إعادة نشر للتدوينة بعد أن طارت بلمسة مغلوطة ، على بلوجر أن يجد طريقة لاستعادة المحذوفات 😕
هل تشعر بشيء من ضيق لا مبرَّر ؟
هل تشعر بشيء من ضيق لا مبرَّر ؟
بنقص محدَّد ؟
بالملل و الكسل ؟
هل تعتبر شيئًا ما
سجنًا لروحك لئلا تنطلق ؟
أتشعر حقًا بالعجز ؟
لا تتوقَّف هنا ،
تحتاج لشيء يؤلمك كثيرًا كي تنهض ، قم فاقرأ لكريستي براون " قدمي اليسرى
" ، كريستي الذي يعاني من الشلل الدماغي ، كريستي الذي ما ظنَّ أنه معاق حتى
وقت طويل ، عَلِمَ فقط أنه مختلف و هو في سن العاشرة ، و قنط من عدم قدرته
على الركض و تسلُّق الشجر و لعب كرة القدم و غيرها من النشاطات التي لا يساعده
جسده المريض في فعلها ، هكذا مضى كريس حتى انكسرت عربته " هنري " ،
وقتها فقط عَلِم أنه مختلف .
كان يخرج مع اخوانه ،
و يركضون و هم يدفعونه على عربته الرديئة تلك ، لا يخجل عندما يتحدَّث بلهجة
النخير ، و سقط عشرات المرَّات بدون أن يكره ان يركضون به ، بل و حتى لقد سبح
أوَّل مرة بدون أي مساعدة ، لم يكن يرى النظرات المشفقة على أنها أي شيء ، كان
يعرف فقط أنه مختلف كفاية كي يمر الناس بجانبه و يرمقونه بتلك النظرات ، كان طفلًا
طبيعيًا سوى أن جسده ليس ملكه ، أحلامه و شقاوته و ذكاؤه و نشاطه التفكيري لم يخبو
يومًا بل إنه كان طريقة نحو كتابة قصته هنا ، كان عقله بخير تمامًا ، كان طفلًا
كاملًا حتى كسره سجن جسده ..
عندما أدرك أنه مختلف
، بدأ يبتعد ، بدأ يغرق في نفسه أكثر ، بدأ يرسم بقدمه اليسرى ، ينسخ بقدمه اليسرى
، توقَّف عن الخروج إلى الأماكن التي فيها ناس ، بات يطلب منهم أن يذهبوا به إلى
الأماكن الساكنة الهادئة حيث الطبيعة بدون نظرات مشفقة لا يدري ماذا تريد منه !
مشوار كريستي مع نفسه
بدأ منذ كتابته حرف A و
تعلَّم كتابة الحروف الأبجدية و الكلمات مع أمه بقدمه اليسرى ، و لكنه انشغل
بطفولته بعدها فانقطع عن نفسه ، بل إنه يقول إنه لم يكن يحاول التفكير في النظرات
الغريبة أو مدى اختلاف اخوانه عنه ، كان يشعر بأن هذا سيحزنه فلم يكن يفعل ، حتى
جاء اليوم الذي انكسرت به عربته ، و غاص بنفسه أكثر فاستأنف مشواره بالرسم بعيدًا
عن نشط الطفولة الذي بات مزعجًا أكثر من ممتع .
بنظرة شفقة واحدة من
طفلة أدرك كريستي بأنه كان يحلُم فقط بأن لا شيء يفرقه عن الآخرين سوى أوهام
يصوِّرها له عقله ، وقتها رأى المستقبل الغامض كحفرة سوداء تنتظر سقوطه بالداخل ،
لم يكن كريستي قادرًا على أن يذهب للمدرسة ، و لا حتى يعتمد على نفسه ، لم يكن
هناك شيء طبيعي في جسده سوى قدمه اليسرى فقط ، حتى أنه لم يكن ينطق ، رأسه منحنٍ
بغير سيطرة منه ، فمه ملتوي ، و يداه لا تتوقفان عن الإلتواء و الحركة ، عندما نظر
إلى نفسه بالمرآة كسرها ، و عندما جاءت امه لتتفقَّده بفزع أشار لقطع المرآة
المضيئة تحت نور الشمس بقدمه اليسرى و إدراكه المتأخر بأنه معاق .
كريستي رسم حتى ملَّ
، ثم في سن السادسة عشرة بدأ يكتب القصص بميلودرامية فضيعة ، كان يكتب ليخرج منه
غضبه من نفسه على هيئة مشاهد عنيفة و دموية مزعجة ، كان كريستي بقدمه اليسرى يرسم
و يكتب و يمضي ، كانت رأسه محتشدة بالأفكار ، كان طبيعيًا سوى جسده ، كان معاقًا
سوى قدمه اليسرى .
في الثامنة عشرة نرى
كريستي و هو يبدأ مشوار علاجه الطبيعي ، بعد أن مُنِع من استخدام قدمه اليسرى بعد
بدئ العلاج لأن اعتماده الكلي عليها جعل فرصة الأعضاء الباقية لا شيء في الحركة أو
حتى المحاولة ، كريس وعد ألا يستخدمها و فعل .
لم يكن مختلًا ، و لا
أحمق ، كان بقدر جيِّد من العقلانية كي يكون شخصًا طبيعيًا سوى من جسده .
في العيادة التي كان
يذهب إليها للعلاج ، كان البالغ الوحيد من بين مجموعة أطفال ذوي احتياجات خاصة
متنوعة ، رأى الرعب في عجز أولئك الأطفال ، بل رأى نفسه عندما كان صغيرًا ، و لكن
أيًا من هذا لم يثنيه عن مواصلة العلاج ، كان يحتاج الجدية أكثر من التعاطف ، كان
يبغي الحب كأي عاقل بدلًا من الشفقة المؤذية ، كان مراهق تمامًا سوى أن جسده كان
معاق .
بعد أسابيع من الذهاب
للعيادة ، شعر كريس بأنه يريد كتابة شيء ما و إيصاله لكل إنسان على هيئة كتاب ، و
لكنه لم ينقض عهده فيستخدم قدمه اليسرى ، بل بموقف بسيط جعل أخيه الأصغر إيمن يبدأ
الكتابة بحيث هو يملي و ذاك يكتب ، كتب كريس بطريقة ديكنزية حزينة ، بكلمات صعبة
لم يكن يفهمها و لكنه استخدمها ، و أحيانًا كان يملي الحروف على أخيه المسكين الذي
لا يعرف هجاء الكلمات الصعبة التي يأتي بها ، و وضع عنوان الكتاب " ذكريات
مختل عقليًا " !
كريس لم يكن يريد أن
يعترف لنفسه بأن كل تلك المخطوطات التي عمل عليها مع أخيه كانت بلا جدوى ، و لكنه
عندما علم بأنه يحتاج للمساعدة لتعليمه كيف يكتب بوضوح لم يتردَّد لحظة عن إرسال
رسالة للدكتور كوليس الذي ما كان سوى الكاتب روبرت كوليس ، و بدأ تعليمه الكتابة و
الأدب من قبل الدكتور .
في العيادة التي
انتقل إليها مع توافد الكثير من المرضى الجدد ، تعلَّم كريس الإسترخاء الحقيقي و
تعلَّم كيف يتنفَّس بانتظام و بالتالي كيف ينطق بشكل جيِّد ، و من ناحية أخرى لم
يتوقَّف عن بدئ كتاب جديد مع أخيه الآخر فرانسيس الذي كان صريحًا عندما سأله عن
رأيه بما كتبه حتى الآن فقال : لا بأس به ، لكن أحدنا يحتاج قاموس بجواره لقراءته
!
و بدأ كتابًا ثالثًا
مرَّة أخرى بعد أن ركَّز على أخطائه و الأشياء المكرورة في نصوصه ، و هكذا مضى
كريس .
في العشرين من عمره
تعرَّض كريس لشعور الوحدة من جديد ذات مساء فأراد أن يكتب ، و لكنه لم يجد الكلمات
المناسبة فصرخ على أخيه فرانسيس : اخرج إلى الجحيم ! ، و قبل أن يبكي الصغير
المسكين فأردف : امض إلى الخارج .
و عندما خرج ، مزَّق
جورب قدمه اليسرى و وضع الورقة أمامه ، و بد يكتب بدون تفكير و بكل غضب و ضعف ،
كلمات متشابكة ، أفكار ليست متناسقة ، كان يريد أن يكون بأي شكل .
و عندما قبض عليه
الدكتور مستخدمًا قدمه اليسرى لم يقل الدكتور كوليس شيئًا ، بل مضى في تعليمه و
كأنه لم يرَ أي شيء ، و في النهاية قال : حاول ألا تستخدمها إلا للضرورة و لن نخبر
الدكتورة .!
و في النهاية الحفلة
الموسيقية التي سُرِد فيها الجزئين الأولين من الرواية كلها " الحرف A " و " أمُّنا " ، و كان كريس
في المسرح ، و قُدِّم إلى أمِّه ورد أحمر ، الأم التي لم تستسلم لفكرة اختلال عقله
، التي علَّمته كيف يكتب ، التي فهمته دومًا ، و التي بَنَت بيتًا !
إلى كل أم عمِلت على
البذل الجزيل ، إلى كل أمٍ كانت قوية ثابتة و غير مستسلمة للنقص الذي ينهش أطفالها
، إلى كل أمٍ كانت بطلة : شكرًا لك أيتها الأم القوية ، أيتها الأم الثابتة رغم كل
ما يتزلزل من حولها كلُّنا فخورين بك .
و هنا تحيَّة للحبيبة
أسماء أمُّ شهد ، الأمُّ التي تتبعثر حكايا حب أطفالها بين كلماتها ، الأمُّ التي
تتناثر شظايا الدفء من حديثها الجميل ، الأمُّ التي أعرف انها قويَّة كفاية كي
تعلِّم طفلتيها أن الحياة مهما بدت حزينة و موجعة فإننا نستطيع أن نمضي بها مهما
كان ضعفنا ، فقط بقليل من الكفاح ، بكثير من الإيمان ؛ قبلتين لطفلتيها الجميلتين
و ودٌّ للعائلة الوردية اللطيفة .
أخيرًا ، أيُّها
اليائس ، أيُّها المسجون في زنزانة وهمك ، كريستي لم يسقط مهما سقط ، كريستي
المصاب بالشلل الدماغي لم ينكسر للأبد ، فما بالك بصحتك و عافيتك و سلامتك و
أعضاؤك التي تعمل ، ما بالك تعجز !
تذكَّر قوله عليه
الصلاة و السلام : ( و لا تعجز )
كتاب " قدمي
اليسرى " لكريستي براون ، حَرِيٌّ بكل متخاذل أن يقرؤه ، و المنتَظر أن يبتسم
، أن ينهض ، و أن يقول بكل صدق : اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم
سلطانك .
قرأتُ الكتاب بتوصية
من أختي مساء أمس ، و ها أنا أوصي به كل من لم يقرؤه ، كتاب قصير مليء بالسقوط ،
حافل بالنقص ، و لكنَّه مختوم برسالة مهمَّة على كل إنسان أن يقرأها : احصل على
السلام الداخلي بنجاحاتك ، و لا تعجزنَّ .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق