6 رمضان 1441 هـ
تابع لتلقائيتي التي
تحدثت عنها أمس في التدوينة ، أقوم اليوم بفعل تلقائي محرج ، بينما أسلِّم من
تحيَّة المسجد التسليمة الأولى وقعت عيناي بعيني أستاذة أعرفها فابتسمت لي و هي
تظن أنني قد انتهيت من صلاتي ، بتلقائية ابتسمت لها !
ثم أدركت أنني لم
أنتهي من صلاتي فأنهيت التسليمة الثانية و غرقت عيناي في السجادة محرجة من فعلتي .🤐
بالنسبة للتدوينة هذه
فقد وبَّخت نفسي كثيرًا على تكاسلي بالأمس في نشر التدوينة ، و قد هدَّدت نفسي
بأنه لا قراءة روايات و لا تصفح عشوائي إذا لم أنجز التدوينة ، إنني شخص همَّته
عالية و لكنها سرعان ما تخبو إن لم أحافظ على جديتها و على تحفيز نفسي ، لذلك قررت
كتابة تدوينة اليوم مبكرًا و قبل أي شيء ...
بالأمس حضرت إحدى
المصليات التي نعرف بعضنا بالنظرات و الإبتسامات ، كان يومها الأول الذي تحضر به
المسجد في رمضان هذا ، و هي فتاة ذات ابتسامة حُلوة و هادئة ، أذكر مرَّة أنني
قرأت في سوار تلبسه اسمها و كان يناسبها جدًا : " أزهار " ؛ على كلٍ
الذي لفتني في الأمر أنها ذات شعبية هائلة ، و خصوصًا بين كبيرات السنِّ في المسجد
، فمنذ أن حضرت بالأمس و الكثيرات يقمن ليسلِّمن عليها ، و ظننت أن الأمر اليوم
انتهى إلا أن فتاة صغيرة تحضر مع جدتها جاءت بابتسامة عريضة و قالت لجدتها "
شوفي من ! " و ما ان التفت الجدة حتى ابتسمت و عانقت الفتاة و هي تسألها عن
أحوالها و غيابها !
أتساءل أي قبول هذا
الذي حظيت به هذه الفتاة ؟
ما الذي فعلته جعل
المسنَّات ذوات الحاجبين المعقودين أن يبتسمن لها بحِّبٍ هكذا و مودَّة ؟
أتساءل أيمكن أن الله
أحبها فوهبها محبَّة الناس ؟
إن القبول بين الناس
أمر صعب غالبًا ، أن تكون محفوفًا بمحبَّة الناس لك أمر يبحث عنه كل انسان ، و لكن
مع هذا نجد بعض الناس الذين يشبهون حال هذه الفتاة ، مقبولين من محيطهم ، و إن لم
يكونوا حيويين جدًا ، و إن كانوا هادئين و كما نقول " كافين خيرهم شرهم " ، و يعني أنهم
لا يبحثوا عن ابتسامات الآخرين ، و لا يستحثوهم على الفضفضة ، أو يصرُّون على
تهوين مصائبهم ، هم أناس عاديين هادئين جدًا ، كحال أزهار تحضر تصلي بدون كلمة و
ما بين الصلوات تتأمل الآخرين بهدوء أو تشرد في تفاصيل السجاد ! ، و لكنها مقبولة
لدى المسنَّات الذين يبحثن عن من يمكنهن الفضفضة له من الهموم أو حتى ممارسة بعض
الإستصغار عليه ؛ صدقًا أتساءل " ترى ما العمل الصالح الذي تفعله سرًّا كي
يكافئها الله بالقبول ؟ "
دائمًا ما ردَّدت أمي
على مسامعي : " إرضي الله بيرضي الله عنك الناس "
عندما كنت أتلعثم في
محاولة صغيرة للبحث عن حجة كاذبة أتذكَّر عبارتها ، فأنكمش خجلًا و إن استمريت في
كذبتي فأكون في غاية الإستياء من نفسي !
أخي الأكبر إنسان
عادي جدًا ، يصرخ أحيانًا ، يغضب و أحيانًا يقوم بأشياء خاطئة جدًا كأي بشر طبيعي ، و
لكن عندما تنظر إليه تتفاجأ من أنه محظوظ بالقبول ، الناس يحبونه و مهما تشاكس هو
و إياهم تركد الأمور فجأة و يرضون برأيه أو يهتدون إلى حل ، كم من مرة تصادم هو و
أبي و لكن في النهاية تجدهم " حبايب ، و الوضع ماشي بخير " ، و كلما
شهدت على موقف غير معقول من الناس تجاهه أتساءل بحيرة : " ما هو هذا العمل
الصالح الذي تقوم به كي تجد كل هذا القبول من الناس ؟! "
سألتُ أمي بتعجُّب عن
سبب تقبُّل والدي التامُّ لكل ما يفعله أخي الأوسط ، خصوصًا و أن والدي حاد
الطِّباع و صبره محدود ، فحكت لي حكاية صغيرة ، قالت : أنه عندما كان في الرابعة
تقريبًا من عمره ، كان يحفظ سورة مريم ، و مرَّة وجد والدي يشاهد التلفاز و يستمع
لأغنية ، فوقف أمام التلفاز و قال : " يا أبتِ لا تعبُد الشيطان " !
تفاجأ والدي منه ،
فأخي هادئ جدًا و لم يسبق له أن اعترض على أي شيء له علاقة بوالدي خوفًا منه ، و
من بعدها و الله مهما عارض أخي هذا أبي فإنه لا يؤاخذه كثيرًا ، و إن غضب منه فإن
غضبه لا يدوم ، و عندما سمعت هذه القصة تذكَّرت قوله تعالى : " أني لا أضيع
عمل عامل منكم " ، و تأكدت أن بلوغ رضى الناس يكون بطلب رضى الله و السعي له ، و أن الله لا يضيِّعُ عبدٌ نَصَر دينه
...
نقول دائمًا "
رضى الناس غاية لا تدرك "
و لكنَّني أعتقد أنها
تحتاج التوضيح خصوصًا و أنها مقتطعة و الشافعي لم يقلها وحدها بل قال موضِّحًا :
" يا ربيع رضا الناس غاية لا تدرك، فعليك بما يصلحك فالزمه فإنه لا سبيل إلى رضاهم " ، و لأننا نعرف جميعًا كم نحن بحاجة لمن يحبُّنا و يرضى عن
تصرفاتنا ، و بما أن الكثيرين فهموها بشكل خاطئ و هو " افعل اللي تشتي و خلي
الناس يكرهنك " ، بينما معناها الصائب : " لا تجعل رضى الناس غايتك قبل
كل شيء " ، بل افعل الأشياء التي تريد مع مراعاة شعور الآخرين خصوصًا إذا كان
الأمر يمسُّهم ، أما رضى الناس فإن أردت بلوغه فاسعى إلى رضى الله يرضي الله عنك
الناس ..
و اعلم انه ما من
مقبول لم يقبله الله ، و ليس هناك من يحبُّه الناس حبًّا حقيقيًا صادقًا نقيًا و
الله لا يحبُّه أو لا يقبله ، فإن وجدت فاعلم أنه قبول مصلحة و حبٍّ كاذب وراءه
مطلب و خدمة .
و رضى الله غاية مهمة
و هي الأحقُّ بأن نجعلها نصب أعيننا دائمًا .
عن عائشة - رضي الله عنها - : أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ( من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه
الناس ، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس )
الحديث هذا عظيم جدًا ، ففيه من جوامع
الكلم ، ما اختصر شرحي الطويل للأمر في هذا الحديث القصير قليل الكلمات ذو المعنى
العميق ، كما شرح الشيخ العثيمين _ رحمه الله _ بأسلوبه المحبَّب للسامع ؛ فقوله :
" التمس " يعني طلبها و سعى إليها ، فمن سعى لرضى الله بما لن يعجب
الناس أو يرضيهم ، فالله سيرضى عنه و سيرضي عنه الناس ، أما من سعى لرضى الناس
مهما كان الأمر مما يكرهه الله ، فلن يوفِّقُه الله لمسعاه و سيسخط عليه و الله
شديد العقاب ، و سيُسخِط عليه الناس ، أي أنه لن ينوِّله مراده برضاهم ، و هذا و
الله قد علمناه و رأيناه بأمِّ أعيننا ، أناس رضوا بسخط الله لأجل رضى الناس فلم
يدُم رضى الناس عنهم و انقلبوا عليهم ، فخسروا مرتين مرة بسخط الله و هي
الخسارة الأعظم و مرة بسخط الناس و هي مطلبهم و السبب في خسارتهم الأعظم ..
هناك آية في سورة مريم ، آية عظيمة
قلَّ ما نتدَّبر بها ، يقول الله تعالى :
( إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات
سيجعل لهم الرحمن ودًّا )
عن كميَّة الألفة فيها ، الرحمن الذي
وسِعت رحمته كل شيء يجعل لنا بين العالمين ودًّا ..
لماذا ؟
لأننا آمنَّا بالله و صدقَّنا بالرسول
، و عملنا بشرعه و حرصنا على رضاه ، فكافَأنا مكافأة دنيوية بسيطة أمام المكافأة
العظمى و الجزاء الجزيل في الآخرة ، بمعادلة تقشعرُّ لها الأبدان ، و توضِّح بعضًا
من فضاءات رحمة الله التي وسعت كل شيء ..
تُرضي الله = يرضى الله عنك و يجعل لك
بين الناس قبولًا .
من قبل قلنا و سنقول : " مع الله
لن تخسر "
إلى أزهار الجميلة ، و إلى أخويَّ الحبيبين ، و إلى كل من أرضى الله
فرضِيَ الله عنه و أرضى عنه الناس :
( أدام الله قبولكم و أعانكم على طاعته ، كنتم نموذجًا مثاليًا في
القبول و كسب رضى الناس ؛ فوفقكُم الله لرضاه )
إلى كل من طلب رضى الناس ، و كل من التمس قبولهم أقول لك :
( آمن و اعمل صالحًا يجعل لك الرحمن ودًا بين الناس ، و أسِرَّ عملٌ
صالح بينك و بين الإله ، و اجعله رصيدًا لك في قبولهم )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق