29‏/4‏/2020

# تأمـلات # رسائل لن تصل

الحِلم و الأناة ، و طبيعتي الإرتجالية و العجولة


5 رمضان 1441 هـ


قبل وصولي للمسجد أتوقَّف عند بقالة ما ، و كعادتي العجولة أمدُّ له بالنقود و أطلب منه علبة مناديل ، يقول عبارة لم أسمعها جيدًا ، فأتجاهله ببساطة و آخذ علبة المناديل و أكاد أخرج من البقالة إلا أنني أعود للتأكد من سعر المناديل ، يردُّ عليَّ ببرود : " باقي لك بس مقلتيش اش تشتي فيبه ! " و بدون أن أتوقَّف كثيرًا عند عبارته المستفزة أردُّ عليه بأنني أريد أي شيء بها ، فيمدُّ لي بحلوى للأطفال بنفس البرود ، و آخذها أنا بنفس العجلة و أكمل طريقي للمسجد !

عند استئنافي الطريق كانت هناك عبارتي الدائمة تتردد بعقلي : " تبًا لعجلتك يا أسماء " و بتكرار مزعج أردد : " تستاااهلي  "

الأمر أنني إنسانة عجولة ،  شخصية تلقائية جدًا بشكل يجعلني أشعر بالخيبة دائمًا و أندم على تصرفاتي ، فالمشكلة لا تكمن بالحلوى السخيفة التي ناولني إياها ، و لا ببروده المستفز ، المشكلة تكمن في أنني " مستعجلة  " و الأدهى أن لا شيء يستدعي العجلة ، فلا زال هناك وقت قبل أن يؤذن العشاء ، و لا يمكن أن ينتهوا من الصلاة و لا زلت في البقالة إن أنا تعاملت بهدوء و بشكل طبيعي !


كثيرًا ما قيل لي : " محد يجري ورائك ، اهدأي "
أمي تكرر على مسامعي : " في التأني السلامة و في العجلة الندامة  "
والدي يطلق علي لقب  " متسرِّعة " !
العجلة هذه توَّرطني كثيرًا ، و توقعني في مواقف محرجة جدًا و لكنني مهما حاولت أن أهدأ فإنني أجد نفسي أعود لسرعتي الجنونية و تصرفاتي التلقائية التي دومًا ما سبَّبت لي المشاكل و الإحراج .. 

الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يسيطر على سرعتي هو حزني ، بل إنني أصبح غاية في الهدوء !

دائمًا أسعى لأن أكون هادئة ، أن أسيطر على خطواتي في الشارع ، أن أكتب ببطء و بتأني ، أن أفعل الأشياء بهدوء و رزانة ، و لكنني أغفل فأعود لعجلتي !

أرى الفتيات الهادئات فأتعجَّب من هدوئهن ، كيف يمكن لواحدة أن تبقى على نفس " الجلسة " و كيف لها أن تبقى تتأمل المكان بصمت ، أما بالنسبة للباردات فيصيبني التشنج منهن ، لدي صديقة أعرفها باردة جدًا ، دائمًا عندما نلتقي أبدأ بدور المهرِّج بتلقائية ، أريد أن أظفر بابتسامة عريضة أو قهقهة عالية أو حتى تجاعيد ضحك ، و لكن للأسف لا يوجد كل ما أجده ابتسامة و قهقهة خافتة و فوق هذا تغطي فمها لتغطي تجعيد ابتسامتها !

فجأة أجد نفسي أهدأ أمامها ، فشلت كل محاولاتي بإخراجها عن السيطرة ، أفكِّر : " هل أعاني من فرط الحركة أو خلل عقليّ ؟ "

في رمضان السابق صادفت إحدى صديقاتي العزيزات أيام الإعدادية ، كنت قد انقطعت عنها طويلًا ، كنا نتحدَّث يومها و نحن ننزل السلالم ، و فجأة وجدت نفسي أتحدَّث وحدي ، إلتفت لها فابتسمت بهدوء كعادتها و قالت : " مكانِك ! " و هي تشير لكفي التي تطير في الهواء تشرح الموضوع الذي كنا نتحدث عنه ، وقتها ابتسمت و قلت بضحكة : " و انتي يا اميمة مكانك انتي و دا الهدوء ، متى بتتحرققي ! " و ضحكنا ..
و لكنني بقيت أفكِّر كثيرًا في الموقف !!

أما بالنسبة لحوادث سرعتي فهي لا تعد و لا تحصى ، أذكر مرة أنني لشدة عجلتي فتحت باب الغرفة أريد أن ألقي تعليقًا و أغادر فأغلقت الباب على رأسي و ضحكوا علي كثيرًا بينما فركت جانبي رأسي بألم و من ثم ضحكت معهم ..
نسيتـه !

قبل أيام سألت ابنة عمي في المسجد : " باتجي كل يوم ؟ " و بتلقائية تامَّة و بسرعة تابعت : " لاازم تجي بانتظرك ؟! " ، لم تجادلني كثيرًا أخبرتني فقط أنها متعبة وقتها ، تواصلت معها على إنستقرام قائلة مجددًا : " ها باتجي ؟ " فاعتذرت بطارئ ، و عدت لسؤالها اليوم الذي يليه فردَّت بردٍّ جعلني أشعر بمدى سوء تلقائيتي ، فقد كنت أعرف بظروفها و لكنني لم أنتبه لأنها قد تمنعها ، لم تعاتبني بل اعتذرت موضِّحة لي الأسباب ، و لكنني أدركت أنني قد ضربت وترًا حساسًا بتلك التلقائية البلهاء ، حينها لم أجد ردًّا غير : " سامحيني يا قلبي " ، ستدخل لي و تقول : " على ايش المسامحة ؟ " و لن أجد ردًّا فلست شفافة للغاية أنا فقط تلقائية ؛ هذه أنا و حالي مع التلقائية مع الناس.


التأني نعمة فحافظ عليها ..
و لا يقدِّر هذه النعمة إلا فاقدها ، و والله إنني أجاهد نفسي أن تأني يا عجولة ، لذلك في حالات إنقاذي من عجلتي تجدني أقف و أغمض عيناي بقوَّة و أردد بداخلي : " دحين أش عجَّل بك ، اهدأي اهدأي ! "

موقف اليوم كان موقف عابر جدًا ، و لكن بسببه غضبت من عجلتي كثيرًا ، فلو أنني كنت هادئة و متأنية لكنت طلبت شيئًا آخر غير هذه الحلوى السخيفة ، على أية حال أنا لست نادمة على الحلوى بل غاضبة من استعجالي اللامبرر له ... 


يا الله يا ربي ، الهمني الهدوء و التأني .

الصبر محمود ، و التأني من سمت الحليم الذي يؤخر عقوبتنا لعلَّنا نتوب و نستغفر ، الحليم الذي يقدر على عقوبتنا و لكن بحلمه يؤخرها ..

الله يحب الصابرين ، و الرسول صلى لله عليه و سلم قال : ( إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم، وَالأَنَاة ) رَواهُ مُسلم.




رسالة اليوم إلى صاحب البقالة البارد ، و إلى صديقتي أميمة الهادئة تمامًا ، و إلى كل من أرهقته بعجلتي أو أزعجته بتلقائيتي :



( آسفة لأنني عجولة لأجل لا شيء ، عفوًا على إزعاجي لكم بالتلقائية التي أتحدَّث بها دون تنبُّه ، و اعلموا أنني أجاهد هذه العجلة كثيرًا ، و كل ما عليكم هو الصبر بشأني ، فالأمر خارج عن السيطرة بعض الشيء ! )




إلي و إلى كل من كانت العجلة صِفتها و التلقائية التامَّة اسلوبها :



( لا داعي للعجلة ، كل شيء سيكون بخير إن تصرفت بتأني و إدراك )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv