الحياة ذات ألوان شتى ، ألوان تتبدل دائمًا باتزان يبعث على الرهبة ، و المستقبل دائمًا مرسوم و محفوف بالغموض الذي تحاول عقولنا البشرية فك غموضه برسمه ما نتمنى و نريد ، و يذهب البعض منا إلى تصديق ذلك الرسم ، و الإيمان بحدوثه إلى حد الوقوع بسكتة قلبية إذا لم يحدث ما توقع ، أو لم يطابق ما رسم ، و البعض الآخر يظل غاضًا بصره عن المستقبل و يراه كشيء بعيد جدًا ، للحد الذي يجعله ييأس من الوصول إليه أو عيشه ، لذلك يراوغ في إجابة نفسه دائمًا عندما يتعلق الأمر بالمستقبل ، على لسانه : " سأفكر بالأمر " " لا زال هناك وقت " " الأقدار مكتوبة " ، و أشباه هذه الجمل الذي توضح أن هذا الشخص متواكل و غير قادر على التصديق بأنه ليس مسير دائمًا ، أما البعض الأخير و هو المتوسط من بين الآخَرَين ، فهو الذي يرسم أهدافًا و يسعى لها جاهدًا ، و بكل ما أوتي من استطاعة ، و لكنه يؤمن بأنه قد يتعرض للعوائق و الطوارئ التي ربما تغيِّر بعضها ، و كذلك يؤمن بعون الله في تخطيها بطريقة ما ..
ان المرء غالبًا لا
يبقى على حال واحدة طوال عمره ، بل في كل فترة يتبدل حاله ما بينها ، فالبعض يسعى
لهذا التبديل ، و البعض لا يدري أنه قد تغير من متواكل إلى متوكل إلا بعد أن يثبت
على توكله ، و يرى حالًا ما كان ليرضى بها و هو على خوفه من المستقبل ، و البعض
الآخر يؤمن بأنه يجب أن يتبدل حاله كي يتعلم و يتطور .
و من النادر أن نجد
شخصًا ذو معتقد مستقبلي ثابت ، فكثيرًا ما تحدث الأشياء التي تدفع الشخص للتغيُّر
، و تغيره يعني تطورًا في مخزونه المعرفي عن الحياة ، لذلك فأولئك الذين ينظرون من
اتجاه واحد إلى المستقبل طوال حياتهم ، لا تتطور معرفتهم و لا تضاف إلى شخصياتهم بعض
الحكمة ، و لا يبدو عليهم التقدم في فهم الأشياء و الآثار المنطقية لها ، و غالبًا
ما يعانون من عقد نفسية أو تأثير ما يقيد منظارهم ، و يمنحه لون أو اثنين محددين
لا يتغيران مهما كان الأمر !
لذلك تغيرك بحد ذاته
نعمة !
فأنت صحيح نفسيًا _
إن شاء الله _ ، لا زلت تأخذ الدروس بإنتظام ، تارة تخفق فتتراجع خطوة للوراء و
لديك تجربة ، و تارة تنجح و تتقدم للأمام فتكتسب خبرة .
أولئك الذين يتوقفون
عند زاوية واحدة غير قادرين على الخروج من حشر الأفكار لهم فيها ، لا يبحثون عن
طريقة للخلاص من هذا الضيق الذي تنحصر به رؤيتهم ، بل يبحثون عن ظل لهم من أشعة
المفاجأة ، يبدؤون بالإستظلال هناك لأعوام و أعوام غير قادرين على مواجهتها ، و
ربما قبل الموت بشهقتين يغادرون المشهد بسلام إعجازي أو بضرب من الجنون !
تقبل الواقع أمر ليس
سهل دائمًا ، تصديق الحوادث يحتاج لقوة في مواجهة فاجعتها و لو بالإنهيار !
عليك تصديق مشهد تهدم
حلم بنيته بإنجازات تدعم تحقيقه في لحظة واحدة ، عليك تقبل إنهيار رؤية مستقبلية
لن تتحقق بسبب الظروف الطارئة ، يجب أن تتخطى كل هذا ، و أن تتخطاه لا يعني أن
تنساه ، بل على العكس تمامًا يبقى في ذاكرتك لا يغيب كدرس مهم يجب تطبيق ما
استفدته منه في أحلامك التالية !
حسنًا ، يجب أن تمتلك
حلمًا مكانه و حلمين أو أكثر في مقاعد إضافية إلى جانب البقية ، هو ليس لك ، لم
يكن يومًا قدرك ، إنسى الأمر عليك أن تبحث عن قدرك ، و عليك أن ترضى به ..
تخطى الأمر ، قم بشطب
الحلم الذي لُعِن و املأ القائمة بأحلام أخرى ، يجب أن تكون قائمتك نشيطة لتكون
صحتك النفسية بحال جيدة ، ففتور قائمة الأحلام لديك ، يعني إحباطًا لا يدعم صحتك ،
عليك أن تستمر بإضافة الأحلام دون كلل ، دائمًا إجعل أمامك أهدافًا تسعى إليها مهما
كان حجمها بسيطًا ؛ أنت ما خلقت عبث و لا يسمح لك بالتقاعس أبدًا ..
إن كانت هناك أهدافًا
فيها نسبة فشل كبيرة ، فعليك أن لا تنسى بأن لديك هدف أسمى لا يقبل الفشل مهما حدث
، و عليك أن تتمسك به بقوة فهو حبل نجاتك فيما بعد الحياة هذه ..
أنت لست ملحد غافل و
لا كافر لاه بحيث أن أحلامك تنحصر فيما قبل الموت و تتوقف عنده ، أنت مسلم تعرف
تمامًا أن لديك هدف لا تستطيع التفريط به في سبيل أي شيء كان ، و هو عبادة الله و
إرضاؤه ، فهو سبب وجودك و غاية خلقك ، و هو يضمن لك الرغد بعد الحياة و الراحة بعد
الموت ، إذن فهو هدفك الأهم الذي لا تسمح لأي شيء أن يعترضه فتمتم : " يا مثبت
القلوب ثبت قلبي على دينك "
دائمًا تتردد بداخلي
عبارة مرت علي فيما مضى :
" حلمك ليس له تاريخ إنتهاء ، فتنفس بعمق و حاول
مرة أخرى " !
و أتذكر عبارة مكتوبة
على باص مواصلات :
" ما دامت الحياة واحدة ، فلا داعي للعيش جبانًا " !
و يقول علي بن جابر
الفيفي في كتابه " لأنك الله " :
( أمانيك مع الله
حقائق
تطلعاتك واقع مُعاش
رغباتك ستهدى إليك
أشواقك ستهب عليك
يقول تعالى " و
توكل على العزيز الرحيم * الذي يراك حين تقوم " )
رسالة وجيزة : "
لا تيأس ، و أقم ظهرك مواجهًا رياح الحقيقة ، و خض في الحياة دون قلق "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق