23‏/6‏/2020

# كتب

نبذة عن كتاب " قدمي اليسرى " لكريستي براون .

إعادة نشر للتدوينة بعد أن طارت بلمسة مغلوطة ، على بلوجر أن يجد طريقة لاستعادة المحذوفات 😕



هل تشعر بشيء من ضيق لا مبرَّر ؟

بنقص محدَّد ؟

بالملل و الكسل ؟

هل تعتبر شيئًا ما سجنًا لروحك لئلا تنطلق ؟

أتشعر حقًا بالعجز ؟



لا تتوقَّف هنا ، تحتاج لشيء يؤلمك كثيرًا كي تنهض ، قم فاقرأ لكريستي براون " قدمي اليسرى " ، كريستي الذي يعاني من الشلل الدماغي ، كريستي الذي ما ظنَّ أنه معاق حتى وقت طويل ، عَلِمَ فقط أنه مختلف و هو في سن العاشرة ، و قنط من عدم قدرته على الركض و تسلُّق الشجر و لعب كرة القدم و غيرها من النشاطات التي لا يساعده جسده المريض في فعلها ، هكذا مضى كريس حتى انكسرت عربته " هنري " ، وقتها فقط عَلِم أنه مختلف .

كان يخرج مع اخوانه ، و يركضون و هم يدفعونه على عربته الرديئة تلك ، لا يخجل عندما يتحدَّث بلهجة النخير ، و سقط عشرات المرَّات بدون أن يكره ان يركضون به ، بل و حتى لقد سبح أوَّل مرة بدون أي مساعدة ، لم يكن يرى النظرات المشفقة على أنها أي شيء ، كان يعرف فقط أنه مختلف كفاية كي يمر الناس بجانبه و يرمقونه بتلك النظرات ، كان طفلًا طبيعيًا سوى أن جسده ليس ملكه ، أحلامه و شقاوته و ذكاؤه و نشاطه التفكيري لم يخبو يومًا بل إنه كان طريقة نحو كتابة قصته هنا ، كان عقله بخير تمامًا ، كان طفلًا كاملًا حتى كسره سجن جسده ..



عندما أدرك أنه مختلف ، بدأ يبتعد ، بدأ يغرق في نفسه أكثر ، بدأ يرسم بقدمه اليسرى ، ينسخ بقدمه اليسرى ، توقَّف عن الخروج إلى الأماكن التي فيها ناس ، بات يطلب منهم أن يذهبوا به إلى الأماكن الساكنة الهادئة حيث الطبيعة بدون نظرات مشفقة لا يدري ماذا تريد منه !

مشوار كريستي مع نفسه بدأ منذ كتابته حرف A و تعلَّم كتابة الحروف الأبجدية و الكلمات مع أمه بقدمه اليسرى ، و لكنه انشغل بطفولته بعدها فانقطع عن نفسه ، بل إنه يقول إنه لم يكن يحاول التفكير في النظرات الغريبة أو مدى اختلاف اخوانه عنه ، كان يشعر بأن هذا سيحزنه فلم يكن يفعل ، حتى جاء اليوم الذي انكسرت به عربته ، و غاص بنفسه أكثر فاستأنف مشواره بالرسم بعيدًا عن نشط الطفولة الذي بات مزعجًا أكثر من ممتع .



بنظرة شفقة واحدة من طفلة أدرك كريستي بأنه كان يحلُم فقط بأن لا شيء يفرقه عن الآخرين سوى أوهام يصوِّرها له عقله ، وقتها رأى المستقبل الغامض كحفرة سوداء تنتظر سقوطه بالداخل ، لم يكن كريستي قادرًا على أن يذهب للمدرسة ، و لا حتى يعتمد على نفسه ، لم يكن هناك شيء طبيعي في جسده سوى قدمه اليسرى فقط ، حتى أنه لم يكن ينطق ، رأسه منحنٍ بغير سيطرة منه ، فمه ملتوي ، و يداه لا تتوقفان عن الإلتواء و الحركة ، عندما نظر إلى نفسه بالمرآة كسرها ، و عندما جاءت امه لتتفقَّده بفزع أشار لقطع المرآة المضيئة تحت نور الشمس بقدمه اليسرى و إدراكه المتأخر بأنه معاق .



كريستي رسم حتى ملَّ ، ثم في سن السادسة عشرة بدأ يكتب القصص بميلودرامية فضيعة ، كان يكتب ليخرج منه غضبه من نفسه على هيئة مشاهد عنيفة و دموية مزعجة ، كان كريستي بقدمه اليسرى يرسم و يكتب و يمضي ، كانت رأسه محتشدة بالأفكار ، كان طبيعيًا سوى جسده ، كان معاقًا سوى قدمه اليسرى .



في الثامنة عشرة نرى كريستي و هو يبدأ مشوار علاجه الطبيعي ، بعد أن مُنِع من استخدام قدمه اليسرى بعد بدئ العلاج لأن اعتماده الكلي عليها جعل فرصة الأعضاء الباقية لا شيء في الحركة أو حتى المحاولة ، كريس وعد ألا يستخدمها و فعل .

لم يكن مختلًا ، و لا أحمق ، كان بقدر جيِّد من العقلانية كي يكون شخصًا طبيعيًا سوى من جسده .



في العيادة التي كان يذهب إليها للعلاج ، كان البالغ الوحيد من بين مجموعة أطفال ذوي احتياجات خاصة متنوعة ، رأى الرعب في عجز أولئك الأطفال ، بل رأى نفسه عندما كان صغيرًا ، و لكن أيًا من هذا لم يثنيه عن مواصلة العلاج ، كان يحتاج الجدية أكثر من التعاطف ، كان يبغي الحب كأي عاقل بدلًا من الشفقة المؤذية ، كان مراهق تمامًا سوى أن جسده كان معاق .



بعد أسابيع من الذهاب للعيادة ، شعر كريس بأنه يريد كتابة شيء ما و إيصاله لكل إنسان على هيئة كتاب ، و لكنه لم ينقض عهده فيستخدم قدمه اليسرى ، بل بموقف بسيط جعل أخيه الأصغر إيمن يبدأ الكتابة بحيث هو يملي و ذاك يكتب ، كتب كريس بطريقة ديكنزية حزينة ، بكلمات صعبة لم يكن يفهمها و لكنه استخدمها ، و أحيانًا كان يملي الحروف على أخيه المسكين الذي لا يعرف هجاء الكلمات الصعبة التي يأتي بها ، و وضع عنوان الكتاب " ذكريات مختل عقليًا " !



كريس لم يكن يريد أن يعترف لنفسه بأن كل تلك المخطوطات التي عمل عليها مع أخيه كانت بلا جدوى ، و لكنه عندما علم بأنه يحتاج للمساعدة لتعليمه كيف يكتب بوضوح لم يتردَّد لحظة عن إرسال رسالة للدكتور كوليس الذي ما كان سوى الكاتب روبرت كوليس ، و بدأ تعليمه الكتابة و الأدب من قبل الدكتور .





في العيادة التي انتقل إليها مع توافد الكثير من المرضى الجدد ، تعلَّم كريس الإسترخاء الحقيقي و تعلَّم كيف يتنفَّس بانتظام و بالتالي كيف ينطق بشكل جيِّد ، و من ناحية أخرى لم يتوقَّف عن بدئ كتاب جديد مع أخيه الآخر فرانسيس الذي كان صريحًا عندما سأله عن رأيه بما كتبه حتى الآن فقال : لا بأس به ، لكن أحدنا يحتاج قاموس بجواره لقراءته !

و بدأ كتابًا ثالثًا مرَّة أخرى بعد أن ركَّز على أخطائه و الأشياء المكرورة في نصوصه ، و هكذا مضى كريس .





في العشرين من عمره تعرَّض كريس لشعور الوحدة من جديد ذات مساء فأراد أن يكتب ، و لكنه لم يجد الكلمات المناسبة فصرخ على أخيه فرانسيس : اخرج إلى الجحيم ! ، و قبل أن يبكي الصغير المسكين فأردف : امض إلى الخارج .

و عندما خرج ، مزَّق جورب قدمه اليسرى و وضع الورقة أمامه ، و بد يكتب بدون تفكير و بكل غضب و ضعف ، كلمات متشابكة ، أفكار ليست متناسقة ، كان يريد أن يكون بأي شكل .

و عندما قبض عليه الدكتور مستخدمًا قدمه اليسرى لم يقل الدكتور كوليس شيئًا ، بل مضى في تعليمه و كأنه لم يرَ أي شيء ، و في النهاية قال : حاول ألا تستخدمها إلا للضرورة و لن نخبر الدكتورة .!



و في النهاية الحفلة الموسيقية التي سُرِد فيها الجزئين الأولين من الرواية كلها " الحرف A " و " أمُّنا " ، و كان كريس في المسرح ، و قُدِّم إلى أمِّه ورد أحمر ، الأم التي لم تستسلم لفكرة اختلال عقله ، التي علَّمته كيف يكتب ، التي فهمته دومًا ، و التي بَنَت بيتًا !



إلى كل أم عمِلت على البذل الجزيل ، إلى كل أمٍ كانت قوية ثابتة و غير مستسلمة للنقص الذي ينهش أطفالها ، إلى كل أمٍ كانت بطلة : شكرًا لك أيتها الأم القوية ، أيتها الأم الثابتة رغم كل ما يتزلزل من حولها كلُّنا فخورين بك .





و هنا تحيَّة للحبيبة أسماء أمُّ شهد ، الأمُّ التي تتبعثر حكايا حب أطفالها بين كلماتها ، الأمُّ التي تتناثر شظايا الدفء من حديثها الجميل ، الأمُّ التي أعرف انها قويَّة كفاية كي تعلِّم طفلتيها أن الحياة مهما بدت حزينة و موجعة فإننا نستطيع أن نمضي بها مهما كان ضعفنا ، فقط بقليل من الكفاح ، بكثير من الإيمان ؛ قبلتين لطفلتيها الجميلتين و ودٌّ للعائلة الوردية اللطيفة .



أخيرًا ، أيُّها اليائس ، أيُّها المسجون في زنزانة وهمك ، كريستي لم يسقط مهما سقط ، كريستي المصاب بالشلل الدماغي لم ينكسر للأبد ، فما بالك بصحتك و عافيتك و سلامتك و أعضاؤك التي تعمل ، ما بالك تعجز !

تذكَّر قوله عليه الصلاة و السلام : ( و لا تعجز )



كتاب " قدمي اليسرى " لكريستي براون ، حَرِيٌّ بكل متخاذل أن يقرؤه ، و المنتَظر أن يبتسم ، أن ينهض ، و أن يقول بكل صدق : اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك .



قرأتُ الكتاب بتوصية من أختي مساء أمس ، و ها أنا أوصي به كل من لم يقرؤه ، كتاب قصير مليء بالسقوط ، حافل بالنقص ، و لكنَّه مختوم برسالة مهمَّة على كل إنسان أن يقرأها : احصل على السلام الداخلي بنجاحاتك ، و لا تعجزنَّ .






 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Follow Us @techandinv