا بالموت الذي لا بد يأخذنا يومًا ما ، و لم
نحاول يومًا البحث الدقيق بشأن " الجازعة " المنتشرة ، إننا نخاف من
الموت كأي بشر و لكننا لا نهاب الحياة ، و لم نتوقف يومًا عن مواجهة المخاطر ،
إنني لا أتفاخر بشعب مزَّقت الظروف ورقة أحلامه ، و لا بشعب نهشت الأحداث صورة
الحياة الوردية منه ، بل إنني أقف على هذه الحقيقة التي لم يصل لها الكثيرون ،
أدعو الآخرين أن يتَّخِذوا قانون " عش حياتك بكل ما تملك دون قلق "
أدعوهم ليصلوا لهذا الإدراك الصائب ، بعد أن أوصلنا تلاطم أمواج العاصفة إليه ،
فنحن قوم يعيشون على ما يملكون ، و راضون بكل الظروف إلا أن يسرق وطننا منا أحد ،
قوَّتنا بالله ثم بهذه الأرض البرتقالية ، نستمدُّ ثباتنا من شمسها ، و نتعلَّم من
خليجها كيف ننسجم مع حركة الموج ، فإذا ما حاول أحدهم اغتصاب وطننا قمنا متوكِّلين على
ربٌ يحميها ، مدجَّجين بالشجاعة و مسلَّحين بالتوكُّل ، و نقدِّم أرواحنا على طبق
من ذهب لهذا الوطن برسالة عريضة تتقدمنا نحو المحتل : " أنَّك لن تدخل قبل أن
تريق دماءنا عن آخرها " ، و ببسالة أقرب للتهوُّر يمكننا القتال بأي شيء
بكلمات أو بسلاح أو حتى أسلحة يدوية أو حتى بالحجارة ، يمكننا أن نصبح فلسطين
لكننا فلسطين لن يُحتلَّ بإذن الله ، هناك كلمات عميقة حفرتها بداخلنا مناخات هذا
الوطن : " الحياة مرة واحدة فعشها شجاعًا لا تهاب شيئًا " ، و أكملها عن
القلوب الضعيفة : الموت مرة واحدة فلن أموت جبانة ...
طول الأمل فعل مذموم في الشرع ، لأنه يدفعك للتعلُّق الشديد بالحياة ، فتفقد الغاية الحقيقية وراء خلقك
، و لاحظ العبارة " طول الأمل " و يعني أن الأمل أمر مطلوب فاليأس أمر
مرفوض ، و المذموم في الأمل هو أن يطول ..
و المختصر من موقفك
نحو الحياة ، أن تعش دون قلق و لا حرص مبالغ به ، يمكنك التخطيط للقادم ، و يجب
عليك أن لا تفقد الأمل في الحياة مهما كان حالك ، و لكن احذر أن تمتدَّ خططك و
تطيش فيها و تنسى الله و تنسى أن هناك دار أخرى فيها الخلود و عليك أن تخطط لخلود
ممتاز و نعيم مقيم فيها فهي الدار الأولى بالعمل لها .
الله هو الحيُّ الذي
لا يموت ..
أما نحن فإننا راحلون
، و لسنا خالدون على هذه الدنيا الفانية ، و عندما خلقنا هذا الحيُّ خلقنا لغاية
لأنه حكيم ، و لم يخلقنا هملًا أو عبثًا ، و أخبرنا بأن حياتنا هنا مؤقتة و زائلة
، و أن كل ما علينا هو الحصاد للآخرة و من رحمته أنه لم يحرِّم علينا متعة الدنيا
كلها بل قال " و لا تنسَ نصيبك من الدنيا " و حذَّرنا من
اليأس من رحمته و أنبأنا أنها صفة للمشركين قائلًا على لسان نبيِّه يعقوب : " إنه لا ييأس من روح
الله إلا القوم الكافرون "
الحيُّ ربنا رحيم بنا
، حكيم ليخفي عنا آجالنا التي كتبها من قبل خلقنا ، أرادنا أن نتوكَّل عليه و أن
نعرف أنه حافظنا و ليس لنا أحد سواه ، بل جعلها فطرة لا تنفك عن بشريتنا ، فإذا ما
جاء وقت الشِّدة دعوناه متأكدين بأنه الواحد الأحد الوتر الصمد ، و لكن و لأنه وجب
اختبارنا فقد وسوس إبليس للكثيرين بالتكبُّر عن عبادته ، و هذا ما حدث مع أنكى المشركين
" فرعون " و كثير من المشركين على مرِّ الأزمان ، و على هذا يجب أن نعرف
بأن الموت حق و أنه لابدَّ آت لا محالة ، لا يردُّه شيء و لا يحول بينه و بين
صاحبه شيء ، و أن ما يموت الإنسان به ما هو سوى سبب ليموت في أجَلِه ، سواء كان
مرض أو حادث أو موقف أو حتى بلا سبب ، لذا فالذين قد ماتوا من أحبابنا لن يعيدهم
الصراخ و لن يرجعهم البكاء ، لقد رحلوا إلى غير رجعة ، رحلوا و ما ينفعهم سوى
الدعاء أن يا رحمن يا رحيم ارحمهم و اغفر زلتهم و طهِّرهم من خطاياهم و أعتق
رقابهم من النار و اجعل قبورهم رياض من الجنة ، و أسكنهم في فردوسك الأعلى ..
آميـن
أذكر الآن قول الشاعر
سعد علوش _ حفظه الله _ :
أفضل وسيلة للسعادة و
النجاة
سهلة على الراغب و لا
هي كايدة
توحد الله صدق و تقيم
الصلاة
و جعل الفواحش عن
حدودك نايدة
في هذه الأبيات يشير
سعد علوش بأن السعادة يمكنك أن تنالها بسهولة ، و ذلك بتوحيدك لله و القيام بأعمالك
الصالحة التي تنتظر حصادها في الآخرة و أن تحذر من كل ما قد يؤذي توحيدك أو يوردك
مورد هلاك لست بقادر على الخروج منه ..
شرح سعد بأسلوب
مبسَّط أن السعادة التي يرنو لها كل مسلم و هي سعادة الدارين ، أنها سهلة المنال و
لكن بالشروط التي ذكرها و التي تحافظ فيها على آخرتك و بنفس الوقت تمكنك من العيش
معها براحة ، و هي طريقة مجرَّبة بل وصى بها النبي فخط عليه الصلاة و السلام خطاً مربعاً ، وخط خطاً في الوسط خارجاً عنه ، وخط خططاً
صغاراً إلي هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، وقال : " هذا الإنسان
وهذا أجله محيطاً به ، أو قد أحاط به ، وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطوط
الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا"
و قال أيضًا : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ، وكان ابن
عمر يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ
من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك "
فاللهم ارحم موتانا و تقبَّلهم ، و ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه يا رحمن السموات و الأرض ..
رهبة الموت تخنق
المكان ، وحشة تلفُّ جسدًا خاوٍ غادرته الروح ، برودة قارسة تغلِّف جلده ، إزرقاق
في أطرافه ، ارتخاء تام في عضلات الوجه ، الفك سقط بين الكتفين ، و العينين
فارغتين من اللمعان ، شحوب لوَّن صفحة الوجه ، صراع طويل مع السكرات حتى استسلم
كعادة من يحين أجله ، استسلم و تلاشت كل ذرات القوة ، و قطرات الحياة التي كان
يتمسَّك بها ..
بهجة كانت ، بخطواتها
القصيرة و المهرولة ، تملأ المكان حيوية ، صوتها حي و عينيها مشعتين رغم التعب ،
كفيها لا تحملان شيئًا غير الإبتسامة التي ترسمها على وجه كل من تقابله في طريقها
، مبهجة كانت حتى في سقوطها العشوائي على مقعدها و الطاولة ، ذراعها ممدودة أمامها
، و وجهها ملقي على الطاولة تستجدي بعض الراحة و هي من سخَّرت راحتها للجميع ،
ابتسامتها نادرة لأن ابتساماتها قد وزَّعتها على من يحيط بها ، فإذا ابتسمت أشرقت
تقاسيمها و تقلَّصت تجاعيد وجهها الدافئة ، كفُّها مثقلة بالعطاء لونها بلون
الفانيليا ، قلبها يكاد يضيء رغم حاجز الملابس ناصع كالسُّكر ، سموح و صادق و دائم
البذل ، فوضوية لا تهتم بالنظام و لا بالتنسيق ، و لا تتوقف عند نفس الشيء كثيرًا
، غضبها أضعف من أن يسيطر عليها ، فإذا ما داعبتها وسط غضبها نسته و ابتسمت ، تقف
عند بوابة الفصول تبحث عن المخالفات ، تمدُّ لإحداهن بمناديل ماسح المناكير و تقول
بحزم : " هيا امسحي " ، تقول الطالبة باستعطاف : " و الله يا ست
قده يد وحدة تعبت عليها كتير " ، تتنهد و تقول : " يا بنتي الإدارة
بتصيح و لا اني عادي بدخلك " فتتأفف
الطالبة بضيق و تبدأ بمسح مناكيرها الغالية على قلبها ، فلا تلبث أن تقترح عليها :
" البسي جونتي و اتخارجي طيب " تردُّ الفتاة بضيق : " لا خلاص قد
مسحت الأول خليني أكمل " ، فتعود لتفتح موضوع تؤانس به هذه الطالبة !
تقف بجانب طالب لا
يرتدي الزيِّ الرسمي ، تقول بحزم : " اش دا اللبس ؟ " يردُّ بتكاسل :
" ما فيبيش طافة أبدِّل و الله يا ست بهجة ، أجيت ساني من شغلة مهمة "
تزفر بتعب من تهاونه المتواصل و تقول : " اليوم بتوسط لك عند الإدارة بس بكرة
لو تجي بدي التياب باروِّحك و ماليش دخل فيبك " فيبتسم الطالب ابتسامة عريضة
و يجيب " عيوني عيوني " فتبتسم له و كأنه ليس مخالف ، ثم تذهب لتتوسط له
عند الإدارة ...
أستاذة بهجة ..
لا أستطيع تصوُّر
وجهك خاليًا من شعاعه ، و لا تصور جسدك باردًا بعد دفئه ، لقد غادرت بهجتك المدينة
، سكت صوتك الحيّ إلى الأبد ، و ضربت صاعقة فقدك أجيال تحبُّك و تعرفك حق المعرفة
، ربما قد نسيتها أو لم تقفي كثيرًا عندها بعد أن أدَّيت مهمتك و رسمت البسمة على
وجهها و مددت لها ببعض من بهجتك ، لكنَّها لم تنساك ، و لن تنساك يا من كانت
نموذجًا للبذل ، و مثالًا نادرًا في العطاء ، يا من علمتني دون حصص أن الجمال في
القلب ، أن الحياة في البذل ، و ان الوجود كل الوجود في التسامح ؛ رحمَك الله و
غفر ذنبك الذي لا أعرفه ، و جعل قبرك روضة من رياض الجنة ، و جعلك من عتقائه من
النار في هذا الشهر المبارك ، و أسكنك الفردوس الأعلى و تقبَّلك عنده من الصالحين
...
إنـا لله و إنا إليه
راجعون
الموت حق ، و البعث
حق ، فيا الله يا أرحم الراحمين إرحمنا قبل الموت و عند الموت و بعد الموت ، و
اغفر لنا حوبنا و خطايانا و اهدنا إليك و إلى صراطك المستقيم الذي لا عوج فيه و لا
ميل ؛ ربـاه و أنت الكريـم ..
إلى كل من يقرأ :
( الحياة أقصر من أن تبحر في خططك فيها ، و أطول من أن تعش بقلق فتتبعثر ، كن على جانحين اثنين الرجاء و الخوف ، فإن غلَّبت أحدهما ففي الشدة الرجاء و في الرخاء الخوف ، و ستكون بخير )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق