يهطل المطر و يحملك
بين حباته !
تمتلئ الطرقات و تغرق
مدائن قلبي بذكراك !
أُصَابُ بخوف ، برجفة
و أشعر برغبة في الصمت للابد !
أفقد الأحرف و أتوقف
عن استعمال الكلمات ، بات الكلام بحق الوضع مهينًا ...
كنت لأغني بدلًا من
أن أتكلم ، لولا ذكرى صوتك التي أنهت على ألحاني !
تهطل الحبات بسرعة و
على التوالي دون أية فواصل !
كأنها غاضبة و ما ان
تلسعك برودتها حتى تدرك أنها ليست عادية و كأي حبة مطر ، حبة تسقط معها ذكرى على
رأسك كمطرقة تهدم كل هدوئك الذي جمعته بجهد ، برودتها لاسعة ذلك لأنها تحكي قصة ،
قصة حقيقية خارجة من ذكرى !
كل الأشياء تقلصت و
تبدلت و تمادت و جربت كل الأدوار إلاك و ذكراك الخالدة ..
تهطل كغرق مع المطر ،
تتجلى بوضوح على سطح بحر ، و تختبئ بين منازل القمر ، و ما إن تبدأ الشمس بالظهور
حتى تُسقِط عليها شعاعك ، و عندما تلمع النجمة فهذا يعني نهايتك معها و مغادرتك
لها ، معطيًا إياها اللمعة الأخير و الأجمل من بين كل اللمعات التي وهبتها سابقًا
!
لا تتغير ، لا تُبدل
دورك المضيء مهما زادت العتمة ، كل ما تفعله عندما يتم وضع خطة للإنهاء على
ذكرياتك أنك تجدد شارة استيطانك دون أن تقلص مساحة الغياب التي تفصلنا ، و دون أن
تمحي بعضًا من مسافة البعد الذي تحول بين اللقاء ؛ فقط تتجدد عبر لمعة نجمة أو
ظهور قمر ، أو استقرار سطح بحر ، أو هطل مطر أو شروق شمس !
ألم أقل لا تتبدل ، أنت
فقط تتجدد وجود ، و تصرُّ على جعله حتمي !
فما كنتَ يومًا
منسيًا !
فإما مضيئًا ابد الآبدين
و إما مضيئًا أبد الدهر !!
لستَ كمن أصبح عمود
ظلام بعد أن كان منيرًا ، و لا كرماد خلفته شعلة ؛ دومًا منيرًا ، دومًا ستبقى
مشعلًا لا يخفت ضوؤه !
و تهطل ذكراك بشكل مفاجئ
_ كعادتك _ على زي عسكري يمر به أحدهم عائدًا من ساعات دوامه منهك ... !
أتذكرك ..
بهذا الجو الماطر ،
أنت ..
تناجيني و تخبرني أنك
متعب و بعينين زادهما الإرهاق نعاسًا ، تقول : " المطر يواسي تعبي ! "
ملحقًا العبارة بصورة ، صورة للشارع الذي تعمل فيه ، مغسول بالمطر ، تقبل رصيفه
أشعة شمس خجولة ..
أحفظ الصورة بقلبي ،
أنظر لها كل يوم ، و أنا أشعر بالتشابه الكبير بينها و بينك !
تقول بشكل مفاجئ
أيضًا : " غنِّي لي ، أي شيء للمطر ! "
المطر ...
أم أغنيك يا هطل قلبي
؟!
تردف عندما أتأخر
بالرد " لأجل المطر " !
و أجد قلبي يرد :
" تعني لأجلك .. "
و أغنِّي بصوت ذكراك
، بلون عينيك ، بملامحك التي لا تذوب مع البعد ، بابتسامتك الدافئة ، بقامتك التي
تشبه قامة شلال ، صاخب لكنه ساكن في مكانه ، بأحاديثك التي لا تُمَلّ ، بكلماتك
التي تلقحها بحب هادئ لا يعرف الصخب ، و أطلق اللحن الأخير بتهدج !
لا تسألني ، أنت
معتاد على الرجفة الأخيرة نهاية كل أغنية أغنيها لك ، أنت تعرف دون الحاجة لسؤالي
!
تبتسم ابتسامة هادئة
بعينيك كي تصبحان قوسان مطر ، و تغدق علي حبًا !
أمسح دموعًا وهمية و
أبتسم بخفة ، لا بأس مجرد ذكرى أغنية ، فأنت ما عدت بقربي كما لا زلت بقلبي !
تقبل جبيني بشكر ، و
أذوب بالصمت الخجول ، فلا تلبث أن تهديني جرعة حياة بصوتك ..
تُسقِي نبتة قلبي
الذابلة فتحييك زهرة لا تموت !
هادئ ، به بحة دافئة
، تعلوه نبرة التعب بعد ساعات الدوام الليلية ، تخبرني بأنك لا تعرف ماذا تقول ! ،
و أنك بخير بعد أغنيتي ، و تضحك بخفة قبل أن تقول : " أريد أن أغني لك و لكن
في هذا الوقت سيكون الأمر كارثي ! "
و لا أرد بغير ضحكة
معترفة بكارثية الأمر ، فيكفي التيه الذي أصابني المرة الأولى و الأخيرة التي تغن
لي بها ، و بعدها نسيت الحروف التي أقول بها : " غن لي "
لأنني علمت أنها تعني
: " بعثرني "
...
تصمت لحظة ، ثم تقبِّل
عينان قلبي ، و بكلمات توصية حريصة ، تخبرني أن كل شيء بخير ما دمتُ كذلك ، و تقول
مازحًا : " سأنام بعد أن أسمع الأغنية خمس مرات على الأقل كتهويدة " !
تهويدة !
أنا لا أحتاج
التهويدات !
و لا حتى أحتاج النوم
!
سأجتهد في حفظ صوتك
بقلبي ، و ستغفو حواسي قريرة ، و ستبقى أنت عالقًا في ما بين الصحوة و النوم !
فلا أنت الذي تنام
بداخلي ، و لا أنت الذي صحوت !
تعيش بداخلي على هيئة
غيبوبة !
تكاد تسمعني ، تكاد
تعرفني ، و بالكاد أستطيع رؤية أبعادك و سماع بحَّتك ..
قريبٌ بعيد
مواطن شريد !
تعيش كل التناقضات
بداخلي ، تعيث بي فسادًا ؛ و لكنك لا تغادر و لا تتغير أبدًا .. خـالد ٌ للأبد !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق