5 رمضان 1441 هـ
قبل وصولي للمسجد
أتوقَّف عند بقالة ما ، و كعادتي العجولة أمدُّ له بالنقود و أطلب منه علبة مناديل
، يقول عبارة لم أسمعها جيدًا ، فأتجاهله ببساطة و آخذ علبة المناديل و أكاد أخرج
من البقالة إلا أنني أعود للتأكد من سعر المناديل ، يردُّ عليَّ ببرود : "
باقي لك بس مقلتيش اش تشتي فيبه ! " و بدون أن أتوقَّف كثيرًا عند عبارته
المستفزة أردُّ عليه بأنني أريد أي شيء بها ، فيمدُّ لي بحلوى للأطفال بنفس البرود
، و آخذها أنا بنفس العجلة و أكمل طريقي للمسجد !
عند استئنافي الطريق
كانت هناك عبارتي الدائمة تتردد بعقلي : " تبًا لعجلتك يا أسماء " و
بتكرار مزعج أردد : " تستاااهلي
"
الأمر أنني إنسانة
عجولة ، شخصية تلقائية جدًا بشكل يجعلني
أشعر بالخيبة دائمًا و أندم على تصرفاتي ، فالمشكلة لا تكمن بالحلوى السخيفة التي
ناولني إياها ، و لا ببروده المستفز ، المشكلة تكمن في أنني " مستعجلة " و الأدهى أن لا شيء يستدعي العجلة ، فلا
زال هناك وقت قبل أن يؤذن العشاء ، و لا يمكن أن ينتهوا من الصلاة و لا زلت في
البقالة إن أنا تعاملت بهدوء و بشكل طبيعي !
كثيرًا ما قيل لي :
" محد يجري ورائك ، اهدأي "
أمي تكرر على مسامعي
: " في التأني السلامة و في العجلة الندامة
"
والدي يطلق علي
لقب " متسرِّعة " !
العجلة هذه توَّرطني
كثيرًا ، و توقعني في مواقف محرجة جدًا و لكنني مهما حاولت أن أهدأ فإنني أجد نفسي
أعود لسرعتي الجنونية و تصرفاتي التلقائية التي دومًا ما سبَّبت لي المشاكل و
الإحراج ..
الشيء الوحيد الذي
يمكنه أن يسيطر على سرعتي هو حزني ، بل إنني أصبح غاية في الهدوء !
دائمًا أسعى لأن أكون
هادئة ، أن أسيطر على خطواتي في الشارع ، أن أكتب ببطء و بتأني ، أن أفعل الأشياء
بهدوء و رزانة ، و لكنني أغفل فأعود لعجلتي !
أرى الفتيات الهادئات
فأتعجَّب من هدوئهن ، كيف يمكن لواحدة أن تبقى على نفس " الجلسة " و كيف
لها أن تبقى تتأمل المكان بصمت ، أما بالنسبة للباردات فيصيبني التشنج منهن ، لدي
صديقة أعرفها باردة جدًا ، دائمًا عندما نلتقي أبدأ بدور المهرِّج بتلقائية ، أريد
أن أظفر بابتسامة عريضة أو قهقهة عالية أو حتى تجاعيد ضحك ، و لكن للأسف لا يوجد
كل ما أجده ابتسامة و قهقهة خافتة و فوق هذا تغطي فمها لتغطي تجعيد ابتسامتها !
فجأة أجد نفسي أهدأ
أمامها ، فشلت كل محاولاتي بإخراجها عن السيطرة ، أفكِّر : " هل أعاني من فرط
الحركة أو خلل عقليّ ؟ "
في رمضان السابق
صادفت إحدى صديقاتي العزيزات أيام الإعدادية ، كنت قد انقطعت عنها طويلًا ، كنا
نتحدَّث يومها و نحن ننزل السلالم ، و فجأة وجدت نفسي أتحدَّث وحدي ، إلتفت لها فابتسمت
بهدوء كعادتها و قالت : " مكانِك ! " و هي تشير لكفي التي تطير في
الهواء تشرح الموضوع الذي كنا نتحدث عنه ، وقتها ابتسمت و قلت بضحكة : " و
انتي يا اميمة مكانك انتي و دا الهدوء ، متى بتتحرققي ! " و ضحكنا ..
و لكنني بقيت أفكِّر
كثيرًا في الموقف !!
أما بالنسبة لحوادث
سرعتي فهي لا تعد و لا تحصى ، أذكر مرة أنني لشدة عجلتي فتحت باب الغرفة أريد أن
ألقي تعليقًا و أغادر فأغلقت الباب على رأسي و ضحكوا علي كثيرًا بينما فركت جانبي
رأسي بألم و من ثم ضحكت معهم ..
نسيتـه !
قبل أيام سألت ابنة
عمي في المسجد : " باتجي كل يوم ؟ " و بتلقائية تامَّة و بسرعة تابعت :
" لاازم تجي بانتظرك ؟! " ، لم تجادلني كثيرًا أخبرتني فقط أنها متعبة
وقتها ، تواصلت معها على إنستقرام قائلة مجددًا : " ها باتجي ؟ "
فاعتذرت بطارئ ، و عدت لسؤالها اليوم الذي يليه فردَّت بردٍّ جعلني أشعر بمدى سوء
تلقائيتي ، فقد كنت أعرف بظروفها و لكنني لم أنتبه لأنها قد تمنعها ، لم تعاتبني
بل اعتذرت موضِّحة لي الأسباب ، و لكنني أدركت أنني قد ضربت وترًا حساسًا بتلك
التلقائية البلهاء ، حينها لم أجد ردًّا غير : " سامحيني يا قلبي " ،
ستدخل لي و تقول : " على ايش المسامحة ؟ " و لن أجد ردًّا فلست شفافة
للغاية أنا فقط تلقائية ؛ هذه أنا و حالي مع التلقائية مع الناس.
التأني نعمة فحافظ عليها ..
و لا يقدِّر هذه
النعمة إلا فاقدها ، و والله إنني أجاهد نفسي أن تأني يا عجولة ، لذلك في حالات
إنقاذي من عجلتي تجدني أقف و أغمض عيناي بقوَّة و أردد بداخلي : " دحين أش
عجَّل بك ، اهدأي اهدأي ! "
موقف اليوم كان موقف
عابر جدًا ، و لكن بسببه غضبت من عجلتي كثيرًا ، فلو أنني كنت هادئة و متأنية لكنت
طلبت شيئًا آخر غير هذه الحلوى السخيفة ، على أية حال أنا لست نادمة على الحلوى بل
غاضبة من استعجالي اللامبرر له ...
يا الله يا ربي ،
الهمني الهدوء و التأني .
الصبر محمود ، و
التأني من سمت الحليم الذي يؤخر عقوبتنا لعلَّنا نتوب و نستغفر ، الحليم الذي يقدر
على عقوبتنا و لكن بحلمه يؤخرها ..
الله يحب الصابرين ،
و الرسول صلى لله عليه و سلم قال : ( إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم، وَالأَنَاة ) رَواهُ مُسلم.
رسالة اليوم إلى صاحب البقالة البارد ، و إلى صديقتي أميمة الهادئة
تمامًا ، و إلى كل من أرهقته بعجلتي أو أزعجته بتلقائيتي :
( آسفة لأنني عجولة لأجل لا شيء ، عفوًا على إزعاجي لكم بالتلقائية
التي أتحدَّث بها دون تنبُّه ، و اعلموا أنني أجاهد هذه العجلة كثيرًا ، و كل ما
عليكم هو الصبر بشأني ، فالأمر خارج عن السيطرة بعض الشيء ! )
إلي و إلى كل من كانت العجلة صِفتها و التلقائية التامَّة اسلوبها :
( لا داعي للعجلة ، كل شيء سيكون بخير إن تصرفت بتأني و إدراك )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق