السلام عليكم
اليوم أخيرًا قررت بدء نشر مجموعتي القصصية التي كتبتها في سنة 2017 ، و رغم أنني عندما أقرأها الآن أرى كم هي ركيكة و مختصرة جدًا ، بل هي بالأصل عبارة عن مشاهد أكثر من كونها قصة ، و لكنني لا أستسيغ فكرة إعادة صياغتها بشكل أفضل ، لذلك سأنشرها على حالها و كما كتبتها أول مرة عندما كنت في السادسة عشر من عمري ، و المجموعة كلها عبارة عن قصص حقيقية وقعت في حرب الحوثي ، و إنما كتبتها بطريقتي و ببعض المبالغات التي يحتاجها النص ليكتمل ، على كلٍ المجموعة مكونة من ثلاث قصص و لم يقرأها أكثر من شخصين ، و لكنني قررت أخيرًا منحها فرصتها في الظهور على الإنترنت فلربما تنجح لم لا 😇
أترككم مع القصة الأولى ، أتمنى لكم قراءة ممتعة 🙂☕
.. شهيدين بطلقة ..
_
انتظروني يا رفاق , سأعود
_
لحظة ياسر , انتظرني سأذهب معك .
_ حسنًا
اسرع , قبل ان نتأخر فيبدؤوا اللعبة ...
أشعر
بإرهاق شديد , بالكاد افتح نصف عيناي , و سلاحي على كتفي كأنه جبل , كان اليوم
بائسا فجيشنا لم يحرز أي تقدم , ياللسخافة ! , حسنًا يجب ان أصل لغرفتي سريعًا
لأرتاح !
ارتميت
ع الاريكة بجانب النافذة بعد حمام دافئ أراح اعصابي المشدودة , و تناولت سلاحي
لتنظيفه من بقايا الرصاص كما اعتدت , أخرجت المخزن ووضعته على الطاولة , ثم وجهت
الفوهة للنافذة و ضغطت على الزناد مع اهتزاز ذراعي للأسفل بسبب المفاجأة ... !
بامتعاض
_ سيلا صغيرتي هل خرج ياسر و صقر ؟
_
نعم ، خرجا مع اصدقاءهما قبل قليل و لم يسمحا لي بالخروج معهما !
استأنفت
طريقها نحو غرفة ابنتها الكبرى بقلق و توتر هامسة " يا رب احفظهم يا رب
" !
وضعت
الكتاب على المكتب ، و قمت من كرسيي و مشت ببطء و تعب نحو النافذة و بين يدي كوب
القهوة الذي لا زال دافئًا ، أرخيت جبيني على الزجاج و تأملت الشارع الهادئ في مثل
هذه الساعة من المغرب ، و بشكل سريع و مفاجئ اخترق الصوت أذني و اتسعت عيناي أمام
المنظر المهول لثوان ، ثم صمتت جوارحي و سقطت يداي مع كوب القهوة مصدرة صوت مرعب ،
خمس ثوان كانت هي المدة التي بقيت احدق بها للمنظر في الخارج ، كانت و كأنها
سنينًا لن تنتهي ، فجسدي متيبس رغم الخدر الذي بدأ يلفني ، و الظلام الذي بدأ
يكتسح مجال رؤيتي ، دوامة عنيفة أخذتني معها ، فصرخت صرخة شعرت بحبالي الصوتية
تتقطع منها ، و ذاب من بعدها كل الجمود و هويت كورقة على الأرض ، و سمعت صوت باب
الغرفة ينفتح بقوة ثم لم أعد أشعر إلا ببرد قارس و سكون !
في
الممرات يركض المسعفون بسريرين لطفلين أحدهما لم يكمل عامه الرابع عشر ، و الدماء
تلطخ قميصه السماوي و نزيف صدره يسكب كعين لن تجف ، و سماوية القميص تختفي شيئًا
فشيئًا مع حمرة الدم القاتمة ، و بالسرير الآخر الطفل الذي بالكاد أكمل عامه
الحادي عشر رأسه مغطاة بالرمال و الدماء القاتمة تسيل من رأسه على وجهه فترسم صورة
مفجعة ، يهذي بحمى شحب منها وجهه _ ياسر ياسر ، انتظرني لن أتأخر ...
يقترب
رجل في عقده الأربعين بوجه أسود من الفاجعة يقول بلهفة _ صقر صقر أنت بخير أليس كذلك !؟
يفتح
نصف عينيه و دمعة تسللت منها فزادت من قسوة المنظر و يقول _ أين ياااسر ؟ أخبرني أين ياسر ؟
يرد
الأب مكسور الجناح و قد ثقلت لسانه _ كلا كلا ، هو بخير ، سيكون بخير يا بني !
يغمض
الصغير عينيه و يهمس _ لا تكذب لا تكذب ، هيا أخبره أنني قادم ، أخبره أن ينتظرني
، ياسر ياسر انتظرني !
و
يعود إلى هذيانه في حين ان الوالد يتصنم في مكانه ، و يشاهد باب غرفة العمليات و
هو يغلق في وجهه ، يرتجف كعصفور بردان ، يشعر بعظامه تتخابط فيما بينها ، تسقط
دموعه غزيرة و يرتكي على الحائط خلفه و هو يترنح حتى يسقط على الأرض ، يستند بكفيه
على الأرض و قد بدا وقع المصيبة في انحناءة ظهره الكسيرة ، و دموعه التي سقطت دون
موانع ، يبكي بغبنة رجل فُجِعَ بقطعتين منه ، بفلذتي كبده !
نظرت
لأمي التي تبكي بصمت و أبي الذي يربت على ظهرها ، علي أن أفعل شيئًا فهما على هذه
الحال منذ ثلاث ساعات ، تقدمت بتردد و قلت متنهدًا _ أمي أبي ، يجب أن ترتاحا لن
يفيد في شيء جلوسكما هذا !
أقفى
والدي وجهه عني و تمتم بصوت مخنوق _ لا تهذي يا بني ، هل تريد أن نعود للمنزل ! ،
إن كنت أنت تعبًا فاذهب لترتاح !
أمسكت
رأسي بكلتا يداي و قلت مغادرًا _ لست تعبًا ، سأذهب لمكان ما و سأعود .
و
ذهبت إلى موظف المستشفى ، علي أن أحجز لوالديَّ غرفة لعلهم يرضون بالراحة قليلًا
بها .
كان
المطر يهطل بغزارة و قد اختفت الشمس خلف الغيوم الرمادية ، و بدأ الظلام يتسحب
ببطئ ، صوت العصافير خافت ، و منظر السماء يبدو حزينًا لرحيل ياسر الصغير ...
خرج
الطبيب من الغرفة ليركض نحوه أحمد الذي لم ينم طوال الليل ، و قال بلهفة _ طمئنِّي
يا دكتور عن صقر ، كيف هو ؟
تأمله
لثانيتين شعره مشعث و الأرق بادٍ على وجهه ، زفر بخفة و ربت على كتفه قائلًا _ لقد
فعلت كل ما بوسعي و لكنه ...
قاطعه
مترنحًا نحو الحائط مستندًا عليه _ لا تقل لي ، صقر ليس أيضًا !
أمسكه
من كتفيه و قربه منه قائلًا _ لم يتوفى يا بني ليس بعد ، علينا أن ننتظر أربع و
عشرون ساعة كي نتأكد من حالته !
سقط
رأسه بثقل على كتف الطبيب هامسًا بضعف _ أخبرني كيف حدث كل هذا ، و لم حدث أصلًا
!؟
مسح
على رأسه بهدوء و أسنده إليه قائلًا _ تعال معي أولًا علي أن أرى أختك !
أغمضت
عيناي بقوة و أمسكت رأسي بكلتا يداي أريد أ، أوقف المشهد الذي يتكرر في رأسي ،
اختراق الرصاصة لصدر ياسر سقوطه و صرخة صقر ثم سقوطه هو الآخر مع تطاير الدم من
رأسه ، همست بحرقة _ ليتني لم أقترب من النافذة ، ألا يا ليت الرصاصة أخطأتهما .
هززت
رأسي بحسرة عندما سمعت أمنيتي المستحيلة و هي تتردد على سمعي ، و دسست رأسي في
الوسادة أكتم شهقاتي بدأت ترتفع مع ازدياد صداعي من المشهد الذي لا زال يعاود
الظهور في رأسي !
فلتت
منه شهقة عندما رأى جسدها يهتز ، و صوت شهقاتها يخترق هدوء الغرفة ، و مسح عينيه
بخشونة عندما رأى أخوها يضمها و يبكي بصمت مربتًا على ظهرها ، همس لنفسه و هو يدير
ظهره _ ما بالي ؟ متى سوف أعتاد على هذه المشاهد ، تبًا لي !
زفر
و رفع صوته قائلًا _ كونا أقوى لأجل والديكما ، و ادعوا كثيرًا .
و قبل
أن يخرج سمع سؤاله المرتجف _ و ماذا عن صقر ؟!
شحب
وجهه و أخفض صوته قائلًا بهدوء _ لا تتركا الدعاء .
و
غادر الغرفة بخطوات مسرعة ، هو يعرف أن حالة الطفل صقر نسبة النجاة فيها تحت النصف
!
يتلقفه
الممرض صائحًا بحماس _ دكتور لقد استيقظ الطفل ، لقد استيقظ ، ياللمعجزة !
تجمدت
حواسه و رفع يده لرأسه ضاغطًا عليه بقوة ، و سمع الممرض يناديه متعجبًا _ دكتور ؟!
فلتت
يده و نظر بأسى فضيع إلى الممرض و قال بانكسار _ تفقده و استدع عائلته يجب أن يروه
الآن !
سأل
بحيرة _ ألن تراه أولًا دكتور ؟!
همس
مربتًا على كتفه بخفة _ لن أراه يا بني ، لقد صحى صحوة الموت !
و
سار متثاقلًا و هو يقول بأسى _ ليس في هذا الوقت الحرج ، يا رب ، كيف سيتلقون خبر
الثاني و خبر الأول لا زال طازجًا ، رحمااك بهم يا رب ..
قبل
جبيني قائلًا ببحة مخنوقة _ فاطمة كوني أقوى ليكن الأولاد بخير
أرخيت
رأسي على كتفه باكية _ و لكن ياسر ذهب و لن يعد ، لن يعد _ و ازدادت شهقاتي _ و
صقر صقر صغيري ، لا أدري أسينجو أم لا ، آه يا محمد طفلنا ذهب من أيدينا ، ذهب !
أقفى
ظهره و قبل أن يقل شيئًا ، طُرق الباب فمشى بخطوات متسارعة ، و جلست أنا فقدماي لم
تعودا تحملانني ، فتح الباب بقلق شديد يظهر في حركة يده المرتعشة ، يصرخ ابني
البكر بفرح عميق و الدموع تتساقط على خديه ببذخ _ والدي والدتي صقر استيقظ إنه
بخير الآن !
سقطت
ساجدة و ركض محمد إلى طفلنا ، و لحقتهم و دموعي تشوش رؤيتي ، كنت أبكي و أضحك ،
دموعي تتساقط على ابتسامة شفتاي ، و دخلنا بعد أن عقمتنا الممرضة الشابة ، كنا في
سكرة فرح ما بين فرح لصحوة صقر و ما بين حزن لمغادرة ياسر بدون رجعة ، كنت أقبل كف
صقر الصغيرة و أستنشقها بفقد ، فصقر يحمل دومًا نفس رائحة ياسر ، كانا مترابطين
بغض النظر عن فاصل العمر بينهما ، و لكن صقر في تلك اللحظات كان هادئ تمامًا بل
أشبه بتمثال ، لم يتجاوب مع ضجة فرحنا ، كان صامتًا و ينظر إلينا بعينين خاويتين و
وجه شاحب مزَّق قلبي ، محمد الذي كان يمسح على رأسه قال بابتسامة و بصوته رعشة و
تهدج _ صقر حبيبي ، كيف حالك ؟ ماذا يؤلمك ؟ هل أحضر لك شيئًا ؟ قل أي شيء يا
صغيري !
و
امتعضت من نظرته الباردة الذي رمق بها زوجي ثم أغمض عينيه ، فقال محمد بمواساة لنفسه و قد كان صوته اشبه
بالبكاء من الكلام _ اووه صحيح ، بالتأكيد أنت تريد ماء أليس كذلك ؟ ، فأنت لن
تستطيع الحديث معنا و حلقك جافة هكذا ، إنتظر لحظة واحدة ، سأخبر الطبيب عن هذا ..
و
لكن صقر تحرك لأول مرة منذ دخلنا ، و أمسك بكف أبيه و ابتسم ، و ما كدت أقول شيئًا
حتى جفلنا تمامًا عندما قال ببحة متعبة _ أنا أحبكم جدًا ، و لكنني لا أريد ماء ،
أنا لست عطشان ، لقد سقاني ياسر قبل قليل ، شكرًا لك .
و
سقط قلبي في هوة عميقة ، و شهقت و كأن روحي تنتزع مني عندما علا صوت جهاز النبض ،
و عندما أغمض صغيري الآخر عينيه للأبد ، و ارتخت كفه الممسكة بأبيه و ارتخت مع
حركته أركاني ، فغبت في عالم آخر و كان آخر ما رأيته دخول الطبيب و الممرضين بسرعة
، و قبل السكون الذي سمعته كان أصوات متداولة مزعجة ...
مرحبًا
أنا
سيلا ، إنني لا أفهم ما يحدث هنا ، لقد خرج ياسر و صقر قبل أيام للعب و لم يعودا
حتى اللحظة !
لقد
افتقدتهما كثيرًا ، و أريد أن أراهما على الأقل ، لم أعد أريد الخروج معهما للعب
مع الأصدقاء ، سألت خالتي التي نمت عندها ذاك اليوم عن غياب والداي و إخوتي فحاولت
المرواغة و لم تجبني ، و عندما أصررت عليها قالت _ صلي يا صغيرتي ، ادعِ الله أن
يأتي بهم !
و
لم تسمح لي بخلع إحدى أسناني و وضعها تحت وسادتي كي تأخذها جنية الأسنان و تحقق
أمنيتي بعودتهم ، فقالت أن جنية الأسنان لا تحقق شيئًا أبدًا ،و أن الله وحده هو
القادر على تحقيق كل أمنياتي ، حاولت إقناعها بأن بطل كرتوني المفضل فعلها و نجح ،
فقالت أنهم يكذبون بهذا ، و أن الله وحده هو الذي يسمعنا في كل وقت و مهما كان
صوتنا خافتًا ..
أتعلمون
..
لقد
تحققت أمنيتي ، لقد كانت خالتي محقة فالله سمعني عندما دعوته سرًا ، إلى جانب أنه
لا يجب علي احتمال ألم خلع سني و إعطاؤه لجنية الأسنان ، فالله أجابني دون أي ألم
، جاؤوا جميعًا قبل الغروب بقليل ، كانت عينا أمي حمراوين و متورمتين ، سألتها (
من ضربها ؟ ) فبكت !
حاولت
تهدئتها و لم تهدأ ، أخبرتها أنني سأضرب من ضربها فازدادت بكاء ، فبكيت معها !
احتضنني
والدي حينا و كانت لحيته مبللة فقلت بشهقة _ ستمرض !
فأغرق
وجهه بعنقي و قال بصوت خافت _ ياسر و صقر ذهبا إلى الله !
لا
لا أصدق ، نفضت نفسي بقوة و تراجعت للخلف باكية بصدمة _ و لمَ لم يخبرانني ؟! ،
كنت أريد الذهاب إلى الله لأشكره مجيئكم و تحقيقه أمنيتي ، لماذا لم تخبروهما أن
ينتظرانني ؟! أنا أريد أن أذهب معهما _ و رفعت كفي الصغيرين و غطيت وجهي و قلت
بصوت خافت - يا الله كنت أريد أن أذهب
إليك لأشكرك ، لكنهما لم ينتظرانني ، يا الله سامحني يا الله !
كنت
أشهق مرددة _ كنت أريد الذهاب إليك ، كنت أريد ذلك !
و
عندها اقتربت والدتي و ضمتني إليها و هي تردد _ كفى حبيبتي كفى أرجوك !
مر
شهر !
لا
زلت أدعو الله أن يأتي بياسر و صقر ، كنت أعلم بأن الله لن يستجيب لي ما دمت لم
أذهب إليه لأشكره ، لكنني لن أيأس فأنا أشتاق لأخويَّ كثيرًا و يجب أن أراهما
يومًا ما !
والدتي
باتت هزيلة و حزينة و شاردة طوال الوقت ، عندما أحتضنها لتبتسم و تقبلني كما كانت
تفعل ، و لكنها أصبحت تبكي عندما أحتضنها ، و لا تجيبني عندما أسألها لم تبكي ! ،
فلم أعد أحتضنها كثيرًا رغم أنني أشتاق لذلك ...
انتصار
شقيقتي لم تعد تخرج من حجرتها إلا قليلًا ، سمعتها تكلم ابنة خالتي رحاب عن رسوبها
في إحدى مواد الإمتحان ، غريب فانتصار كانت الأولى دائمًا في المدرسة ..!
أما
شقيقي أحمد فلم نعد نراه كثيرًا ، إنه في الخارج طوال النهار و في لليل يعود
متأخرًا للمنزل و غالبًا ما أنام قبل أن يصل فلا أراه ، وجهه شاحب و قد أصبح نحيل
جدًا ، و حتى زواجه من رحاب لم يقيمه و عندما سألته قال بأنه سيؤخره بعض الوقت ،
رغم أنني كنت قد اشتريت فستان أبيض جميل جدًا لأرتديه في عرسه !
والدي
أيضًا أصبح يتأخر في العمل ، و عندما يعود إلى المنزل و يحتضنني بتعب ، و ينسى أن
يحضر لي السكاكر كما كان يفعل دومًا ، و أحيانًا ينسى احتضاني حتى و لكنني أحتضنه
أنا إن لم يفعل !
لقد
أصبح المنزل صامتًا ، على طاولة الطعام و حتى عند الخروج لمكان بالسيارة نكون
صامتون و لا يتحدث أحد كثيرًا !
اشتقت
لصراعي مع صقر على الجلوس بجانب النافذة ، و مع ياسر بالجلوس في المقعد المجاور
لمقعد السائق ، مع ذلك أصبحت أجلس في أي مكان و لا أقول شيئًا عن فقدي لأخواي ،
فكلنا نفتقدهما و لا فائدة من البكاء كما قالت خالتي ، كل ما علينا فعله هو الدعاء
.
و
لهذا كله فقد أصبحت أجلس مع عروستي و أحادثها كثيرًا ، أعرف أنها تسمعني و تحبني
فقد قال لي صقر ذلك .
إنني
آكل جيدًا ، يجب أن أكبر ، يجب أن أذهب إلى الله لأشكره دون حاجة لمن يرافقني في
طريقي إليه ، فعندما أكبر لن أخاف من صوت القذائف ، و لا من الكلاب التي تنبح في
الليل بصوت مخيف ، سأكون قوية مثل صقر ، و ذكية مثل ياسر ، سأشكر الله أنه أحضر لي
والداي و إخوتي ، و سأدعوه أن يجمعنا جميعًا في مكان لا نفترق بعده أبدًا ، سنعود
كما كنا ، سعيدين و وجوهنا مشرقة ، سنضحك كثيرًا لأننا لن نفترق أبدًا ...
تمـت
بحمد الله .
.. شهيدين بطلقة ..
_
انتظروني يا رفاق , سأعود
_
لحظة ياسر , انتظرني سأذهب معك .
_ حسنًا
اسرع , قبل ان نتأخر فيبدؤوا اللعبة ...
أشعر
بإرهاق شديد , بالكاد افتح نصف عيناي , و سلاحي على كتفي كأنه جبل , كان اليوم
بائسا فجيشنا لم يحرز أي تقدم , ياللسخافة ! , حسنًا يجب ان أصل لغرفتي سريعًا
لأرتاح !
ارتميت
ع الاريكة بجانب النافذة بعد حمام دافئ أراح اعصابي المشدودة , و تناولت سلاحي
لتنظيفه من بقايا الرصاص كما اعتدت , أخرجت المخزن ووضعته على الطاولة , ثم وجهت
الفوهة للنافذة و ضغطت على الزناد مع اهتزاز ذراعي للأسفل بسبب المفاجأة ... !
بامتعاض
_ سيلا صغيرتي هل خرج ياسر و صقر ؟
_
نعم ، خرجا مع اصدقاءهما قبل قليل و لم يسمحا لي بالخروج معهما !
استأنفت
طريقها نحو غرفة ابنتها الكبرى بقلق و توتر هامسة " يا رب احفظهم يا رب
" !
وضعت
الكتاب على المكتب ، و قمت من كرسيي و مشت ببطء و تعب نحو النافذة و بين يدي كوب
القهوة الذي لا زال دافئًا ، أرخيت جبيني على الزجاج و تأملت الشارع الهادئ في مثل
هذه الساعة من المغرب ، و بشكل سريع و مفاجئ اخترق الصوت أذني و اتسعت عيناي أمام
المنظر المهول لثوان ، ثم صمتت جوارحي و سقطت يداي مع كوب القهوة مصدرة صوت مرعب ،
خمس ثوان كانت هي المدة التي بقيت احدق بها للمنظر في الخارج ، كانت و كأنها
سنينًا لن تنتهي ، فجسدي متيبس رغم الخدر الذي بدأ يلفني ، و الظلام الذي بدأ
يكتسح مجال رؤيتي ، دوامة عنيفة أخذتني معها ، فصرخت صرخة شعرت بحبالي الصوتية
تتقطع منها ، و ذاب من بعدها كل الجمود و هويت كورقة على الأرض ، و سمعت صوت باب
الغرفة ينفتح بقوة ثم لم أعد أشعر إلا ببرد قارس و سكون !
في
الممرات يركض المسعفون بسريرين لطفلين أحدهما لم يكمل عامه الرابع عشر ، و الدماء
تلطخ قميصه السماوي و نزيف صدره يسكب كعين لن تجف ، و سماوية القميص تختفي شيئًا
فشيئًا مع حمرة الدم القاتمة ، و بالسرير الآخر الطفل الذي بالكاد أكمل عامه
الحادي عشر رأسه مغطاة بالرمال و الدماء القاتمة تسيل من رأسه على وجهه فترسم صورة
مفجعة ، يهذي بحمى شحب منها وجهه _ ياسر ياسر ، انتظرني لن أتأخر ...
يقترب
رجل في عقده الأربعين بوجه أسود من الفاجعة يقول بلهفة _ صقر صقر أنت بخير أليس كذلك !؟
يفتح
نصف عينيه و دمعة تسللت منها فزادت من قسوة المنظر و يقول _ أين ياااسر ؟ أخبرني أين ياسر ؟
يرد
الأب مكسور الجناح و قد ثقلت لسانه _ كلا كلا ، هو بخير ، سيكون بخير يا بني !
يغمض
الصغير عينيه و يهمس _ لا تكذب لا تكذب ، هيا أخبره أنني قادم ، أخبره أن ينتظرني
، ياسر ياسر انتظرني !
و
يعود إلى هذيانه في حين ان الوالد يتصنم في مكانه ، و يشاهد باب غرفة العمليات و
هو يغلق في وجهه ، يرتجف كعصفور بردان ، يشعر بعظامه تتخابط فيما بينها ، تسقط
دموعه غزيرة و يرتكي على الحائط خلفه و هو يترنح حتى يسقط على الأرض ، يستند بكفيه
على الأرض و قد بدا وقع المصيبة في انحناءة ظهره الكسيرة ، و دموعه التي سقطت دون
موانع ، يبكي بغبنة رجل فُجِعَ بقطعتين منه ، بفلذتي كبده !
نظرت
لأمي التي تبكي بصمت و أبي الذي يربت على ظهرها ، علي أن أفعل شيئًا فهما على هذه
الحال منذ ثلاث ساعات ، تقدمت بتردد و قلت متنهدًا _ أمي أبي ، يجب أن ترتاحا لن
يفيد في شيء جلوسكما هذا !
أقفى
والدي وجهه عني و تمتم بصوت مخنوق _ لا تهذي يا بني ، هل تريد أن نعود للمنزل ! ،
إن كنت أنت تعبًا فاذهب لترتاح !
أمسكت
رأسي بكلتا يداي و قلت مغادرًا _ لست تعبًا ، سأذهب لمكان ما و سأعود .
و
ذهبت إلى موظف المستشفى ، علي أن أحجز لوالديَّ غرفة لعلهم يرضون بالراحة قليلًا
بها .
كان
المطر يهطل بغزارة و قد اختفت الشمس خلف الغيوم الرمادية ، و بدأ الظلام يتسحب
ببطئ ، صوت العصافير خافت ، و منظر السماء يبدو حزينًا لرحيل ياسر الصغير ...
خرج
الطبيب من الغرفة ليركض نحوه أحمد الذي لم ينم طوال الليل ، و قال بلهفة _ طمئنِّي
يا دكتور عن صقر ، كيف هو ؟
تأمله
لثانيتين شعره مشعث و الأرق بادٍ على وجهه ، زفر بخفة و ربت على كتفه قائلًا _ لقد
فعلت كل ما بوسعي و لكنه ...
قاطعه
مترنحًا نحو الحائط مستندًا عليه _ لا تقل لي ، صقر ليس أيضًا !
أمسكه
من كتفيه و قربه منه قائلًا _ لم يتوفى يا بني ليس بعد ، علينا أن ننتظر أربع و
عشرون ساعة كي نتأكد من حالته !
سقط
رأسه بثقل على كتف الطبيب هامسًا بضعف _ أخبرني كيف حدث كل هذا ، و لم حدث أصلًا
!؟
مسح
على رأسه بهدوء و أسنده إليه قائلًا _ تعال معي أولًا علي أن أرى أختك !
أغمضت
عيناي بقوة و أمسكت رأسي بكلتا يداي أريد أ، أوقف المشهد الذي يتكرر في رأسي ،
اختراق الرصاصة لصدر ياسر سقوطه و صرخة صقر ثم سقوطه هو الآخر مع تطاير الدم من
رأسه ، همست بحرقة _ ليتني لم أقترب من النافذة ، ألا يا ليت الرصاصة أخطأتهما .
هززت
رأسي بحسرة عندما سمعت أمنيتي المستحيلة و هي تتردد على سمعي ، و دسست رأسي في
الوسادة أكتم شهقاتي بدأت ترتفع مع ازدياد صداعي من المشهد الذي لا زال يعاود
الظهور في رأسي !
فلتت
منه شهقة عندما رأى جسدها يهتز ، و صوت شهقاتها يخترق هدوء الغرفة ، و مسح عينيه
بخشونة عندما رأى أخوها يضمها و يبكي بصمت مربتًا على ظهرها ، همس لنفسه و هو يدير
ظهره _ ما بالي ؟ متى سوف أعتاد على هذه المشاهد ، تبًا لي !
زفر
و رفع صوته قائلًا _ كونا أقوى لأجل والديكما ، و ادعوا كثيرًا .
و قبل
أن يخرج سمع سؤاله المرتجف _ و ماذا عن صقر ؟!
شحب
وجهه و أخفض صوته قائلًا بهدوء _ لا تتركا الدعاء .
و
غادر الغرفة بخطوات مسرعة ، هو يعرف أن حالة الطفل صقر نسبة النجاة فيها تحت النصف
!
يتلقفه
الممرض صائحًا بحماس _ دكتور لقد استيقظ الطفل ، لقد استيقظ ، ياللمعجزة !
تجمدت
حواسه و رفع يده لرأسه ضاغطًا عليه بقوة ، و سمع الممرض يناديه متعجبًا _ دكتور ؟!
فلتت
يده و نظر بأسى فضيع إلى الممرض و قال بانكسار _ تفقده و استدع عائلته يجب أن يروه
الآن !
سأل
بحيرة _ ألن تراه أولًا دكتور ؟!
همس
مربتًا على كتفه بخفة _ لن أراه يا بني ، لقد صحى صحوة الموت !
و
سار متثاقلًا و هو يقول بأسى _ ليس في هذا الوقت الحرج ، يا رب ، كيف سيتلقون خبر
الثاني و خبر الأول لا زال طازجًا ، رحمااك بهم يا رب ..
قبل
جبيني قائلًا ببحة مخنوقة _ فاطمة كوني أقوى ليكن الأولاد بخير
أرخيت
رأسي على كتفه باكية _ و لكن ياسر ذهب و لن يعد ، لن يعد _ و ازدادت شهقاتي _ و
صقر صقر صغيري ، لا أدري أسينجو أم لا ، آه يا محمد طفلنا ذهب من أيدينا ، ذهب !
أقفى
ظهره و قبل أن يقل شيئًا ، طُرق الباب فمشى بخطوات متسارعة ، و جلست أنا فقدماي لم
تعودا تحملانني ، فتح الباب بقلق شديد يظهر في حركة يده المرتعشة ، يصرخ ابني
البكر بفرح عميق و الدموع تتساقط على خديه ببذخ _ والدي والدتي صقر استيقظ إنه
بخير الآن !
سقطت
ساجدة و ركض محمد إلى طفلنا ، و لحقتهم و دموعي تشوش رؤيتي ، كنت أبكي و أضحك ،
دموعي تتساقط على ابتسامة شفتاي ، و دخلنا بعد أن عقمتنا الممرضة الشابة ، كنا في
سكرة فرح ما بين فرح لصحوة صقر و ما بين حزن لمغادرة ياسر بدون رجعة ، كنت أقبل كف
صقر الصغيرة و أستنشقها بفقد ، فصقر يحمل دومًا نفس رائحة ياسر ، كانا مترابطين
بغض النظر عن فاصل العمر بينهما ، و لكن صقر في تلك اللحظات كان هادئ تمامًا بل
أشبه بتمثال ، لم يتجاوب مع ضجة فرحنا ، كان صامتًا و ينظر إلينا بعينين خاويتين و
وجه شاحب مزَّق قلبي ، محمد الذي كان يمسح على رأسه قال بابتسامة و بصوته رعشة و
تهدج _ صقر حبيبي ، كيف حالك ؟ ماذا يؤلمك ؟ هل أحضر لك شيئًا ؟ قل أي شيء يا
صغيري !
و
امتعضت من نظرته الباردة الذي رمق بها زوجي ثم أغمض عينيه ، فقال محمد بمواساة لنفسه و قد كان صوته اشبه
بالبكاء من الكلام _ اووه صحيح ، بالتأكيد أنت تريد ماء أليس كذلك ؟ ، فأنت لن
تستطيع الحديث معنا و حلقك جافة هكذا ، إنتظر لحظة واحدة ، سأخبر الطبيب عن هذا ..
و
لكن صقر تحرك لأول مرة منذ دخلنا ، و أمسك بكف أبيه و ابتسم ، و ما كدت أقول شيئًا
حتى جفلنا تمامًا عندما قال ببحة متعبة _ أنا أحبكم جدًا ، و لكنني لا أريد ماء ،
أنا لست عطشان ، لقد سقاني ياسر قبل قليل ، شكرًا لك .
و
سقط قلبي في هوة عميقة ، و شهقت و كأن روحي تنتزع مني عندما علا صوت جهاز النبض ،
و عندما أغمض صغيري الآخر عينيه للأبد ، و ارتخت كفه الممسكة بأبيه و ارتخت مع
حركته أركاني ، فغبت في عالم آخر و كان آخر ما رأيته دخول الطبيب و الممرضين بسرعة
، و قبل السكون الذي سمعته كان أصوات متداولة مزعجة ...
مرحبًا
أنا
سيلا ، إنني لا أفهم ما يحدث هنا ، لقد خرج ياسر و صقر قبل أيام للعب و لم يعودا
حتى اللحظة !
لقد
افتقدتهما كثيرًا ، و أريد أن أراهما على الأقل ، لم أعد أريد الخروج معهما للعب
مع الأصدقاء ، سألت خالتي التي نمت عندها ذاك اليوم عن غياب والداي و إخوتي فحاولت
المرواغة و لم تجبني ، و عندما أصررت عليها قالت _ صلي يا صغيرتي ، ادعِ الله أن
يأتي بهم !
و
لم تسمح لي بخلع إحدى أسناني و وضعها تحت وسادتي كي تأخذها جنية الأسنان و تحقق
أمنيتي بعودتهم ، فقالت أن جنية الأسنان لا تحقق شيئًا أبدًا ،و أن الله وحده هو
القادر على تحقيق كل أمنياتي ، حاولت إقناعها بأن بطل كرتوني المفضل فعلها و نجح ،
فقالت أنهم يكذبون بهذا ، و أن الله وحده هو الذي يسمعنا في كل وقت و مهما كان
صوتنا خافتًا ..
أتعلمون
..
لقد
تحققت أمنيتي ، لقد كانت خالتي محقة فالله سمعني عندما دعوته سرًا ، إلى جانب أنه
لا يجب علي احتمال ألم خلع سني و إعطاؤه لجنية الأسنان ، فالله أجابني دون أي ألم
، جاؤوا جميعًا قبل الغروب بقليل ، كانت عينا أمي حمراوين و متورمتين ، سألتها (
من ضربها ؟ ) فبكت !
حاولت
تهدئتها و لم تهدأ ، أخبرتها أنني سأضرب من ضربها فازدادت بكاء ، فبكيت معها !
احتضنني
والدي حينا و كانت لحيته مبللة فقلت بشهقة _ ستمرض !
فأغرق
وجهه بعنقي و قال بصوت خافت _ ياسر و صقر ذهبا إلى الله !
لا
لا أصدق ، نفضت نفسي بقوة و تراجعت للخلف باكية بصدمة _ و لمَ لم يخبرانني ؟! ،
كنت أريد الذهاب إلى الله لأشكره مجيئكم و تحقيقه أمنيتي ، لماذا لم تخبروهما أن
ينتظرانني ؟! أنا أريد أن أذهب معهما _ و رفعت كفي الصغيرين و غطيت وجهي و قلت
بصوت خافت - يا الله كنت أريد أن أذهب
إليك لأشكرك ، لكنهما لم ينتظرانني ، يا الله سامحني يا الله !
كنت
أشهق مرددة _ كنت أريد الذهاب إليك ، كنت أريد ذلك !
و
عندها اقتربت والدتي و ضمتني إليها و هي تردد _ كفى حبيبتي كفى أرجوك !
مر
شهر !
لا
زلت أدعو الله أن يأتي بياسر و صقر ، كنت أعلم بأن الله لن يستجيب لي ما دمت لم
أذهب إليه لأشكره ، لكنني لن أيأس فأنا أشتاق لأخويَّ كثيرًا و يجب أن أراهما
يومًا ما !
والدتي
باتت هزيلة و حزينة و شاردة طوال الوقت ، عندما أحتضنها لتبتسم و تقبلني كما كانت
تفعل ، و لكنها أصبحت تبكي عندما أحتضنها ، و لا تجيبني عندما أسألها لم تبكي ! ،
فلم أعد أحتضنها كثيرًا رغم أنني أشتاق لذلك ...
انتصار
شقيقتي لم تعد تخرج من حجرتها إلا قليلًا ، سمعتها تكلم ابنة خالتي رحاب عن رسوبها
في إحدى مواد الإمتحان ، غريب فانتصار كانت الأولى دائمًا في المدرسة ..!
أما
شقيقي أحمد فلم نعد نراه كثيرًا ، إنه في الخارج طوال النهار و في لليل يعود
متأخرًا للمنزل و غالبًا ما أنام قبل أن يصل فلا أراه ، وجهه شاحب و قد أصبح نحيل
جدًا ، و حتى زواجه من رحاب لم يقيمه و عندما سألته قال بأنه سيؤخره بعض الوقت ،
رغم أنني كنت قد اشتريت فستان أبيض جميل جدًا لأرتديه في عرسه !
والدي
أيضًا أصبح يتأخر في العمل ، و عندما يعود إلى المنزل و يحتضنني بتعب ، و ينسى أن
يحضر لي السكاكر كما كان يفعل دومًا ، و أحيانًا ينسى احتضاني حتى و لكنني أحتضنه
أنا إن لم يفعل !
لقد
أصبح المنزل صامتًا ، على طاولة الطعام و حتى عند الخروج لمكان بالسيارة نكون
صامتون و لا يتحدث أحد كثيرًا !
اشتقت
لصراعي مع صقر على الجلوس بجانب النافذة ، و مع ياسر بالجلوس في المقعد المجاور
لمقعد السائق ، مع ذلك أصبحت أجلس في أي مكان و لا أقول شيئًا عن فقدي لأخواي ،
فكلنا نفتقدهما و لا فائدة من البكاء كما قالت خالتي ، كل ما علينا فعله هو الدعاء
.
و
لهذا كله فقد أصبحت أجلس مع عروستي و أحادثها كثيرًا ، أعرف أنها تسمعني و تحبني
فقد قال لي صقر ذلك .
إنني
آكل جيدًا ، يجب أن أكبر ، يجب أن أذهب إلى الله لأشكره دون حاجة لمن يرافقني في
طريقي إليه ، فعندما أكبر لن أخاف من صوت القذائف ، و لا من الكلاب التي تنبح في
الليل بصوت مخيف ، سأكون قوية مثل صقر ، و ذكية مثل ياسر ، سأشكر الله أنه أحضر لي
والداي و إخوتي ، و سأدعوه أن يجمعنا جميعًا في مكان لا نفترق بعده أبدًا ، سنعود
كما كنا ، سعيدين و وجوهنا مشرقة ، سنضحك كثيرًا لأننا لن نفترق أبدًا ...
تمـت
بحمد الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق