30‏/4‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

القبول بين الناس ، و أزهار الجميلة


6 رمضان 1441 هـ




تابع لتلقائيتي التي تحدثت عنها أمس في التدوينة ، أقوم اليوم بفعل تلقائي محرج ، بينما أسلِّم من تحيَّة المسجد التسليمة الأولى وقعت عيناي بعيني أستاذة أعرفها فابتسمت لي و هي تظن أنني قد انتهيت من صلاتي ، بتلقائية ابتسمت لها !
ثم أدركت أنني لم أنتهي من صلاتي فأنهيت التسليمة الثانية و غرقت عيناي في السجادة محرجة من فعلتي .🤐



بالنسبة للتدوينة هذه فقد وبَّخت نفسي كثيرًا على تكاسلي بالأمس في نشر التدوينة ، و قد هدَّدت نفسي بأنه لا قراءة روايات و لا تصفح عشوائي إذا لم أنجز التدوينة ، إنني شخص همَّته عالية و لكنها سرعان ما تخبو إن لم أحافظ على جديتها و على تحفيز نفسي ، لذلك قررت كتابة تدوينة اليوم مبكرًا و قبل أي شيء ...

بالأمس حضرت إحدى المصليات التي نعرف بعضنا بالنظرات و الإبتسامات ، كان يومها الأول الذي تحضر به المسجد في رمضان هذا ، و هي فتاة ذات ابتسامة حُلوة و هادئة ، أذكر مرَّة أنني قرأت في سوار تلبسه اسمها و كان يناسبها جدًا : " أزهار " ؛ على كلٍ الذي لفتني في الأمر أنها ذات شعبية هائلة ، و خصوصًا بين كبيرات السنِّ في المسجد ، فمنذ أن حضرت بالأمس و الكثيرات يقمن ليسلِّمن عليها ، و ظننت أن الأمر اليوم انتهى إلا أن فتاة صغيرة تحضر مع جدتها جاءت بابتسامة عريضة و قالت لجدتها " شوفي من ! " و ما ان التفت الجدة حتى ابتسمت و عانقت الفتاة و هي تسألها عن أحوالها و غيابها !

أتساءل أي قبول هذا الذي حظيت به هذه الفتاة ؟ 

ما الذي فعلته جعل المسنَّات ذوات الحاجبين المعقودين أن يبتسمن لها بحِّبٍ هكذا و مودَّة ؟

أتساءل أيمكن أن الله أحبها فوهبها محبَّة الناس ؟ 

إن القبول بين الناس أمر صعب غالبًا ، أن تكون محفوفًا بمحبَّة الناس لك أمر يبحث عنه كل انسان ، و لكن مع هذا نجد بعض الناس الذين يشبهون حال هذه الفتاة ، مقبولين من محيطهم ، و إن لم يكونوا حيويين جدًا ، و إن كانوا هادئين و كما نقول  " كافين خيرهم شرهم " ، و يعني أنهم لا يبحثوا عن ابتسامات الآخرين ، و لا يستحثوهم على الفضفضة ، أو يصرُّون على تهوين مصائبهم ، هم أناس عاديين هادئين جدًا ، كحال أزهار تحضر تصلي بدون كلمة و ما بين الصلوات تتأمل الآخرين بهدوء أو تشرد في تفاصيل السجاد ! ، و لكنها مقبولة لدى المسنَّات الذين يبحثن عن من يمكنهن الفضفضة له من الهموم أو حتى ممارسة بعض الإستصغار عليه ؛ صدقًا أتساءل " ترى ما العمل الصالح الذي تفعله سرًّا كي يكافئها الله بالقبول ؟ "

دائمًا ما ردَّدت أمي على مسامعي : " إرضي الله بيرضي الله عنك الناس "

عندما كنت أتلعثم في محاولة صغيرة للبحث عن حجة كاذبة أتذكَّر عبارتها ، فأنكمش خجلًا و إن استمريت في كذبتي فأكون في غاية الإستياء من نفسي !

أخي الأكبر إنسان عادي جدًا ، يصرخ أحيانًا ، يغضب و أحيانًا يقوم بأشياء خاطئة جدًا كأي بشر طبيعي ، و لكن عندما تنظر إليه تتفاجأ من أنه محظوظ بالقبول ، الناس يحبونه و مهما تشاكس هو و إياهم تركد الأمور فجأة و يرضون برأيه أو يهتدون إلى حل ، كم من مرة تصادم هو و أبي و لكن في النهاية تجدهم " حبايب ، و الوضع ماشي بخير " ، و كلما شهدت على موقف غير معقول من الناس تجاهه أتساءل بحيرة : " ما هو هذا العمل الصالح الذي تقوم به كي تجد كل هذا القبول من الناس ؟! "

سألتُ أمي بتعجُّب عن سبب تقبُّل والدي التامُّ لكل ما يفعله أخي الأوسط ، خصوصًا و أن والدي حاد الطِّباع و صبره محدود ، فحكت لي حكاية صغيرة ، قالت : أنه عندما كان في الرابعة تقريبًا من عمره ، كان يحفظ سورة مريم ، و مرَّة وجد والدي يشاهد التلفاز و يستمع لأغنية ، فوقف أمام التلفاز و قال : " يا أبتِ لا تعبُد الشيطان "  !

تفاجأ والدي منه ، فأخي هادئ جدًا و لم يسبق له أن اعترض على أي شيء له علاقة بوالدي خوفًا منه ، و من بعدها و الله مهما عارض أخي هذا أبي فإنه لا يؤاخذه كثيرًا ، و إن غضب منه فإن غضبه لا يدوم ، و عندما سمعت هذه القصة تذكَّرت قوله تعالى : " أني لا أضيع عمل عامل منكم " ، و تأكدت أن بلوغ رضى الناس يكون بطلب رضى الله و السعي له ، و أن الله لا يضيِّعُ عبدٌ نَصَر دينه ...

نقول دائمًا " رضى الناس غاية لا تدرك " 

و لكنَّني أعتقد أنها تحتاج التوضيح خصوصًا و أنها مقتطعة و الشافعي لم يقلها وحدها بل قال موضِّحًا : " يا ربيع رضا الناس غاية لا تدرك، فعليك بما يصلحك فالزمه فإنه لا سبيل إلى رضاهم " ، و لأننا نعرف جميعًا كم نحن بحاجة لمن يحبُّنا و يرضى عن تصرفاتنا ، و بما أن الكثيرين فهموها بشكل خاطئ و هو " افعل اللي تشتي و خلي الناس يكرهنك " ، بينما معناها الصائب : " لا تجعل رضى الناس غايتك قبل كل شيء " ، بل افعل الأشياء التي تريد مع مراعاة شعور الآخرين خصوصًا إذا كان الأمر يمسُّهم ، أما رضى الناس فإن أردت بلوغه فاسعى إلى رضى الله يرضي الله عنك الناس .. 

و اعلم انه ما من مقبول لم يقبله الله ، و ليس هناك من يحبُّه الناس حبًّا حقيقيًا صادقًا نقيًا و الله لا يحبُّه أو لا يقبله ، فإن وجدت فاعلم أنه قبول مصلحة و حبٍّ كاذب وراءه مطلب و خدمة .

و رضى الله غاية مهمة و هي الأحقُّ بأن نجعلها نصب أعيننا دائمًا .


عن  عائشة - رضي الله عنها - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس )

الحديث هذا عظيم جدًا ، ففيه من جوامع الكلم ، ما اختصر شرحي الطويل للأمر في هذا الحديث القصير قليل الكلمات ذو المعنى العميق ، كما شرح الشيخ العثيمين _ رحمه الله _ بأسلوبه المحبَّب للسامع ؛ فقوله : " التمس " يعني طلبها و سعى إليها ، فمن سعى لرضى الله بما لن يعجب الناس أو يرضيهم ، فالله سيرضى عنه و سيرضي عنه الناس ، أما من سعى لرضى الناس مهما كان الأمر مما يكرهه الله ، فلن يوفِّقُه الله لمسعاه و سيسخط عليه و الله شديد العقاب ، و سيُسخِط عليه الناس ، أي أنه لن ينوِّله مراده برضاهم ، و هذا و الله قد علمناه و رأيناه بأمِّ أعيننا ، أناس رضوا بسخط الله لأجل رضى الناس فلم يدُم رضى الناس عنهم و انقلبوا عليهم ، فخسروا مرتين مرة بسخط الله و هي الخسارة الأعظم و مرة بسخط الناس و هي مطلبهم و السبب في خسارتهم الأعظم ..

هناك آية في سورة مريم ، آية عظيمة قلَّ ما نتدَّبر بها ، يقول الله تعالى : 
( إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًّا )

عن كميَّة الألفة فيها ، الرحمن الذي وسِعت رحمته كل شيء يجعل لنا بين العالمين ودًّا .. 

لماذا ؟
لأننا آمنَّا بالله و صدقَّنا بالرسول ، و عملنا بشرعه و حرصنا على رضاه ، فكافَأنا مكافأة دنيوية بسيطة أمام المكافأة العظمى و الجزاء الجزيل في الآخرة ، بمعادلة تقشعرُّ لها الأبدان ، و توضِّح بعضًا من فضاءات رحمة الله التي وسعت كل شيء .. 

تُرضي الله = يرضى الله عنك و يجعل لك بين الناس قبولًا .
من قبل قلنا و سنقول : " مع الله لن تخسر "



إلى أزهار الجميلة ، و إلى أخويَّ الحبيبين ، و إلى كل من أرضى الله فرضِيَ الله عنه و أرضى عنه الناس :

( أدام الله قبولكم و أعانكم على طاعته ، كنتم نموذجًا مثاليًا في القبول و كسب رضى الناس ؛ فوفقكُم الله لرضاه )




إلى كل من طلب رضى الناس ، و كل من التمس قبولهم أقول لك :

( آمن و اعمل صالحًا يجعل لك الرحمن ودًا بين الناس ، و أسِرَّ عملٌ صالح بينك و بين الإله ، و اجعله رصيدًا لك في قبولهم  )




 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv